بقلق شديد، يراقب سكان دول المغرب العربي الموسم الزراعي هذا العام، والمتعلق بشكل كبير بزيادة كمية الأمطار الموسمية، وذلك بعد أن ضربت التغيرات المناخية دول المغرب خلال الأعوام القليلة الماضية، ما قد يشكل خطرا على الأمن الغذائي للبلاد.

الأمن الغذائي في خطر هو العنوان الذي بات سكان المغرب العربي قراءته في الصحف، وذلك بعد أزمة المياه التي بدأت تطرق أبواب هذه البلدان، نتيجة موجات الجفاف وانخفاض منسوب السدود، والتمدد الصحراوي نحو المدن، فما هي الصدمات والتحديات التي تواجه دول المغرب العربي في المستقبل القريب.

نقص مياه شديد

على الرغم من أن أزمة الأمن الغذائي ليست بجديدة على دول المغرب، فإن الحكومات لم تنجح خلال العقود الماضية ببناء سياسات قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء، فبقيت تحت رحمة التغيرات المناخية التي تتجه نحو الأسوأ مع مرور الزمن.

منسوب مياه مخزونات السدود والبحيرات الجبلية، تراجع بحدة خلال العام الماضي في تونس والجزائر والمغرب، تزامنا مع موسم جفاف للعام الثالث على التوالي، حيث يواجه الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي وضعا صعبا لم تعشه بلدان المغرب منذ سنوات، عمّقته أعباء الديون الخارجية وضغوط “صندوق النقد الدولي”.

في تونس، أدت أزمة نقص المياه إلى تقليص المساحات المزروعة إلى تهريب الأبقار إلى الجزائر، بسبب الزيادة في أسعار الأعلاف المركبة بمقدار 300 دينار للطن الواحد “100 دولار”.

لا يبدو أن حكومات المغرب العربي أمام خيارات كثير، فالانتظار أكثر من ذلك يعني المتابعة عن بعد، كيف يمكن للجفاف أن يضرب مساحات لا يمكن تخيلها من دول المغرب العربي، مع استمرار الاحتباس الحراري وتبعات التغيرات المناخية.

الخبير البيئي الدكتور أحمد محمود الشريدة، رأى أن دول المغرب العربي تواجه تحديات مضاعفة في مواجهة أزمات الأمن المائي والغذائي، خاصة وأن القطاع الزراعي يعتمد بشكل كبير على الري المائي، مشيرا إلى أن الحل يكمن في اتفاق الحكومات على خطط واستراتيجيات واضحة لمواجهة الأزمة.

قد يهمك: تطور العلاقات السعودية الصينية.. بوابة لتطبيع الرياض مع دمشق؟

الشريدة قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “التغيرات المناخية ضربت جميع أنحاء العالم، لكنها أثّرت بشكل مركّز على المغرب العربي ومنطقة شرق المتوسط، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتذبذب الموسم المطري، والموسم الحالي نشهد تطرف مناخي وانقطاع للأمطار بشكل شبه كامل، فضلا عن نضوب الكثير من الينابيع والعيون المائية”.

نتيجة لهذا الفقر المائي الذي بدأت تعاني منه دول المغرب العربي، فإن ذلك سينعكس بالتأكيد على الأمن الغذائي، وذلك بسبب تهديد القطاع الزراعي الذي تعتمد عليه شريحة واسعة من دول المغرب.

التحديات والحلول

الاحتباس الحراري أسهم في انخفاض نسبة التساقطات السنوية للأمطار، مما أثّر سلبا على امتلاء السدود وزاد في انخفاض مستوى المياه السطحية، ما سيؤثر على المحاصيل الفلاحية، خاصة الحبوب، وهو ما سينجر عنه تفاقم عدة مشاكل في الأمن الغذائي.

دول المغرب العربي تواجه تحديات كبير للحد من تبعات التغيرات المناخية ونقص المياه، خاصة وأن كثير من المناطق الزراعية تعتمد على الري ومياه الأمطار أو ما يعرف بالزراعة البعلية.

حول ذلك أضاف الشريدة، “أزمة شح الأمطار والمياه بشكل عام، تُضاف إلى الأزمات الموجودة ومنها زحف الصحراء والتغير المناخي وكذلك الجفاف والرعي الجائر وحرائق الغابات، ونضوب المياه السطحية والجوفية، وهنا أصبحت مجموعة من الأزمات البيئية المتراكمة، التي بدون أدنى شك أثّرت على الأمن الغذائي في المغرب العربي”.

الدول التي تعاني من الأزمة، وبشكل خاص المغرب وتونس والجزائر وليبيا، تخوض حاليا سباق مع الزمن، لإيجاد الحلول والتخفيف من تبعات الجفاف، وذلك بعد التراجع الكبير في معدلات هطول الأمطار، فضلا عن آثار التغير المناخي.

حول الحلول للتخفيف من وطأة هذه الأزمات، رأى الخبير البيئي أنه من الضرورة، وضع خط استراتيجية طويلة المدى لمعالجة الأمن المائي والغذائي، وذلك من خلال التخفيف من الاستهلاك أو التكيف مع الأوضاع السائدة في دول المغرب العربي، بحيث “يتم وضع خطط مثل استخدام المياه الرمادية أو تحلية مياه البحر لسد النقص في حال وجود موسم مطري ضعيف”.

الشريدة ختم حديثه بالقول، “لسوء الحظ فإن وضع الأمن الغذائي في دول المغرب العربي يزداد صعوبة بسبب التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، لذلك يجب على حكومات دول المغرب أن تتفق على استراتيجية وتضع خارطة طريق موحدة للخروج من هذه الأزمة التي تعصف بكل دول العالم تقريبا ودول المغرب العربي بشكل خاص”.

معاناة الفلاحين

منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، بداية من ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب نهاية بموريتانيا، تُعتبر دولا صحراوية على الأغلب، وتعاني شحّاَ مائياَ يتفاوت من موسم لآخر حسب سعة الأمطار.

تقرير لموقع “سكاي نيوز عربية”، تحدث عن معاناة الفلاحين في المغرب، من الجفاف الذي يضرب البلاد جراء التّغير المناخي والاحتباس الحراري ما يعرض محصولهم لخطر التلف، في وقت تسعى سلطات إقليم الحوز، وسط المملكة، إلى اتخاذ خطوات عملية تساهم في إنقاذ الوضع.

المغرب يعاني منذ أربع سنوات من جفافٍ في الأنهار والوديان بسبب اعتماده على الأمطار، التي انخفضت معدلات هطولها خلال ذات الفترة، ما أثّر بشكل كبير على مواسم الزراعة.

خلال شهري تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر من العام 2022، شهدت البلاد هطول أمطار ساهمت في إنعاش الموسم، إلا أن الاعتماد على الأمطار دون أي خطوات رسمية وعملية لا يمكنه إنقاذ المحصول.

أمّا في الجزائر فقد وضعت الحكومة الجزائرية، خطة عاجلة لمواجهة نقص المياه الناتج عن شح مياه الأمطار وانخفاض منسوب السدود.

هذه الخطوة اعتبرها البعض استباقية من قبل الحكومة الجزائرية التي أعلنت حالة الاستنفار على مستوى عدة قطاعات، أهمها الموارد المائية والفلاحة لإنشاء مخطط استعجالي يهدف الى سنِّ سياسة جديدة لاقتصاد المياه وطنيا والحفاظ على الثروة المائية الجوفية.

كذلك أعلنت الحكومة، إنشاء مخطط لتعميم محطات تحلية مياه البحر عبر كامل الشريط الساحلي البالغ طوله 1200 كيلومتر، تجنبا لتداعيات ندرة تساقط الأمطار.

أما في تونس، فبحسب تقرير لـ”الجزير نت”، فإن بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى زيادة نقص الحليب والحبوب واللحوم، المفقودة في المحلات التجارية، مما يعني أن البلاد ستعيش مرحلة اقتصادية صعبة، على مستوى النشاط الفلاحي، بسبب نقص التساقطات والأمطار، حيث سيتراجع إنتاج عدد من المواد الفلاحية، مما يعني تقلص المخزون الاستراتيجي.

إذن فجميع دول المغرب العربي أمام تحديات صعبة ربما هي الأبرز في تاريخها، لكن في مواجهة هذه الازمات، قد تكون لكل دولة حالة خاصة في التخفيف من وطأة الأزمات المائية والغذائية، لكن حتى الآن يصف خبراء التحركات الحكومية بـ”الخجولة” لمواجهة أزمة الأمن المائي والغذائي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.