بعد تعرضهما لعقوبات دولية، لجأت روسيا وإيران إلى بعضهما البعض، وحاولتا تطوير التجارة بطريقة يمكن أن تلتف على الإجراءات العقابية، حيث تشير تقارير إلى أنه بعد عزلهما إلى حدّ كبير عن الأنظمة المصرفية الدولية، وأسواق التصدير، والموارد والتقنيات الأجنبية، عزز البلدان علاقاتهما التجارية الخاصة، مع بناء علاقات اقتصادية مع الدول المنبوذة مثل كوريا الشمالية، وبيلاروسيا، وفنزويلا وميانمار “بورما” التي فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عليها عقوبات.

في حين أن مثل هذه الدول قد تكون مستعدة للتعامل في جهد مشترك لمواجهة الغرب، فإن المنافسات طويلة الأمد، والصعوبات اللوجستية، وتشابه المنتجات تحدُّ بشكل كبير من فعالية أي نوع من الكتلة الخاضعة للعقوبات.

ما تقوم به روسيا من خلال بناء علاقات اقتصادية مع دول تُعتبر منبوذة يدفع للتساؤل حول الأهداف من هذه العلاقات، والأساليب المتبعة للتّهرب من العقوبات، وما إذا كانت هذه الأساليب قادرة على مواجهة العقوبات.

تحالف لبيع النفط

الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، في شباط/فبراير الماضي، مهّد الطريق لفرض مجموعة من العقوبات الجديدة التي استهدفت قطاع الطاقة المربح في روسيا، وتم عزل العديد من البنوك الروسية عن شبكة المعاملات المالية “سويفت”، ما أعاق بشكل كبير قدرة موسكو على إجراء معاملات تجارية.

ناقلة نفط روسية

أيضا إيران، وهي مُصدر رئيسي آخر للطاقة، كانت تأمل في إسقاط العقوبات القائمة على برنامجها النووي المثير للجدل في مفاوضات إحياء اتفاقها النووي المتعثر مع القوى العالمية، وبدلا من ذلك، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة عليها بسبب دعمها للحرب الروسية وحملتها على المحتجين ضد النظام في الداخل.

هذه العقوبات التي طالت البلدَين دفعتمها للتعاون بشكل كبير للالتفاف على العقوبات من خلال وسائل جديدة بالنسبة لروسيا في بيع النفط ونقله من خلال تكرار التجربة الإيرانية الطويلة في هذا المجال، وقد دفع هذا التعاون عددا من الدول للانضمام لروسيا وإيران مثل بيلاروسيا وكوريا الشمالية وسوريا وميانمار أيضا لعبت دورا في التجارة مع روسيا وإيران.

الدكتور محمد رمضان البهواشي، الخبير الاقتصادي والمحلل المالي، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن مصالح هذه الدول هي التي فرضت بناء هذه التحالفات الاقتصادية، وهذا ما أدى لخلق أسواق جديدة لعبور النفط الروسي والإيراني لتسويقه في دول أخرى وخاصة في دول الشرق، وهو هدف أساسي للتغلب على العقوبات.

إقرأ:عسكرة الملاحة الدولية.. إستراتيجية إيران لابتزاز الغرب؟

أيضا فبعد تحديد سقف سعر النفط أصبح السعر بالنسبة لروسيا غير مجدي خاصة أنها تبيع النفط بأقل من السعر المحدد، لذلك كان لا بد لروسيا من بيع كميات كبيرة من النفط لتغطية هذه الخسائر وكذلك الأمر بالنسبة لإيران، حسب البهواشي.

ما الأساليب المتبعة للالتفاف على العقوبات؟

العديد من التقارير الصحفية تشير إلى أن إيران أصبحت إحدى وجهات رجال الأعمال الروس الأساسية إضافة للدول المؤيدة لروسيا، حيث يتم عقد العديد من الصفقات التجارية وتشمل الملابس كبديل عن العلامات التجارية الأوروبية، وأيضا قطعا للسيارات الروسية، كما عُقدت مباحثات حول ممر تصدير يمتد من روسيا إلى الهند عبر إيران وإنشاء نظام مصرفي معزول تماما عن العقوبات الأميركية والغربية.

من هنا يرى مراقبون أن كلا من روسيا وإيران بحاجة إلى شركاء آخرين ليتمكنوا من تنفيذ خططهم للالتفاف على العقوبات وقد وجدوا هذه الشراكة في بعض الدول سواء الكبرى كالصين والهند أو دول صغيرة أخرى.

البهواشي يوضح أن الدول السبع الكبرى عندما حددت سقفا لسعر النفط باتت تتحكم بعمليات النقل حيث تسيطر على ما نسبته 90 بالمئة من ناقلات النفط عالميا، والعقوبات الحالية تمنع وثائق التأمين على الناقلات فيما يتعلق بالنفط الروسي والإيراني.

لذلك بحسب البهواشي، فإن روسيا وإيران تتبعان العديد من الوسائل التي تمتلك إيران خبرة فيها خاصة في مجال النفط، وهي نقل النفط بواسطة ناقلات غير مسجلة ولا تلتزم بشهادة منشأ ويمكن خلط النفط فيها في أكثر من دولة.

أيضا فقد عمدت روسيا إلى إعطاء إيران أفضلية التصدير الزراعي لسد الفجوات الغذائية لتصبح إيران أكبر مشترٍ للقمح الروسي متجاوزة بذلك كلا من تركيا ومصر باستلام 360 ألف طن متري من القمح خلال العام الفائت 2022.

من جانب آخر، لجأت كل من روسيا وإيران إلى التجارة الإلكترونية والابتعاد عن الدولار الأميركي في المعاملات المالية، من خلال استخدام اليوان الصيني والعملات المشفرة، وأيضا تبادل السلع العسكرية أو التكنولوجيا أو المعرفة، بحسب البهواشي.

هل تنجح هذه الأساليب بمواجهة العقوبات؟

تقارير صحفية تشير إلى أن المسؤولين في كل من روسيا وإيران ملتزمون بالاستمرار في البحث عن فرص تجارية جديدة بين الدول المهتمة بمساعدتهم في مواجهة الغرب، وتعهّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 15 كانون الأول/ديسمبر الماضي، بأن تواصل بلاده جهودها لتعزيز التجارة مع الشركاء في آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا.

بوتين قال، “لن نسلك طريق العزلة الذاتية. على العكس من ذلك. نحن نوسع وسوف نوسع التعاون مع كل من له مصلحة”.

طائرات إيرانية مسيرة

البهواشي، أشار إلى الأساليب التي خلقتها روسيا وإيران وشركاؤهم للالتفاف على العقوبات ومحاولة الاستفادة من الأزمة الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، غير قادرة على المدى البعيد على الوقوف في وجه العقوبات المستمرة والمتصاعدة من الغرب.

أيضا وعلى الرغم من أن روسيا تحاول حتى الآن ضبط مؤشراتها الاقتصادية، والحفاظ على صادراتها بوسائل غير قانونية، فإن معظم المعاملات بين روسيا وإيران والدول الخاضعة للعقوبات صغيرة نسبيا، وهذه المعاملات قد تحافظ على كيانات هذه الدول لكنها غير قادرة على التنمية الاقتصادية، ولا يمكن لهذه الدول الضعيفة اقتصاديا في الأصل منافسة الغرب على المدى البعيد بأي شكل من الأشكال.

من جهة ثانية، أثبتت التعاملات التجارية بين روسيا وهذه الدول فشلا في بعض الأوقات، وهو ما دفعهم للاعتماد على التبادل العسكري، فقد زودت كوريا الشمالية روسيا بذخائر للقتال في أوكرانيا، وكذلك زودت إيران روسيا بطائرات مسيّرة من طراز “كاميكازي”.

أيضا تعتبر كل من روسيا وإيران وبيلاروسيا من منتجي الطاقة، ومع زيادة مبيعات روسيا إلى الهند والصين، تأثرت صادرات إيران. وروسيا وبيلاروسيا مصدران رئيسيان للأسمدة، وهو أمر يضعف سوق البوتاس، أحد الصادرات البيلاروسية الرئيسية.

في الوقت ذاته كان يُنظر إلى الصعوبات التي تواجهها روسيا في صناعة السيارات المحلية على أنها فرصة لجهود إيران لتصدير المركبات وقطع الغيار، فإن سجل السلامة السيء وسمعة السيارات الإيرانية يلقيان بظلال من الشك على نجاح أي ترتيب من هذا النوع.

أيضا وبينما ورد أن طهران وافقت في آب/أغسطس الماضي، على إمداد روسيا بقطع غيار طائرات في محاولة لصد العقوبات، وتوصلت موسكو العام الماضي إلى تفاهم مع طهران لتصدير طائرات روسية إليها، فإن جدوى مثل هذه التعاملات مشكوك فيها.

من الواضح أن إيران وروسيا ودول أخرى خاضعة للعقوبات تفتقر إلى السلع القابلة للتداول، حيث يمكن لهذه الدول إجراء مبادلات تجارية، لكن ليس لدى أي من هذه الدول ما تريده الدول الأخرى، وهو ما يعني بالنتيجة فشلا قادما لعمليات الالتفاف على العقوبات الدولية.

إقرأ أيضا:أسلحة حوثية إلى السودان.. إيران نحو النفوذ الأفريقي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة