سباقٌ مع الزمن تخوضه اليوم دول العالم، من أجل التحول نحو مشاريع الطاقة المتجددة والتخلي بشكل تدريجي عن الاعتماد الكامل عن الوقود الأحفوري، خاصة مع وصول الانبعاثات الكربونية إلى مستويات تهدد مناخ كوكب الأرض.

مع تنامي أزمة الطاقة، في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، شهدت العديد من الدول وخاصة في أوروبا، وجود محفّزات من أجل الإسراع في هذا التحول، خاصة مع انخفاض واردات النفط والغاز الروسي، فهل ساهم الغزو الروسي في إسراع هذا التحول، أم أن المشاريع الجديدة تواجه عقبات قديمة غير مرتبطة بأزمة الطاقة الحالية.

انخفاض غير متوقع للانبعاثات؟

شركة “بريتيش بتروليوم” النفطية البريطانية، أكدت أن انبعاثات الكربون العالمية ستنخفض بسرعة أكبر مما كان متوقعا، لأن الهجوم الروسي على أوكرانيا والإعانات المقدمة في قانون خفض التضخم الأميركي ستسرّع التحول إلى الطاقة الخضراء.

الشركة توقّعت في تقرير لها، رفع التقديرات لنمو الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، إذ تسعى الدول جاهدة إلى تحقيق أمن الطاقة، بينما خفّضت تقديراتها للنمو الاقتصادي بسبب الحرب.

التقرير أشار إلى أن أحدث توقعات الطاقة الصادرة عن الشركة ذاتها تقول إن العالم يسير على الطريق الصحيح لخفض انبعاثات الكربون بشكل أكثر مما كان متوقعا قبل عام.

الخبير في شؤون الطاقة حسن الشاغل، رأى أن الغزو الروسي وما أعقبه لم يكن له دور كبير في هذا التحول، خاصة وأن الدول الأوروبية لديها مشاريع سبقت الحرب في التحول نحو الطاقة النظيفة، معتبر أن ما أخّر انطلاق هذه المشاريع هو تكلفتها المادية العالية والوقت الطويل الذي تحتاجه.

قد يهمك: انعدام الأمن الغذائي والثروة في المغرب العربي.. الأسواق تتعرض للصدمات والتقلبات؟

الشاغل قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “موضوع التحول للطاقة المتجددة معقّد قليلا، فقبل الحرب كانت دول الاتحاد الأوروبي متجهة بشكل كبير نحو مشاريع الطاقة المتجددة، لكن هذا التوجه كان يحتاج لوقت طويل، لذلك كانت دول أوروبا في منطقة الوسط، ولم تتمكن من الوصول للطاقة المتجددة التي يمكن الاعتماد عليها كبديل عن الطاقة الأحفورية. الطريق كان في بدايته”.

صعوبات التحول

التحول من الطاقة الأحفورية إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة يحتاج كذلك إلى مشاريع ضخمة وبتكاليف عالية، لا يمكن لجميع الدول أن تتحملها، وعندما بدأت عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، وما أعقبه من أزمة طاقة، أصبحت أوروبا في مواجهة صعبة بحسب ما يصف الشاغل.

حول ذلك أضاف، “النقص الكبير في الطاقة والغاز وضع الدول الأوروبية في مفترق طرق، فهي لم تكن قد تمكنت من الوصول لإنتاج عالي من الطاقة المتجددة، وبنفس الوقت تحتاج لبنية تحتية من أجل استيراد الغاز المسال، هذا الأمر دفع الدول خاصة في العام الماضي إلى أن تكون مشاريعها متوازية على خطّيين”.

الخط الأول يبقى للطاقات المتجددة وخاصة الهيدروجين الأخضر، فيما يكون هناك خط ثاني خاص لبناء محطات تسييل الغاز، “ألمانيا طرحت ستة مشاريع مناصفة بين الطاقة المتجددة وتطوير البنية التحتية الخاصة بتسييل الغاز”.

الشاغل خلُص في حديثه إلى أن أزمة الطاقة ربما تكون سرّعت قليلا وحذّرت الدول من ضرورة أن يكون هناك مساعي بجداول زمنية محددة للتحول الطاقي، لكنه أكد أن مشاريع الطاقة النظيفة سبقت أزمة الطاقة والغاز الروسي، خاصة وأن التحذيرات من الانبعاثات الكربونية هو السبب الرئيسي لأخذ الدول طريق التقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.

الشاغل أشار إلى أن التحول نحو الطاقة النظيفة لا يمكن أن يتم خلال السنوات القليلة القادمة، إذ تشير التوقعات إلى أن التحول الكامل نحو الطاقة المتجددة قد يكون بحلول العام 2050 وربما أبعد.

حول ذلك أضاف، “هناك صعوبات تتعلق بالتكاليف العالية، مثلا كي تستطيع أن تنتج الهيدروجين الأخضر، وهي الطاقة الأمثل بدون انبعاثات، يجب أن تفصل ذرة الهيدروجين عن الماء، إما عبر الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، والتكلفة هنا لإنشاء الهيكلية العامة عالية جدا”.

الطبيعة تلعب كذلك دور هام جدا، إذ إن أوروبا لا تستطيع الاعتماد على الطاقة الشمسية، ويمكنها الاعتماد على طاقة الرياح وليس بشكل دائم، “لكن الدول العربية مثلا وخاصة شمال إفريقيا والخليج، تمتلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على السواحل، وبالتالي هي المناطق الأمثل للطاقة المتجددة”.

الشاغل ختم حديثه بالقول، أن “هناك دول فقيرة لا تمتلك القدرة على إنتاج الطاقة المتجددة إلا إذا أصبح هناك انخفاض في التكاليف وحاليا غير متوفر هذا الأمر، لكن التكاليف مقارنة بسنوات ماضية تعتبر منخفضة، وربما تنخفض أكثر خلال السنوات القادمة”.

توقعات مقلقة

توقعات شركات الطاقة، تشير إلى أن عام 2035، سيشهد انخفاضا في الطلب على النفط، وذلك بنسبة 5 بالمئة، بينما يقل الطلب على الغاز بنسبة ستة بالمئة مما كان متوقعا العام الماضي، مع زيادة انتشار مصادر الطاقة المتجددة بنحو خمسة بالمئة.

بينما يؤدي هذا السيناريو أن تبلغ الانبعاثات ذروتها خلال العقد الجاري، وتنخفض بحلول عام 2050 بنسبة 30 بالمئة، وذلك مقارنة بالانبعاثات التي سجلها كوكب الأرض عام 2019، وهذا لا يمكنه تحقيق أهداف المناخ، هذه الأهداف التي تطمح أن تكون نسبة الانبعاثات قريبة من الصفر بحلول العام 2050.

العالم يشهد اليوم توجهات كبيرة نحو الطاقة المتجددة، وتسعى الدول الأوروبية إلى تدشين مشاريع كبيرة في هذا الإطار، كذلك هناك مشاريع في شمالي إفريقيا، انطلقت للاستفادة من طاقة الرياح والشمس لإنتاج الكهرباء.

في المغرب هناك من الاستثمارات في قطاع الطاقة البديلة، لتسجّل البلاد خلال العام الماضي بحسب ما نقل تقرير لموقع “سكاي نيوز“، زيادة في إمدادات الطاقة المتجددة بنسبة 10 بالمئة لتصل إلى 19 بالمئة من إجمالي سوق الطاقة.

نتيجة موقعها في كوكب الأرض، تقدر عدد ساعات تعرض المغرب لأشعة الشمس بثلاثة آلاف ساعة سنويا، وهو رقم جيد للاستفادة من الطاقة الشمسية، كما يساهم هذا الاستثمار في مواجهة آثار التغير المناخي والتقليل من الاعتماد على الوقود الأحفوري.

لكن الهدف الرئيسي من هذه المشاريع هو تأمين أقصى ما يمكن تأمينه من الاستهلاك المحلي للطاقة، حيث إن الحكومة تسعى بالتوازي مع الاستثمار في مشاريع الطاقة البديلة، إلى مواصلة البحث والتنقيب عن الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي، بعد أن دخلت البلاد في أزمة طاقة.

التوقعات تشير إلى أن التطور الذي سيشهده قطاع الطاقة البديلة خلال الخمس سنوات القادمة، يعادل ما جرى تطويره خلال السنوات العشرين الماضية.

الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على وجه الخصوص، يُتوقع لها أن تكون المصدر الرئيسي للكهرباء في العالم بحلول العام 2025، وذلك عبر التخلص من الفحم حيث تسعى الدول إلى تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز)، خصوصا بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

وفق تقرير لـ “وكالة الطاقة الدولية”، فإن الطاقة المتجددة يُتوقع لها أن تضيف 2400 ميغاوات خلال الفترة بين العامين 2022 و2027، أي بما يساوي قدرة الطاقة الكهربائية الحالية في الصين

بين الحاجة الملحّة لمواجهة التغيرات المناخية وأزمة الطاقة والحرب مع روسيا، بالتأكيد سيكون هناك تركيز أكثر على المشاريع التي انطلقت خلال السنوات العشرة الماضية، لإنتاج الطاقة عبر المصادر النظيفة، وقد تكون لدول شمال إفريقيا والدول العربية دورا بارزا نتيجة مواقعها في التّحول الطّاقي ونقلها نحو دول أخرى، خصوصا أوروبا التي تسعى للبحث عن مصادر طاقة بديلة في طريقها للاستغناء عن المصادر الروسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.