لا أمل في تصويب القرار الإيراني، فبدلا من تقديم إجابات مقنعة لـ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بخصوص آثار اليورانيوم في مواقع ثلاثة لم تعلن عنها طهران سابقا، رفعت إيران نسبة تخصيبها لليورانيوم إلى مستوى 60 بالمئة، ما يوحي بتصاعد المواجهة الغربية الإيرانية في “الوكالة الدولية” ونقله إلى أماكن أخرى، فالقرارات الدولية ذات صبغة تصاعدية شبيهة بعملية صعود السلالم.

ردا على إصدار “وكالة الطاقة الذرية” قرارا ينتقد طهران، بسبب مماطلتها في تقديم تفسيرات مهنية حول آثار اليورانيوم في مواقع عدة غير معلنة، أعلنت إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 بالمئة في منشأة “فوردو” الواقعة تحت الأرض.

الدبلوماسي الإيراني السابق وخبير السياسة الخارجية، فريدون مجلسي، يوصي باستعداد إيران لحقبة بدون خطة العمل الشاملة المشتركة، حقبة ستستمر 7 سنوات على الأقل وبحد أقصى 10 سنوات. ستشهد تصعيدا في التوترات بين إيران والغرب، ينحو الغرب فيها إلى شدة الضغط على إيران، تقابلها طهران بتقوية وتعزيز قدراتها في المجال النووي. مرجّحا بناء إجماع دولي ضد إيران، بحسب موقع “فيرارو” الإيراني.

فنّد ذلك بعد تأييده، جلال ساداتيان، خبير السياسة الخارجية السفير الإيراني السابق في المملكة المتحدة. معتقدا، أن “الخيار الأكثر ترجيحا فيما يتعلق بالقضية النووية لطهران، على ضوء قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير”.

الممثل الروسي الدائم لدى المنظمات الدولية، ميخائيل أوليانوف، دافع عن التصعيد الإيراني بالقول على صفحته على “تويتر”، “لقد نسوا دورهم في هذه التطورات”. معتبرا أن “قرار طهران هو رد متوقع على محاولة الترويكا الأوروبية الأميركية، إثارة التوترات الأسبوع الماضي في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

في المقابل، حذّرت مصادر فرنسية إيران من أن الاستمرار في تجاوز “الخطوط الحمراء” سيؤدي إلى إعادة الملف النووي إلى مجلس الأمن الدولي، وبالتالي تفعيل آلية “سناب باك”، حسب صحيفة “الشرق الأوسط”. وما يميز “سناب باك”، أنها لا تتطلب تصويتا جديدا في مجلس الأمن، ما يعني أن العقوبات سيُعاد فرضها بشكل آلي.

الصحيفة تلخّص الأسباب التي حالت حتى اليوم دون الإقدام على هذه الخطوة، رغم التحلل الإيراني من التزاماتها المفروضة بموجب الاتفاق النووي، برغبة الغرب تجنب قطع طريق التفاوض بشكل نهائي.

مصطلحات ضرورية

تقارير “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، تظهر كمية كافية من المواد النووية المخصّبة لصنع جهاز متفجر نووي، قد تمتلكها إيران خلال أسبوعين. مع ضبابية في تفسير التوجه الإيراني، هل هو تكتيك تفاوضي للحصول على تنازلات، أي أنها معنية بتحقيق هذا الإنجاز “جهاز التفجير النووي”، وفقا لسايمون هندرسون، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط. ولتبسيط الأمر، يشرح هندرسون مصطلحات الدورة النووية.

التخصيب بنسبة 60 بالمئة، هو عملية زيادة نسبة “اليورانيوم-235″ في عيّنة من اليورانيوم الطبيعي من سبعة أجزاء في الألف، مقارنةً بـ”اليورانيوم-238” إلى معدل ذرات 193:7 اللازم لمفاعل نووي يهدف إلى الاستخدام المدني أو معدل 1:7، أي حوالي 90 بالمئة، وهو المعدل اللازم لصنع قنبلة نووية، وعند التخصيب بنسبة 60 بالمئة، يبلغ معدل الذرات حوالي 11:7، مما يعني أنه يجب تجريد اليورانيوم الغازي من عشر ذرات أخرى من “اليورانيوم-238” في أجهزة طرد مركزي فائقة السرعة.

أجهزة الطرد المركزي، أجهزة مغلفة ومثبتة رأسيّا تدور بحوالي 1000 دورة في الثانية، وتفصل ذرات “اليورانيوم-238” عن ذرات “اليورانيوم-235” باستخدام فرق الوزن الدقيق بين الذرتين، وعادة ما تنتج محطة الطرد المركزي التي تضم 5000 جهاز كمية من “اليورانيوم-235” تكفي لقنبلة واحدة في كل ستة أو ثمانية أسابيع.

قد يهمك: مفاوضات النووي الإيراني إلى طريق مسدودة.. ما المآلات؟

الكمية الكبيرة، وتُعرف بأنها نسبة 90 بالمئة من “اليورانيوم-235” اللازمة للتسبب بانفجار نووي، ويتطلب الانفجار النووي النموذجي كرة من “اليورانيوم-235” بحجم حبة ليمون هندي تقريبا، قد تزن حوالي 25 كيلوغراما، ويتم ضغط الكرة بواسطة كرة خارجية من مواد تقليدية شديدة الانفجار لتصبح بحجم برتقالة صغيرة، وفي هذه المرحلة، تبدأ سلسلة من التفاعلات لا يمكن السيطرة عليها، وتُعرف أيضا بالانفجار النووي.

التصعيد والتصعيد المقابل

حشمت الله فلاحت بيشه، الرئيس السابق لهيئة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، تحدّث لصحيفة “دنيا اقتصادي” الإيرانية عن المواجهة بين إيران و”الوكالة الدولية” من جهة، وإيران والغرب من جهة أخرى، بالقول “هذه القضايا تشير إلى أن إدارة التحدي النووي أصبحت صعبة للغاية”.

السياسة التي تتخذها الدول الغربية حاليا، هي أنه في الوقت الذي تزيد فيه العقوبات ضد إيران تحت ذرائع مختلفة، فإنها تحاول السيطرة على برنامج إيران النووي بطريقة ضبط النفس، وفق بيشه.

الباحث في مركز “الحوار السوري”، محمد سالم، يلحظ خطوة تصعيدية في قرار “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” الأخير، معناها الفعلي إشارة مبطنة بإحالة الملف لمجلس الامن، ويشير في حديثه لـ”الحل نت” إلى أنه، حتى لو تم إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، فلا يتوقع أن تنفذ إجراءات فاعلة ضد إيران، نظرا للانقسام المعروف في مجلس الأمن، خاصة وأن إيران تحظى حاليا بعلاقة خاصة مع روسيا، وتزودها بالطائرات المسيّرة في حربها ضد أوكرانيا، وفق تعبيره.

هنالك تحول في الموقف الأوربي تجاه طهران، بسبب رفض الإيرانيين للمقترحات الأوروبية المتعلقة بتعديل الاتفاق النووي، حيث يرى الأوروبيون أن ما قدموه من مقترحات لتعديل الاتفاق كان في منتهى المرونة وقدموا تنازلات كبيرة لإيران، بما في ذلك فرض غرامات مالية على الولايات المتحدة في حال انسحابها من الاتفاق.

 لكن إيران لم تستجب لذلك، بل زادت من التصعيد من خلال رفع نسبة تخصيب اليورانيوم الى 60 بالمئة، وهي النسبة المناسبة لإنتاج القنبلة، وهو ما خيب أمل الأوروبيين وغير من موقفهم، بحسب سالم.

إحالة قضية إيران إلى مجلس الأمن، قد تقابلها إيران برفع نسبة التخصيب إلى أكثر من 60 بالمئة، وفق فلاحت بيشه، على اعتبار أن “الأوروبيين يقصدون إما أنهم سيعيدون إحالة القضية النووية إلى مجلس الأمن أو يفعّلون آلية الزناد، وكلا الإجرائيين سيدفع بإيران نحو ثراء نووي أكبر، أي أكثر من 60 بالمئة، وهو ما لا يصب في مصلحة أي من الجانبين”.

خطوة أخيرة

مدير مركز “نورس” للدراسات، إياد حمود، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت” في قرار “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” خطوة تصاعدية أخيرة قبل نقل ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي، وقرار الوكالة الأخير وما سيتبعه من خطوات تصعيدية، جاءت بعد تقارب “الترويكا” الأوربية من الرؤية الأميركية تجاه إيران، نتيجة تزويد الأخيرة لموسكو بالمسيرات في غزوها لأوكرانيا، بالإضافة لخيبة الأمل الأوروبية من مفاوضات فيينا النووية، بحسب تعبيره.

بقيت “الترويكا” الأوربية حتى وقت قريب ميّالة لتبني وجهة النظر الإيرانية، ما أحبط كثيرا من الضغوط الأميركية تجاه إيران، ومن ذلك معارضة “الترويكا” الأوربية، لطلب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بإعادة تفعيل “آلية الزناد”، محتجة بعدم قانونية الطلب الأميركي بعد انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي.

 الآن، وبعد تقارب المواقف الأميركية الأوربية، فإن ما ينتظر إيران هو التصعيد والتصعيد المقابل، بمعنى أن إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن قادمة، ما لم تُقدم إيران على خطوات للتهدئة بدلا من التصعيد المقابل، وفق حمود.

لعبة عض الأصابع

في مقالة أخرى لهندرسون، اعتبر أن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، تسعى للحصول على تفسيرات، لوجود جزيئات يورانيوم من أصل اصطناعي، ما يعني أن الجسيمات لم تكن يورانيوم طبيعي. هذا يعني أن نسبة العينات للنظيرين الرئيسيين لليورانيوم، “اليورانيوم-238″ و”اليورانيوم-235” الذي يحتمل أن يكون انشطاريا، لم تكن هي نفسها نسبة العينات الموجودة في الطبيعة.

 التفسير المحتمل أن العينات المكتشفة تم تخصيبها بشكل مصطنع، للحصول على المزيد من “اليورانيوم-235″، والتي يمكن استخدامه كوقود في المفاعلات النووية، أو لاستخدامه في صنع سلاح نووي، عندما يتم تخصيبه بمستوى 90 بالمئة، وهو ما يطرح التساؤل حول ما حدث لبقية “اليورانيوم-235”.

قد يهمك: هل تنهي الاحتجاجات الإيرانية الملف النووي مع طهران؟

الباحث محمد السالم، يقر بضبابية الموقف وصعوبة التنبؤ بتداعيات احتمالية إعادة ملف إيران إلى مجلس الأمن مستقبلا، إلا أنه يستبعد الصدام العسكري في الوقت الحالي، لانشغال الغربيين بالموضوع الأوكراني وقدوم واشنطن على فترة انتخابية.

التصعيد الدبلوماسي والمقاطعة وتشديد العقوبات مطروحة بكل تأكيد، وفق سالم، خاصة في ظل الاحتجاجات الإيرانية. حيث يلعب الطرفان، الغرب وإيران، لعبة عض أصابع حاليا، ومن خلالها يضغط الإيرانيون، من خلال رفع نسبة تخصيب اليورانيوم لفرض مطالبهم، في حين يراهن الغربيون على ضغط العقوبات وتزامنها مع الاحتجاجات الداخلية لدفع إيران لتقديم تنازلات.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، صرح في وقت سابق، إن القرار الأخير الصادر عن مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، أظهر استعدادا غربيا لتعطيل الأنشطة الفنية لإيران والوكالة بأساليب سياسية. موضحا أن الرد الإيراني تم بالفعل في مفاعلات “نطنز وفردو” بحضور مفتشي الوكالة. مهددا “برد حاسم إذا تم إحالة ملف بلاده إلى مجلس الأمن” وفق تعبيره.

المواقف التصاعدية بين الطرفين لا يمكن التكهن بمآلاتها، بحسب حمود، نظرا لإمكانية انزلاقها في وقت أو موقف معين لخيارات لا يرغبها الجانبين، نتيجة تفسير خاطئ لأحد المواقف التصعيدية من قبل الطرف الآخر. لكن بالنظر لرفع نسبة التخصيب إلى 60 بالمئة، من قبل طهران ردا على قرار “الوكالة الدولية”، يمكن القول، إن الاجتماع القادم لـ “مجلس محافظي الوكالة” في أذار/مارس القادم، سيقرر إدانة إيران، وإعادة ملفها لمجلس الأمن، لإعادة تفعيل العقوبات الأممية عليها، وهو ما ستقابله طهران برفع نسبة التخصيب إلى مستوى 90 بالمئة، النسبة اللازمة لتصنيع السلاح النووي، أو بانسحابها من معاهدة حظر السلاح النووي أو اتفاقية الضمانات الملحقة بها. وفي هذا الجو ترتفع أسهم عملية عسكرية غربية ضد المنشآت النووية الإيرانية، رغم عدم رغبة الطرفين بالوصول إلى هذا الخيار.

 الكثير من الخبراء الدبلوماسيين يعتقدون، أن إيران غير قادرة على تقديم التفسير المهني حول آثار اليورانيوم في المواقع الثلاثة غير المعلن عنها من قِبل طهران، والتي تشكل آخر عقبة أمام التوصل لاتفاق نووي، لأنها بتقديم هذا التفسير ستضع نفسها في موقع المسؤولية، وفي ظل التصعيد الغربي الإيراني المتبادل، وتوسيع ساحات التنافس بينهما، فإن أمل التوصل لتوافق يطمئن المجتمع الدولي من سلمية المشروع النووي الإيراني بات بعيدا جدا، والأقرب منه إنهاء المسار التفاوضي بإعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، وهو خطوة قد تفتح المجال على كافة الاحتمالات، بالنظر لردود إيران الثورية على قرارات الشرعية الدولية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة