توجهات جديدة تسعى إليها السعودية مؤخرا، لتطوير القطاع السياحي الذي تهدف من خلاله إلى توفير مليون وظيفة جديدة بحلول 2030، ولتوفير الكوادر المؤهلة لهذه الوظائف، إذ هناك 14 برنامجا أساسيا للتدريب حاليا في السعودية، حيث تتراوح من تدريب الرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات السياحية، إلى مشاريع ريادة الأعمال متناهية الصغر.

القطاع السياحي يلعب دور كبير برؤية الدولة السعودية 2030، نظرا لما يوجد بها من الأماكن التراثية والتاريخية، وذلك بخلاف التركيز السابق على السياحة الدينية واستثمار وجود الأماكن المقدسة، مما جعل منها مكانة عظيمة في كافة دول العالم العربي والإسلامي، فإنّ “الرياض تسعى إلى تطوير القطاع السياحي، لتكون قبلة للعالم بأجمعه وليس للمسلمين والعرب كمان كان في العهد السابق لها”.

كيف من الممكن أن تحقق السعودية مثل هذا الأمر. وهل ستنجح عبر القطاع السياحي، بتوفير وتطوير الاقتصاد السعودي مع حلول عام 2030 وفق الرؤية السعودية الجديدة.

تنويع مصادر الدخل

إثراء وتحفيز الاقتصاد السعودي يُعتبر إحدى ركائز الرؤية السعودية 2030 التي من أساسياتها تنويع مصادر الدخل بدلا من الاعتماد الكلي على عوائد النفط ، وذلك عبر خطط ومنهجيات تسير وفق أهداف مرصودة، وقطاع السياحة من أبرز الموارد الاقتصادية في غالبية دول العالم، وهذا ما يؤكدّ عليه الكاتب والمحلل السياسي السعودي عمر عبدالوهاب العيسى، خلال حديثه لـ”الحل نت”، حيث يشير إلى أنّ “السعودية تمتلك مقومات سياحية كبيرة، مستمدة من موقع استراتيجي وجغرافي مميز وتضاريس طبيعية خلابة، ومعالم كثيرة جذابة في مساحة شاسعة تعادل مساحة قارة، والتي قد لا تتوفر جميع تلك المزايا في بقية بلدان المعمورة” وفق تعبيره.

السعودية اختارت عبر رؤية 2030 قطاع السياحة ليكون رافدا اقتصاديا وتنمويا، بحسب العيسى، ليصبح من ضمن الدعائم الاقتصادية الصلبة وجعله عنصرا فعالا، لإيجاد فرص عمل للعاطلين من أبناء وبنات الوطن إما عبر خلق وظائف جديدة لمن اختاروا المجال الوظيفي، أو لمن يطمحون في افتتاح مشاريع خاصة بهم، وعلاوة على الأعداد الكبيرة لقاصدي السعودية، لغرض السياحة أو زيارة المواقع المتميزة والمنتشرة فيها، بحسب تعبيره.

قد يهمك: معبر “عرعر”.. حقبة جديدة في العلاقات بين السعودية والعراق؟

النجاح سيكون حليفا للقطاع السياحي في السعودية، وفق العيسى، وبحسب رصد أجرته صحيفة “مال” المحلية، فإنّ تطوير قطاع السياحة في السعودية بات واحدا من قطاعين إلى جانب قطاع التجزئة، وضعتهما رؤية السعودية 2030 بشكل مباشر ضمن 91 هدف استراتيجي لها، وهو انعكاس لسلسلة المشاريع الضخمة التي يشهدها قطاع السياحة السعودي في الخمس سنوات الأخيرة، بوصفه القطاع غير النفطي الأبرز الذي فجرت الرؤية إمكانياته بعد سُباته العميق وساهم منذ انطلاقه في تحقيق 28 هدفا استراتيجيا لرؤية السعودية 2030.

وجهة سياحية جديدة

وفقا لمركز المعلومات والأبحاث السياحية “ماس” وبحسب تأكيدات المحلل السعودي عمر العيسى، فإنّ “السعودية إلى جانب الأماكن المقدسة، تتمتع بإمكانيات سياحية كبيرة تجذب الملايين من السائحين الباحثين عن الثقافة والتاريخ والمناخ المتنوع، وهو ما سيؤهل السعودية لتكون الوجهة السياحية الأولى في العالم، بعد استكمال المشاريع التي أطلقتها الرؤية والتي يأتي على رأسها مشاريع، البحر الأحمر، أمالا، القدية”.

قطاع السياحة سيساهم بشكل كبير في تحقيق الـ 6 مستهدفات العامة لرؤية السعودية الجديدة أي أهداف المستوى الأول، وهي تعزيز الهوية الوطنية، وتمكين حياة عامرة وصحية، وتنمية وتنويع الاقتصاد، وزيادة معدلات التوظيف، وتعزيز فاعلية الحكومة، وتمكين المسؤولية الاجتماعية.

العيسى يشير إلى أن “مشروع البحر الأحمر، وهو أحد المشاريع السياحية الذي انطلقت أعماله بقوة، يساهم في مساعدة قطاع السياحة على تحقيق 4 من تلك المستهدفات، وتستهدف إستراتيجية وزارة السياحة زيادة إسهام القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي من 3 بالمئة إلى 10 بالمئة، إضافة إلى زيادة أعداد زوار السعودية من 18 مليون زائر سنويا، إلى 100 مليون بحلول عام 2030، وزيادة استيعابها للقوى العاملة لتوفر 1.6 مليون فرصة عمل وهو ما يمثل 10 بالمئة من إجمالي القوى العاملة”.

“من المتوقع أن تخلق البرامج السياحية، إضافة إلى المشاريع السياحية الكبرى، فرصا وظيفية للشباب السعودي من الجنسين”، بحسب تأكيدات عمر العيسى، وستساهم المشاريع السياحية الجديدة الكبرى في تطوير المناطق المحيطة عبر رفع النشاط الاقتصادي في تلك المناطق، إضافة إلى توظيف أبنائها وتعزيز المحافظة على البيئة، وهذا ما قدمه أكثر من مشروع سياحي ومن بينها مشروع “البحر الأحمر”.

بهذا الصدد تشير نتائج الرصد إلى أنّ “السياحة تساهم في تحقيق 15 هدف فرعي أي أهداف المستوى الثاني من إجمالي 27 هدف فرعي لرؤية السعودية 2030، وبهذا الصدد يؤكدّ العيسى في سياق حديثه بالقول، “ستعمل السياحة في دعم الثقافة، وتنمية مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، وإطلاق قدرات القطاعات غير النفطية الواعدة، وتعظيم أصول ودور صندوق الاستثمارات العامة كمحرك للنمو، وتطوير رأس المال البشري، وجذب المواهب المناسبة للاقتصاد، وتحقيق توازن الميزانية، وتمكين الشركات من المساهمة الاجتماعية”.

أما على صعيد الأهداف الاستراتيجية والتي تتمثل في أهداف المستوى الثالث، فإنّ قطاع السياحة سيساهم في تحقيق 28 هدف استراتيجي من إجمالي 91 هدف، وهو ما يظهر الأهمية النسبية الكبيرة لقطاع السياحة في رؤية السعودية 2030، وتتمثل بعض الأهداف بحسب رؤية العيسى التي يساهم فيها القطاع، وهي حماية البيئة من الأخطار الطبيعية، وحماية وتهيئة المناطق الطبيعية، ومنها الشواطئ والجزر والمحميات، وتطوير وتنويع الفرص الواعدة لتلبية احتياجات السكان، وفق تعبيره.

بناءا على تلك الأرقام المعلنة من قبل السعودية في رؤيتها الجديدة تجاه القطاع السياحي، وفي ظل ارتفاع معدل الاقبال على زيارة السعودية من السائحين، والسعي لتطوير قطاع الأعمال وتحققيه معدلات عالية، فقد أظهرت بيانات صادرة عن وزارة الاستثمار السعودية أنّ “إنفاق السياح الدوليين في السعودية قفز إلى 27 مليار ريال في الأشهر الستة الأولى من العام 2022، بعد زيادة في عدد السياح الوافدين إلى 6.1 مليون سائح”.

اقرأ أيضا: الصين والتوجه إلى الخليج عبر السعودية.. دور مثير للتساؤلات والشكوك؟

الوزارة كشفت في أحدث نشرة شهرية لها، أنّ “عدد السياح الوافدين إلى السعودية في الربع الثاني من العام 2022 زاد على أساس سنوي بنسبة 575.4 بالمئة إلى 3.6 مليون سائح، بينما ارتفع عدد السياح المحليين بنسبة 42.3 بالمئة إلى 21.4 مليون سائح”.

تقدم ملحوظ

الرياض تقدمت 10 مراتب لتصل إلى المرتبة 33 في مؤشر تنمية السياحة والسفر، وهنا يرى الخبير السعودي والمختص بشؤون السياحة والسفر عبد العزيز الهديب، في تصريحات خاصة لـ”الحل نت”، بأنّه “من أجل تطوير القطاع السياحي، يجب أن يكون هناك طريق لاستغلال الموارد الطبيعية والموروث الثقافي، و بعض البرامج الترفيهية، حيث أنّ اختلاف الثقافات الممتد من الشمال إلى الجنوب ومن شرقها إلى غربها بالسعودية، يعطي تنوع فريد و تجربة متفاوتة ومختلفة للسائح”.

 المواقع الأثرية والتاريخية المسجلة بالسعودية، وفق الهديب، تخلق تجربة لا تنسي عن عظمة الإنسان بالجزيرة العربية منذُ آلاف السنوات، واختلاف التضاريس البرية والجبيلة والبحرية بالسعودية، تضيف خيارات سياحية جيده أيضا، على حد تعبيره.

النجاح مرهون بالظروف، بحسب الهديب، حيث ينوه إلى أنّ “الأرقام الحالية والارتفاع المتزايد بالإقبال السياحي في الوقت الحالي، يشير إلى أنّ أهداف العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد الأمير محمد، ماضي في تحقيق رؤية 2030، ويعدّ النهوض بالقطاع السياحي أحد الأولويات لديهم، وفي نهاية المطاف سوف تنجح وتكون رافدا اقتصاديا مهما لخزينة الدولة السعودية” وفق تعبيره.

أخيرا، يمكن القول إن الرؤية السعودية الجديدة، تعمل على رفد الاقتصاد السعودي بمزيد من مصادر الدخل وتنويعها، وفقا لما يراه مراقبون، حيث تعد السياحة أحد المصادر المهمة للرياض، وذلك في محاولة للخروج عن الإطار التقليدي الذي يعتمد على النقد كمصدر رئيسي للاقتصاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.