باكستان لطالما نظرت إلى التعامل مع حركة “طالبان” الأفغانية كحليف. وكانت باكستان مبتهجة بشأن إطاحة حكومة أشرف غني في كابُل، لكن باكستان لا تزال مترددة في الاعتراف بـ “إمارة أفغانستان الإسلامية” حتى الآن، وإن كانت لا تزال محتفظة ببعثة دبلوماسية في كابُل، وهو على عكس موقفها من حكومة “طالبان” الأولى عام 1996، حين كانت باكستان إحدى ثلاث دول اعترفت بحكومة طالبان آنذاك مع السعودية والإمارات العربية.

لكن مع وصول “طالبان” إلى سُدة الحكم في آب/أغسطس 2021، حدث تحول لافت في العلاقات بين الطرفين، وباتت باكستان تواجه شبح “طالبان” الباكستانية “تحريك طالبان”، التي تعتبر الامتداد الأيديولوجي لحركة “طالبان” الأفغانية في باكستان، كما برزت مؤخرا بعض المؤشرات الدالة على تدني التحالف والتنسيق المُتبادل بين باكستان وطالبان التي أصبحت تمثل السلطة الأفغانية، مقابل تصاعد حدة التوتر بين الجانبين.

العلاقات بين باكستان وحكومة “طالبان” الأفغانية، تشهد توترا لافتا خلال الشهور القليلة الماضية، فقد كانت باكستان تعوّل على كسب حليف يمثل عمقا استراتيجيا لها، ويساعدها في كبح جماح حركة “طالبان باكستان”، لكنْ بعد أكثر من عام بدأت باكستان تكتشف فشل رهانها، بسبب خلافات مستجدة، تبدأ من إيواء الحركة لعناصر ومقاتلي “طالبان باكستان”، وتمر برفض الاعتراف بخط الحدود بين باكستان وأفغانستان ومعارضة بناء السياج الحدودي بينهما، ولا تنتهي برغبة “طالبان” في الانفتاح على الهند، خصم باكستان اللدود.

ما يجري بين باكستان وحكومة “طالبان” الأفغانية، يثير عدة أسئلة حول أسباب توتر العلاقات بين الطرفين، وما هو مستقبلها والعوامل المؤثرة بها.

أسباب توتر العلاقات بين باكستان و”طالبان” أفغانستان

أفغانستان تلعب دورا أساسيا كبيئة حاضنة لأعضاء حركة “طالبان باكستان”، فحسب التقرير الثلاثين للجنة مراقبة العقوبات التابعة لمجلس الأمن المفروضة على تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، الصادر في حزيران/يونيو 2022، فإن الأراضي الأفغانية تضم نحو 4000 مقاتل أجنبي تابع لحركة “طالبان باكستان” ويعتبر هذا أكبر عدد من المقاتلين الأجانب المنسوبين إلى حركات وجماعات أخرى إرهابية ومتطرفة في أفغانستان.

الحدود الباكستانية الأفغانية

الباحثة المصرية المتخصصة في الشؤون الأفغانية، فاطمة حكمت، أوضحت خلال حديثها لـ”الحل نت”، أن هناك العديد من الأسباب التي أدت للتوتر بين باكستان و”طالبان” أفغانستان، على رأسها عدم حفظ الأمن على الحدود الباكستانية الأفغانية، وهو ما سمح بازدياد هجمات “طالبان باكستان” على باكستان، إضافة إلى التوتر الحدودي في الأصل بين باكستان و”طالبان” أفغانستان بين فترة وأخرى وهو ما بات ينعكس سلبا على العلاقات بين الطرفين.

حكمت أضافت، أن هناك سببا آخر وهو عدم قدرة “طالبان” الأفغانية على حماية البعثة الدبلوماسية الباكستانية، مشيرة إلى الهجوم الذي تعرضت له السفارة الباكستانية في العاصمة الأفغانية كابل في مطلع تشرين الثاني/ديسمبر الماضي، غداة مطالبة الحكومة الباكستانية حركة “طالبان” الأفغانية الحاكمة بمنع الهجمات الإرهابية القادمة من أراضيها.

أيضا لفتت حكمت إلى إيواء “طالبان” الأفغانية لـ”طالبان باكستان” على أراضيها وتقوم بدعمها، وبهذا تعتبر “طالبان” الأفغانية لم تف بوعدها للمجتمع الدولي بعدم استخدام أراضيها لشن هجمات على الدول الأخرى.

أما بالنسبة لحركة “طالبان باكستان”، فهي تحالف فضفاض من جماعات متشددة أسسها بيت الله محسود في عام 2007، ويُقدر عدد مقاتلي حركة “طالبان باكستان” بما بين 4000 و6500 مقاتل، ومنذ ظهورها نفّذت الحركة أكثر من 3000 هجوم، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 7500 شخص، بما في ذلك 2500 من أفراد الشرطة والجيش الباكستاني.

“معهد باكستان لدراسات السلام” وهو مركز أبحاث مقره إسلام أباد، أشار في تقرير في وقت سابق من العام الماضي، أن باكستان شهدت ارتفاعا بنسبة 51 بالمئة في الهجمات الإرهابية خلال عام واحد منذ عودة حركة “طالبان” إلى السلطة في أفغانستان في آب/أغسطس 2021. ولفت التقرير إلى أنه في نيسان/أبريل 2022، نفّذت حركة “طالبان باكستان” والجماعات التابعة لها 20 هجوما إرهابيا في باكستان بما في ذلك بعض الهجمات عبر الحدود. وقال التقرير إن تصاعد الحوادث الإرهابية أدى إلى مقتل ما يقرب من 500 شخص ما بين 15 آب/أغسطس 2021 و14 آب/أغسطس 2022.

حكمت بيّنت أيضا أن من أسباب الخلافات بين باكستان و”طالبان” الأفغانية، مسألة ترسيم الحدود بين البلدين، وهي خلافات تاريخية على خط ممتد نحو 2600 كيلومتر ويعيش الملايين من “البشتون” على جانبيه، وترفض الحكومة الأفغانية الاعتراف به كحدود دولية باعتباره مجرد خط فاصل بين الأراضي الأفغانية وتلك التي كانت تحت الحكم البريطاني وورثتها باكستان بعد ذلك.

إقرأ:مستويات غير مسبوقة من الجوع.. أفغانستان على حافة الهاوية؟

أيضا هناك أزمة اللاجئين الأفغان في باكستان، حيث يعاني هؤلاء اللاجئون في باكستان الذين يُقدر عددهم بالملايين من سوء المعاملة والرفض خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد.

مستقبل العلاقات بين البلدين

في ضوء التحديات التي تواجهها العلاقات بين البلدين، هناك عدد من المحددات التي تفرض نفسها على مستقبل العلاقات بينهما، أبرزها سعي “طالبان” الأفغانية لاكتساب الشرعية الدولية، وهنا في الجزء المتعلق بباكستان قد تلجأ الحركة إلى الضغط على “طالبان باكستان” في مفاوضاتها مع الحكومة الباكستانية، أو بذل مساعي أكثر جدية للتوسط في حل الأزمة بما يحول دون استمرار شن المزيد من الهجمات بين الجانبين، بحيث تقدم “طالبان” الأفغانية نفسها أمام العالم كرقم مهم في معادلة إرساء السلام والاستقرار في المنطقة.

حكمت أكدت أن المفاوضات بين باكستان و”طالبان باكستان” هو أهم مطالب الحكومة الباكستانية من “طالبان” الأفغانية، وهو ما سيشكل انعطافة مهمة في استقرار العلاقات بين الطرفين، وما سيؤدي إلى تخفيف التوتر على جانبي الحدود.

أيضا، بحسب حكمت، هناك موضوع تصاعد خطر “داعش خراسان” في أفغانستان، والذي يهدد الأطراف الثلاثة، باكستان و”طالبان” الأفغانية، و”طالبان باكستان”، خاصة أن التنظيم بدأ باستقطاب أعداد كبيرة من الساخطين على الحركتين في أفغانستان وباكستان، ومحاربة التنظيم تصب في مصلحة كل الأطراف وهو ما سيؤدي إلى إمكانية نجاح مفاوضات باكستان و”طالبان باكستان”.

أي أنه على الرغم من كل التحديات التي تواجه العلاقات بين البلدين، إلا أن المرحلة المقبلة قد تشهد تهدئة تقود إلى إنجاح مفاوضات السلام وهو ما سيؤدي إلى عودة التنسيق بين الطرفين كما كان في السابق.

العوامل المؤثرة على العلاقات بين البلدين

هناك عدد من العوامل التي من الممكن أن تؤثر على مستقبل العلاقات بين الطرفين، أهمها مخاوف الحكومة الباكستانية من استغلال تنظيم “داعش”  للامتيازات التي قد تحصدها حركة “طالبان باكستان” أثناء المفاوضات بشأن خفض عدد القوات في مناطق النزاع، وهو الأمر الذي قد يُنذر بعرقلة المفاوضات بين الجانبين، وبالتالي استمرار الأزمة والتوترات بين اسلام آباد وكابول باعتبار الأخيرة داعما رئيسيا لنفوذ حركة “طالبان باكستان” على أراضيها.

نور والي محسود زعيم حركة “طالبان باكستان”

حكمت أفادت في هذا السياق أن من العوامل المؤثرة، مطالبة “طالبان” الأفغانية بالشرعية الدولية والاعتراف بها حكومة شرعية لأفغانستان، وهذا ما قد يجدد النظر في استخدام الأراضي الأفغانية منطلقا لشن هجمات إرهابية على الدول الأخرى.

بالإضافة لذلك، فهناك العديد من الضغوطات الدولية على “طالبان” الأفغانية من أجل الحفاظ على تعهداتها في “مذكرات الدوحة”، وخاصة في مواجهة تنظيم “داعش” الذي يهدد كلا من أفغانستان وباكستان، وهو أحد أهم العوامل المؤثرة على العلاقات الباكستانية الأفغانية.

علاقات متوترة بين باكستان وحليفتها التقليدية “طالبان” الأفغانية، ساهمت فيها عدة عوامل أهمها الإرهاب والهجمات الإرهابية وعوامل أخرى قد تبدو أقل أهمية، وهذا ما يجعل الكرة في ملعب “طالبان” الأفغانية في مكافحة التنظيمات الإرهابية وهو ما سيؤدي لاستقرار العلاقات بين الطرفين من جديد.

إقرأ أيضا:“طالبان” في مأزق بعد مقتل الظواهري.. ماذا يعني خرق “اتفاق الدوحة”؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة