يوم أمس الثلاثاء، اعتبر “البيت الأبيض”، أن أي خطوة تغيّر الوضع القائم في المواقع المقدّسة في القدس ستكون غير مقبولة، بعد زيارة وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتشدد إيتمار بن غفير باحة المسجد الأقصى.

الناطقة باسم “البيت الأبيض”، كارين جان بيار، قالت، “إن الولايات المتحدة تؤيد بحزم الحفاظ على الوضع القائم مع احترام المواقع المقدّسة في القدس”، وأضافت أن “أي خطوة أحادية الجانب تعرّض الوضع القائم للخطر وهي غير مقبولة”.

في هذا السياق يعلم نتنياهو أن النهج الذي يقوده بن غفير تجاه الأماكن المقدسة قد يؤدي إلى نهاية أجله السياسي، لذلك من الممكن أن يسعى للتخلص من وجوده في حكومته في أقرب فرصة ممكنة، لذلك يجب على نتنياهو أن يختار المناورة من أجل احتياجات المنصب داخليا وإقليميا ودوليا رغم صعوبة ذلك، خاصة أنه يضع الملف النووي الإيراني في سلّم اهتماماته، وهو يعلم أنه لا يستطيع توجيه ضربة لإيران دون دعم من الولايات المتحدة التي تطالبه بسياسة تضمن حل الدولتين الذي يرفضه حلفاؤه اليمينيون داخل حكومته.

العديد من القضايا الشائكة التي يواجهها نتنياهو من بينها الاتفاقات الإقليمية، والنزاع الداخلي مع المحكمة العليا وخلافات أخرى مع الجيش والإعلام وغير ذلك، وهذا ما يدعو للتساؤل، هل يستطيع نتنياهو إقصاء بن غفير خلال المرحلة القادمة أم أنه يلبي رغباته السياسية الداخلية، وهل يمكن لنتنياهو الموازنة بين الاستحقاقات الداخلية ومطالب حلفائه المتطرفين والاستحقاقات الخارجية، وماذا عن مستقبل حكومة نتنياهو.

هل يمكن إقصاء بن غفير؟

بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، سعى نتنياهو إلى التحالف مع اليمين المتطرف الإسرائيلي المتمثل بكل من إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، مع علمه المسبق بالنهج المتطرف الذي يعمل عليه كل منهما، وخاصة بن غفير الذي يضع في أولوياته تغيير واقع الأماكن المقدسة في مدينة القدس، والتعامل بشكل عنيف مع الفلسطينيين، وذلك رغم التحذيرات الغربية لنتنياهو.

حكومة بنيامين نتنياهو

بن غفير قام في أول يوم من عمل الحكومة الجديدة بتطبيق نهجه باقتحام ساحة المسجد الأقصى رغم كل التحذيرات الخارجية والداخلية، ليكون أول اختبار لنتنياهو في التعامل مع الوزير الذي اختاره حليفا ووقّع على مطالبه، ومن بينها تغيير واقع الأماكن المقدسة، ورفض حل الدولتين، وهذا ما تراه المعارضة الإسرائيلية يصب في صالحها، ولكنها تعتقد أن نتنياهو من الممكن أن يقوم بإقصاء بن غفير في أول فرصة ممكنة إذا توفر له حليف بديل.

الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، محمد الليثي، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن نتنياهو لن يستطيع إقصاء بن غفير في المرحلة المقبلة لأنه يعلم تداعيات ذلك على حكومته، كما أنه سيعمل على تلبية رغباته السياسية الداخلية التي تهدف إلى قمع الفلسطينيين من خلال الأساليب المتطرفة التي اعتاد أن يتعامل بها معهم.

قد يهمك:نتائج عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة الإسرائيلية داخليا وخارجيا

أما بالنسبة للغضب الأميركي من اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، وعملية المساس بالأماكن المقدسة، فإن نتنياهو سيعتمد على عمق العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة لتجاوز ذلك، مستغلا انشغال الإدارة الأميركية بالملف النووي الإيراني كملف ذي أولوية للرئيس الأميركي جوبايدن، حسب الليثي، الذي يشير إلى أن العلاقة ليست جيدة بين نتنياهو شخصيا والديمقراطيين في الولايات المتحدة بسبب الزيارة التي أجراها نتنياهو لـ”الكونغرس” الأميركي خلال ولاية الرئيس السابق، باراك أوباما، دون أن يكون هناك تنسيق مع “البيت الأبيض”.

كيف يوازن نتنياهو بين استحقاقاته الخارجية والداخلية؟

هناك العديد من المهام والضغوط الكبيرة التي يعاني منها نتنياهو، فعليه أن يختار المناورة ما بين احتياجات المنصب محليا وإقليميا ودوليا إضافة لطمع حلفائه الحكوميين، وهو ما يجعل مناورته تكاد تكون مستحيلة، فهو يضع موضوع استهداف البرنامج النووي الإيراني في رأس سلّم اهتمامه، ولكن التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية تبلغه بأن محاربة إيران لا يمكن أن تنجح من دون مشاركة الولايات المتحدة التي لا تزال تعتمد الحلول الدبلوماسية في هذا الملف.

أيضا من الناحية الإقليمية، فإنه يضع “اتفاقات آبراهام” كأولوية في سياسته الإقليمية، لكن الدول العربية اتخذت موقفا موحدا من اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، وتقف ضد المشاريع الاستيطانية، وقامت الإمارات بإدانة ما قام به بن غفير وأجّلت زيارة مقررة لنتنياهو.

أما من الناحية الداخلية، تبدأ يوم الخميس أول معركة بين نتنياهو وبين المؤسسة القضائية الإسرائيلية حيث ستنظر المحكمة العليا بتركيبة 11 قاضيا في دعوى لإلغاء تعيين أهم حليف لنتنياهو في الحكومة، وهو وزير الداخلية والصحة في حكومته أريه درعي. فإذا قررت المحكمة إلغاء التعيين فسيكون عليه أن يسنّ قانونا جديدا يقلص من صلاحيات المحكمة. وهذه المعركة هي فصل واحد من مشكلة المساس بالعديد من أركان الديمقراطية التي يهددها هو وحلفاؤه.

أيضا يواجه نتنياهو خلافات مع الجيش والأجهزة الأمنية التي ترفض الحد من صلاحياتها، وخلافات مع الصحافة الإسرائيلية التي يعمل مع حلفائه على استهدافها، ومشكلة غلاء الأسعار الفاحش، في وقت سترتفع فيه رواتب الوزراء والنواب بشكل فاحش أكثر. ونقابات العمال تهدد بالإضراب العام. ولديه معركة مع المواطنين العرب “فلسطينيي 48″، الذين يطالبونه بتنفيذ قرارات الحكومة السابقة بشأن المساواة ومكافحة العنف المجتمعي. ولديه معركة مع مثليي الجنس الذين يُعتبرون قوة شعبية كبيرة في المجتمع الإسرائيلي.

في هذا السياق، يرى الليثي أن نتنياهو لن يستطيع الموازنة بين الاستحقاقات الداخلية ومطالب حلفائه المتطرفين، لذلك فإن الساحة الإسرائيلية الداخلية، وحتى مع الفلسطينيين ستشهد العديد من الاضطرابات خلال العام الحالي، فمن ناحية لن يستطيع نتنياهو ردع المتطرفين في حكومته الذين وضعوا شروطا وسيتمسكون بها، ومن ناحية أخرى لن يُقدم نتنياهو على تهديد حكومته بالسقوط لأن هذه الحكومة هي حلم نتنياهو الذي يريد إنهاء ولايته التاريخية في إسرائيل بشكل جيد.

ما مستقبل حكومة نتنياهو؟

“القناة 13” الإسرائيلية، قامت بإجراء استفتاء جديد قبل يومين حول حكومة نتنياهو أشارت نتائجه إلى أن غالبية مَن شملهم الاستفتاء يعتقدون أن هذه الحكومة سيئة، كما أظهرت النتائج انخفاض عدد المقاعد التي سيفوز بها نتنياهو فيما لو جرت انتخابات الآن من 64 مقعد إلى 58 مقعد.

إيتمار بن غفير

لكن الليثي يرى أن حكومة نتنياهو لن تسقط ولكنها ستواجه أزمات كبيرة خاصة على المستوى الأمني، وهذا ما خرجت به التقارير من إسرائيل مؤخرا والتي أفادت بزيادة عدد الهجمات العنيفة، بالإضافة إلى تقديرات تتوقع زيادتها في المرحلة المقبِلة، لذلك سيعمل نتنياهو على لفت الانتباه من الأوضاع الداخلية إلى الملف النووي الإيراني وجعله القضية الرئيسية والأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل.

بالنتيجة، من المبكر الحكم على أن سقوط حكومة نتنياهو أو نهايتها باتت قريبة، فلا يزال نتنياهو الشخصية الأقوى في إسرائيل على المستوى السياسي على الرغم من الضعف الذي يعانيه في بعض الأمور، كما أن المعارضة الإسرائيلية تمرّ بمرحلة ضعف حاليا لن تمنحها الفرصة بإسقاطه، إلا أنه ومن خلال تحالفاته مع المتطرفين وضع نفسه وسط تجاذبات عديدة فرضت عليه قيودا كبيرة لا بدّ له من الالتزام بها.

إقرأ:نتنياهو نحو تشكيل حكومة جديدة.. ما أبرز الملفات التي تواجهه؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.