منذ أن تصاعدت مصادر الطاقة في كونها مصدرا أساسيا يسمح للدول المنتجة لها بأن تكون لاعبا بارزا على الصعيد الجيوسياسي عالميا، تسعى الجزائر لتوظيف مواد الطاقة التي تمتلكها لكسب معارك سياسية على الساحة الدولية.

حرب الطاقة التي استعرت منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، جعلت من الجزائر مصدرا عالميا هاما للطاقة وبشكل خاص نحو أوروبا، ما جعل الجزائر خصما في بعض الأحيان للدول الأوروبية، إذ أن الجزائر تكاد لا تمنح الطاقة إلى الدول الغربية إلا في مقابل مكاسب سياسية.

هذه المواجهة السياسية استغلتها روسيا، عبر تقديم المغريات للجزائر خاصة على مستوى تسليح الجيش الجزائري، ما يعني تقارب أكثر بين موسكو والجزائر، فهل تستغل موسكو هذا التقارب لزيادة دورها في زعزعة أمن واستقرار دول شمال إفريقيا.

الجزائر لجانب روسيا؟

الجزائر انخرطت خلال الفترة الأخير في الموقف الروسي الرافض للجهود الأوروبية الرامية إلى وضع حد لأسعار الغاز، ورفض وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي، على الحد الأقصى لسعر الغاز الطبيعي بقيمة 190 دولار لكل ميغاواط / ساعة.

الموقف الجزائري ربما يكون نابع من منطلق مصلحة الجزائر، لكنه يخدم كذلك المصالح الروسية، حيث أصبحت هناك احتمالية تورط الجزائر في التقارب مع روسيا المعزولة دوليا، ما قد يدخلها في مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية.

وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، اعتبر إجراءات الاتحاد الأوروبي حول وضع سقف لأسعار الغاز “أحادية الجانب ومن شأنها أن تزعزع استقرار السوق“، على حد تعبيره.

عرقاب قال في تصريحات نقلتها صحيفة “الشرق الأوسط“، إن “أسواق الغاز المفتوحة والشفافة، وغير المقيدة أو التمييزية، أصبحت أكثر من مجرد ضرورة في الوقت الحالي“، مشيرا إلى أن بلاده تعتبر مورّدا آمنا وموثوقا للغاز.

بهذا الإعلان، يلتحق الجزائر بالجانب الروسي في مواجهة المنظور الأوروبي، فموسكو تستغل الطموح الجزائري الرامي إلى وضع الجزائر كلاعب مهم على الساحة الدولية لزيادة نفوذها في إفريقيا.

قد يهمك: قوة “حفظ السلام” الإفريقية.. مآلات إعادة هيكلة البنية الأمنية في القارة السمراء

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، رأى أن الموقف الجزائري نابع من كونها دولة منتجة للغاز، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن موقف الجزائر يرتبط بشكل مباشر في التقارب الجزائري الروسي الذي سجّل ويسجّل تقدما منذ سنوات، حيث أصبحت الجزائر بوابة لروسيا من أجل دخول الاقتصاد الإفريقي.

مصالح الجزائر

مشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “طبيعي أن أي دولة منتجة للبترول، لا بد أن ترفض القرار بوضع حد أقصى لأسعار الغاز، لأن كل دولة تطمح بزيادة دخلها القومي وأن تكون أداة الغاز ومصادر الطاقة لها دور في قرارها السياسي والدولي والعالمي، وبالتالي وضح سقف للأسعار يحد من أهمية الدول في قرارها وسيادتها“.

مشرف أوضح أن موقف الجزائر يرتبط كذلك بمدى تقاربها مع روسيا، إذ تسعى الجزائر عبر ملفات الطاقة والتقارب مع روسيا، أن تكون قوة مؤثّرة في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.

حول ذلك أضاف، “تمتلك الجزائر مقومات كموقعها الاستراتيجي وقربها من أوروبا وكذلك امتلاكها لمصادر طاقة، وهي مصدر ملائم للطاقة النظيفة كالهيدروجين الأخضر، فكان للتقارب الروسي الجزائري دور في ذلك، والجزائر أصبحت بوابة لروسيا من أجل دخول الاقتصاد الإفريقي“.

أزمة الطاقة في أوروبا دفعت العديد من دول إفريقيا إلى البحث عن فرصها، أو زيادة الكميات المصدرة إلى الدول الأوروبية، وأبرز هذه الدول هي الجزائر التي لها شراكة قديمة مع دول أوروبا.

يُشار إلى أن الجزائر تُصدّر 24 بالمئة من إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي البالغ نحو مليون ونصف قدم مكعب في 2015.

يبلغ الاستهلاك الداخلي 1،4 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي سنويا اعتبارا من عام 2017. لتكون في المرتبة 26 في العالم من حيث استهلاكه بنسبة 1.1 بالمئة من إجمالي الاستهلاك العالمي البالغ نحو 132 مليون قدم مكعب.

الدول الأوروبية تسعى لزيادة إمداد الغاز الجزائري، وهي التي تربطها مع الجزائر شراكة تجارية منذ عام 2002، كما تزوّد الجزائر أوروبا بالغاز عبر خطي أنابيب، الأول يصل إيطاليا مرورا بتونس، بطاقة نقل تقدر بـ 32 مليار متر مكعب سنويا، والثاني “ميدغاز“، يمر من الساحل الغربي للبلاد إلى جنوب إسبانيا، وينقل 10 مليارات متر مكعب سنويا.

الجزائر أعلنت كذلك قبل أسابيع، بدء إنتاج الغاز في حقلين جديدين، وذلك في إطار مشواره لتعزيز صادرات الغاز إلى أوروبا في المرحلة المقبلة، حيث أشارت شركة “سوناطراك” الجزائرية، إلى أن تعزيز إنتاج الغاز يأتي في إطار العقد الموقّع مع شركة الغاز الإيطالية “إيني“.

بحسب ما أعلنت الشركة الجزائرية، فإن توسيع الإنتاج، سمح بتوسيع كمية الإنتاج إلى مليون متر مكعب من الغاز.

الجزائر تنتج نحو مئة وعشرة مليارات متر مكعب من الغاز، يذهب نصفها إلى الاستخدام الداخلي وإنتاج الكهرباء، وبالتالي فإن “الجزائر بحاجة إلى تحول طاقوي بمساعدة أوروبا، لتوفير الغاز الذي يتم استخدامه في إنتاج الكهرباء، ليتم تحويله للتصدير نحو أوروبا”

دور سلبي لروسيا في إفريقيا

مع الدور السلبي الذي تلعبه روسيا في القارة الإفريقية، فإن زيادة تقاربها مع الجزائر سيسمح لها بمزيد من التدخل في شؤون الدول الإفريقية، لكن وبرأي الباحث مشرف، فإن “الجزائر لا تريد زعزعة الاستقرار، هي تريد مصلحة قومية وأمن استراتيجي قومي، تريد أن تجني المكاسب وتستغل الأحداث السياسية والمتغيرات، خصوصا أن مصادر الطاقة أصبح لها دور في رسم السياسات العالمية“.

وتيرة التقارب الروسي الجزائري ارتفعت مع تزايد صفقات التسليح، إذ تقدر ميزانية الجيش الجزائري بحسب وسائل إعلام محلية رسمية بنحو 11 مليار دولار أميركي سنويا، وتبلغ نسبة المساهمة الروسية بالترسانة العسكرية الجزائرية 90 بالمئة.

برلمانيون أميركيون، بقيادة عضو الكونغرس الجمهورية ليا ماكلين، وجهوا رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، عبّروا فيها عن “مخاوف تنتابهم” بشأن ما وصفوه “تنامي العلاقات الوثيقة بين الجزائر وروسيا“.

الرسالة تناولت تقارير، ذكرت أن الجزائر وقّعت العام الماضي، صفقات أسلحة مع روسيا قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار، وأن من بينها بيع روسيا للجزائر طائرات مقاتلة متطورة من طراز “سوخوي 57” والتي لم تبعها روسيا لأي دولة أخرى، حسب التقارير.

أصحاب الرسالة ذكروا أن “الصفقات تجعل الجزائر ثالث أكبر متلق للأسلحة من روسيا، وموسكو أكبر مورد للأسلحة للجزائر“. ودعوا إلى “تنفيذ قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات“، الذي أقرّه “الكونغرس” في عام 2017.

الرسالة تضمنت أن التشريع وجّه رئيس الولايات المتحدة لفرض عقوبات على الأفراد “الذين ينخرطون عن عمد في معاملة مهمة مع شخص يمثل جزءا من أو يعمل لصالح أو نيابة عن قطاعات الدفاع أو الاستخبارات التابعة للحكومة الروسية“.

مع ازدياد التقارب الروسي الجزائري، يحذر محللون من اصطفاف كلي للجزائر مع موسكو، لا سيما في ظل دخول الأخيرة في مواجهة مباشرة مع معظم دول العالم، في ظل استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.