مفاوضات الملف النووي الإيراني، تكاد تكون قد توقفت خلال الأيام الأخيرة بعد الخلافات التي برزت نتيجة موقف “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” حيال المنشآت النووية الإيرانية الثلاث التي عُثر فيها على بقايا يورانيوم مخصب لأغراض عسكرية، إذ تشترط إيران لتوقيع الاتفاق إلغاء الرقابة على هذه المنشآت التي أزالت منها في وقت سابق عددا من كاميرات المراقبة.
نتيجة للتطورات الأخيرة، والعراقيل التي تضعها إيران بات من الواضح أن الخيارات للتوصل لاتفاق نووي جديد، حتى إعادة إحياء الاتفاق القديم ضيقة للغاية، حتى أنها وُصفت يوم أمس من قبل الولايات المتحدة بأنها وصلت إلى طريق مسدودة.
تطورات مستمرة في الملف، تحمل الكثير من التصعيد على الرغم من استمرار الخيار الدبلوماسي الأميركي والغربي في التعامل مع إيران، ولكن مع التشدد الإيراني والتصريحات الأميركية أمس تُطرح العديد من التساؤلات حول الخيارات التي يمكن أن تتعامل بها الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، و “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” مع إيران.
الطريق المسدود
مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية، قال يوم أمس الخميس، إن الجهود المبذولة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 “وصلت إلى طريق مسدود”، بسبب إصرار إيران على إغلاق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أنشطتها النووية.
وأضاف المسؤول الأميركي، في تصريحات صحفية، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة: “لقد وصلنا إلى طريق مسدود” بسبب موقف إيران، قائلا إنه لم يحدث شيء هذا الأسبوع يشير إلى أن إيران على استعداد لتغيير موقفها.
من جهته، تمسك الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، يوم أمس الخميس، بموقفه في ما يتعلق بالمحادثات النووية مع القوى الكبرى، وقال إنه “لا يرى جدوى في التوصل لاتفاق إذا لم تُغلق التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في قضية الاشتباه بوجود آثار لليورانيوم في مواقع ببلاده”.
وقال رئيسي، في مؤتمر صحفي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة: “كيف يتسنى لنا أن نحظى باتفاق مستدام وتلك التحقيقات لم تغلق؟”.
تصريحات أميركية تحمل وجهين، كما يبين الباحث في الشأن الإيراني، حسن راضي، الأول، هي وسيلة للضغط على طهران لأن التشاؤم المعلن من قبل الولايات المتحدة بعدم إمكانية التوصل لاتفاق يجعل إيران تحسب الخطوات المقبلة ضدها، ومنها العقوبات ونقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي، والعديد من الخيارات التي يمكن أن توضع على الطاولة.
يضيف راضي، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الوجه الآخر للتصريحات الأميركية، يعكس الحالة الواقعية بأن الاتفاق وصل إلى طريق مسدود، فإيران تضع شروطا تعجيزية، ليس بيد الولايات المتحدة أو أوروبا إيجاد صيغة للتفاهم حولها، حيث أنها بيد “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تضغط على “الوكالة” أو تطلب منها أو تعلق نيابة عنها بالموافقة على الشروط الإيرانية التي تتعلق بوقف التحقيق في 3 مواقع يشتبه بأن إيران قامت بتخصيب اليورانيوم بها لأغراض عسكرية.
إقرأ:إسرائيل تلوح بضرورة إعادة فرض العقوبات على إيران.. ما علاقة الملف النووي؟
ما هي مآلات انسداد أفق المفاوضات؟
المدير العام لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، رافاييل غروسي، بيّن يوم الأربعاء الفائت، أنه ليس هناك أمل في حلّ القضايا العالقة بين إيران والوكالة التابعة للأمم المتحدة، في وقت تصر طهران على غلق تحقيقات تجريها الوكالة لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وقال في تصريحات صحفية في الأمم المتحدة: “هذه القضايا لا أمل في حلها”.
حسن راضي، يرى أنه إذا كانت المفاوضات قد وصلت فعلا إلى طريق مسدود، فهناك خيارات أخرى للتعامل مع إيران، فحتى الآن لا يزال الخيار الدبلوماسي مسيطرا على الملف، ولكن ذلك قد يتغير مع الإصرار الإيراني.
حيث يمكن للولايات المتحدة إعادة تفعيل آلية “الزناد” أي إعادة فرض عقوبات بشكل تلقائي على إيران كما كانت عليه قبل الاتفاق عام 2015، وعقوبات أميركية أخرى، كما أن الخيار العسكري سيكون مطروحا على الطاولة، وبالإضافة لذلك فيمكن أن تتحرك إسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية بدعم أميركي.
كما يمكن للغرب عموما دعم الحراك الحالي في إيران، ودعم المعارضة الإيرانية، كما سيشهد ملف العقوبات تحركا أوروبيا، فالدول الأوروبية تقف حتى الآن في المنتصف، لكنها ستنحاز إلى الولايات المتحدة، وبالتالي ستتصاعد الضغوط السياسية والاقتصادية على إيران.
كما أن الأوضاع الأميركية الداخلية تحتم على الإدارة الحالية التعامل بحزم مع الملف الإيراني، فهناك انتخابات نصفية مقبلة في أميركا، والحزب الجمهوري مرشح للسيطرة على الكونغرس وبالتالي ستزيد الضغوط للتصدي لإيران.
وبحسب راضي، فإن الأمور ستكون أكثر تعقيدا ضد إيران، لأنه في حالة استمرارها بالمماطلة والتعنت سيكون العالم أمام خيارين، إما القبول بامتلاك إيران للقنبلة النووية، أو أن يمنعها من ذلك ولكن العقوبات لا يمكنها منعها، بل لا بد من خيارات عسكرية تمنع امتلاكها السلاح النووي.
الإجابات الإيرانية غير شافية
بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن هناك عملية “عض أصابع” تجري اليوم بين إيران والدول الغربية، ومسرحها الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مبينا أن هناك قناعة متنامية تفيد، وفقا لمصادر أوروبية في باريس، بأن مصير المفاوضات الخاصة بإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 سيكون إلى حد بعيد مرهونا بما سيصدر عن محافظي “الوكالة” الـ35 بشأن مستقبل التعاون بينها وبين إيران.
وبين التقرير أن مسألة جلاء حقيقة المواقع النووية الإيرانية الثلاثة غير المعلنة التي عثر فيها مفتشو “الوكالة” على آثار يورانيوم مخصب ما زالت موضع أخذ ورد رغم مرور 4 سنوات على إشهارها بعد أن بقيت لمدة طويلة بعيدة عن التداول العام.
بحسب التقرير، فإنه منذ 4 سنوات وحتى الآن، تفيد تقارير “الوكالة”، الواحد تلو الآخر، بأن إيران لم تعط الأجوبة الشافية ولم تفصح عن المعلومات التي تمكن “الوكالة” من إقفال هذا الملف المتفجر، حيث تتهم “الوكالة” طهران بأنها لا تحترم التزاماتها بموجب اتفاقية الضمانات الشاملة المرتبطة بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، في حين أن إيران تتهم الوكالة بـ”التسييس” وبأنها تذعن إلى إسرائيل. والأكثر من ذلك تصر طهران على إغلاق الملف المشار إليه، وتجعل منه شرطا لا قفز فوقه لقبول العودة إلى الاتفاق النووي.
ومؤخرا باتت المواجهة قائمة وواضحة بين مدير “الوكالة” رافاييل غروسي وبين طهران، فالأول يرفض إغلاق الملف قبل الحصول من الجانب الإيراني على الأجوبة الشافية، وبذلك يكون قد قطع الطريق على أي ضغوط يمكن أن تستهدفه، وفجر غروسي في تقريره الأخير قنبلة من العيار الثقيل عندما كتب فيه أن الوكالة “لا تستطيع ضمان أن البرنامج النووي الإيراني سلمي حصرا”، والحال أن مهمة الوكالة ومفتشيها أن تكون في وضع يمكنها من التحقق من طبيعة هذه الأنشطة النووية. ومصدر الشكوك أنه إذا لم تكن لدى طهران أمور تود التستر عليها، فلماذا المراوغة والمناورة والتأجيل وعدم التعامل بشفافية مع الوكالة؟.
الخيارات والمواقف بين “الوكالة” وطهران
بحسب التقرير قامت طهران بتعمية 27 كاميرا مراقبة لـ”لوكالة” في مواقع نووية رئيسية؛ مما جعلها عاجزة عن متابعة جانب مهم من الأنشطة الحاصلة فيها، إضافة إلى توتير العلاقة بين الطرفين. لذا؛ فإن السؤال المطروح اليوم يتناول الخيارات المتوافرة لمجلس المحافظين وطبيعة الرد الإيراني عليها.
ويشير التقرير إلى 3 مواقف لا بد من التوقف عندها، الأول، أن إحياء اتفاق 2015 ليس قريبا، وجاء آخر تأكيد على ذلك من المستشار الألماني أولاف شولتس الذي قال مؤخرا، بمناسبة مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، إنه “ليس من سبب يمنع إيران من الموافقة على المقترحات الأوروبية التي قدمها الوسيط الأوروبي جوزيب بوريل”. لكن شولتس أضاف: “علينا أن نأخذ في الحسبان أن إيران لم تقبلها، وأن هذا القبول لن يأتي في المستقبل القريب”.
والثاني أن الحملة الإسرائيلية تتواصل على مختلف المستويات، ويبدو واضحا أنها نجحت في حمل الإدارة الأميركية على تأخير العودة إلى اتفاق 2015 لما بعد الانتخابات التشريعية في إسرائيل والنصفية في الولايات المتحدة لتجنب استخدام التفعيل حجة ضد يائير لبيد من جهة وضد المرشحين الديمقراطيين من جهة أخرى.
والثالث أن طهران استبقت اجتماع الوكالة في فيينا بمحاولة لانتزاع فتيل التصعيد مع الغربيين وتخطي الاجتماع، إذ أكد الناطق باسم خارجيتها مؤخرا أن طهران مستعدة للتعاون مع الوكالة. وقال ناصر كنعاني: “تعلن إيران تعاونها البناء مع الوكالة بوصفه التزاما … وبينما هناك التزامات على إيران، فإن لها حقوقا أيضا”.
أما بالنسبة لمحافظي “الوكالة”، فإن لديهم 4 خيارات رئيسية للتعامل مع طهران والضغط عليها، أولها أن يمتنع المحافظون الـ35 عن إصدار أي بيان أو اتخاذ أي تدبير أو إجراء بحق طهران بحيث يعطونها فرصة إضافية من 3 أشهر لتظهر مدى صدق وعودها، ولتجنب التصعيد أو ردود الفعل التي من شأنها مضاعفة العوائق أمام مفتشي “الوكالة”.
و الثاني يمكن أن يكون نسخة طبق الأصل عما قاموا به في حزيران/يونيو الماضي؛ أي إصدار بيان علني تنديدي بإيران لما يرونه إخفاقا في التعاون مع “الوكالة”.
أما الثالث، فيمكن لمحافظي “الوكالة”، أن يقرنوا بيانهم التنديدي بإعطاء مهلة زمنية إضافية قد تكون الأخيرة لإيران تكون بمثابة إنذار مع التهديد بنقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي وفق ما تتيحه “اتفاقية الضمانات الشاملة”.
وبحسب الخيار الرابع، قد يرى المحافظون أنه حان الوقت لوضع حد لتلاعب إيران، وأن يقينهم، كما جاء في بيان “الترويكا” الأوروبية مؤخرا، أن إيران لا تسعى حقيقة لتفعيل الاتفاق النووي السابق، وبالتالي فإنهم يقررون في وقت لاحق، نقل الملف إلى مجلس الأمن، مما سيتيح تفعيل الآلية المسماة “سناب باك” التي تمكن من إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران والتي رفعت بداية عام 2016، لكن ثمة مخاطر مرتبطة بهذا الإجراء الجذري؛ لأنه يعني نهاية الجهود لتفعيل الاتفاق النووي وفتح الباب أمام ردود من إيران.
قد يهمك:“خيارات بديلة” في الاتفاق النووي الإيراني.. انسحاب أميركي قريب؟
كل المعطيات تشير إلى أنه لا يمكن الوثوق بإيران، فقد اعتادت المراوغة والمماطلة في برنامجها النووي على مدار السنوات الماضية، ولا يبدو أنه سيتم التوصل إلى تفاهم مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” ينتج عنه إعادة مفاوضات الملف النووي إلى سكة الحل من جديد، ما يفتح الباب أمام كثير من الاحتمالات، بعضها قد يجبر إيران على الرضوخ أو أن التصعيد سيأخذ اتجاها آخر يمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.