العديد من دول العالم تسعى للانتقال إلى استهلاك مصادر الطاقات المتجددة والتي يكون مصدرها الطبيعة، وهي مصادر غير قابل للنفاذ، وانتشرت في الفترة الأخيرة بشكل كبير صناعة الهيدروجين الأخضر كجزء من استراتيجية قادرة على تحقيق هدفين الأول، إنتاج طاقة متجددة، والثاني تخفيض نسبة طرح ثاني أكسيد الكربون الناتج عن استهلاك النفط والفحم. وقبل الخوض في الموضوع الأساسي لهذه السطور، لابدّ من التوضيح ما هو الهيدروجين الأخضر، وكيف يتم إنتاجه.

المصدر الأساسي

مصدر الهيدروجين هو الماء الذي يتكون من عنصرين الأوكسجين والهيدروجين، ولابد من عملية تفكيك لفصل الأوكسجين عن الهيدروجين، ويتحقق ذلك من خلال عملية التحليل الكهربائي التي تعمل بواسطة الطاقات المتجددة مثل الرياح أو الطاقة الشمسية، ويكون عبر استخدام تيار كهربائي لتفكيك جزيء الماء إلى أوكسجين وهيدروجين بواسطة أقطاب كهربائية.

على هذا النحو فإن الهيدروجين الأخضر، هو الذي يتم الحصول عليه من خلال استخدام الطاقات المتجددة في إنتاجه، مما يجعله وقودا نظيفا ومستداما مع مؤشر تلوث صفري. وتستخدم طاقة الهيدروجين الأخضر للاستهلاك المنزلي، وكوقود للسيارات والمصانع، وهو طاقة قابلة للتخزين، حيث يتم ضغط الهيدروجين الأخضر وتخزينه في خزانات مخصصة لفترة طويلة، وهو قابل للنقل أيضا نظرا لكونه عنصرا خفيفا جدا، طبعا بعد ضغطه وتحويله إلى أمونيا زرقاء.

قد يهمك: نفوذ أقوى لدول الخليج بسبب أزمات الطاقة؟

إنتاج الهيدروجين الأخضر يُعتبر مرتفع التكلفة مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى، لكن تنخفض مع الزمن تكلفة إنتاجه بسبب التطور العلمي المتلاحق، ووفقا لتقرير صادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة ” إيرينا “، يمكن أن تنخفض تكلفة منشآت الهيدروجين من 40 بالمئة إلى 80 بالمئة على المدى الطويل.

 رفع قيمة الاستثمارات

الدول الصناعية لاسيما دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية والصين، تشهد في السنوات الاخيرة طفرة في رفع قيمة الاستثمارات لإنتاج الهيدروجين الأخضر، بهدف تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية أي النفط، والغاز، والفحم الحجري.

 دول الخليج العربي إلى جانب العراق وإيران، تعتبر المصدر الرئيسي لموارد الطاقة الأحفورية، لكن من الواضح أيضا ستبقى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ودول الخليج العربي مركزا دوليا لإنتاج الطاقة النظيفة المتجددة ونقصد الهيدروجين الأخضر، لأن أساس إنتاجه يقوم على الطاقة الشمسية والرياح.

  إذ تتمتع المنطقة العربية بتوفر أشعة الشمس والمساحات الشاسعة لهبوب الرياح، وتتميز بقربها من الأسواق الرئيسة للتصدير إلى آسيا وأوروبا. وقد اتخذت العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط خطوات مهمة في إنتاج الهيدروجين الأخضر، لاسيما المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة والجزائر. ونركز في سطور هذه المقالة على إمكانات وتطلعات السعودية في إنتاج وتصدير الهيدروجين الاخضر.

 الاستثمارات السعودية في إنتاج الهيدروجين الأخضر

خلال السنوات القليلة الماضية أعلنت المملكة العربية السعودية عن مجموعة من المشاريع الخاصة بإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهي من أكبر المشاريع على مستوى العالم؛ فقد افتتحت السعودية أكبر محطة لطاقة الرياح في منطقة الشرق الأوسط، التي تبلغ قدرتها 400 ميغاواط باستثمار 500 مليون دولار، والمحطة قادرة على إمداد 70 ألف منزل بالكهرباء.

اقرأ أيضا: الأزمات العالمية تعزز دور دول الخليج في ظل المتغيرات الدولية؟

 السعودية تهدف لأن تصبح أكبر منتج للهيدروجين عالميا بإنتاج سنوي يبلغ 2.9 مليون طن من الهيدروجين، بناء على رؤية 2030، التي طرحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وستصل الكمية المنتجة من الهيدروجين إلى 4 ملايين طن سنويا في عام 2035، وهو رقم كبير مقارنة مع خطة الصين لإنتاج من 100 ألف إلى 200 ألف طن من الهيدروجين سنويا، وخطة أوروبا لإنتاج مليون طن من الهيدروجين سنويا.

 تطلعات سعودية

الرياض تعتزم أن تصبح المورد الرئيس للهيدروجين على المدى الطويل. ووقّعت شركة “إير برودكتس” الأميركية وشركة “أكوا باور” السعودية و مدينة نيوم اتفاقية لمرفق إنتاج بقيمة 5 مليارات دولار في نيوم، مدعوما بالطاقة المتجددة لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر إلى السوق العالمية. وتبلغ قدرة هذا المشروع 4 غيغا واط، ويمكن أن ينتج 650 طنا من الهيدروجين يوميا، ويُعدّ المشروع خطوة كبيرة متقدمة بالنسبة للسعودية، لجعل مدينة نيوم مركزا عالميا مهما للطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.

وفقا للدكتور أومود شوكري، وهو كبير مستشاري السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، الذي نقل عن تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “إيرينا” بشأن سياسات الهيدروجين الأخضر بعنوان “الهيدروجين الأخضر دليل لصنع السياسات”، لا توجد حاجة لإنشاء بنية تحتية جديدة في النقل وإمكانية الاعتماد على استعمال البنى التحتية القائمة. يؤكد التقرير استعمال البنية التحتية لشبكات الغاز والكهرباء على المستويات الوطنية، وحتى عبر الحدود والمياه الدولية.

 انطلاقا من ذلك تسعى السعودية التي تمتلك واحدة من أكبر البنى التحتية المتخصصة في صناعة النفط في العالم، لتوظيف تلك البنية لتصبح أكبر منتج ومصدّر للهيدروجين في العالم، وقد عرضت الرياض نقل الهيدروجين الأخضر عبر خطوط الأنابيب إلى دول الاتحاد الأوروبي في المستقبل.

 من المتوقع أن تستمر المملكة العربية السعودية في لعب دور مهم وايجابي في سوق الطاقة الدولية الحالية والمستقبلية، وذلك بناء على عدد من المقومات، أولا البنية التحتية الضخمة المستخدمة في إنتاج النفط والغاز والتي يمكن استخدامها في صناعة الهيدروجين الأخضر.

 ثانيا، البيئة الجغرافية والمناخ في السعودية مشمس معظم أيام السنة، مما يسمح ببناء مشاريع طاقة شمسية ذات جدوى اقتصادية. ثالثا توفر مناطق واسعة لبناء مشاريع عنفات الرياح، لاسيما على الشريط الساحلي للبحر الأحمر والخليج العربي، رابعاَ، تمتلك السعودية صندوق سيادي كبير، فضلا عن اقتصاد قومي مما يسمح لها بتمويل مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر دون أي معوقات مالية، لأنه من المعروف تحتاج مثل تلك المشاريع لتمويل هائل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.