بعد النقلة التي حصلت في العلاقات السعودية الصينية، وزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، التي وصفت بأنها أكبر نشاط دبلوماسي صيني تجاه الشرق الأوسط، يبدو أن هذه النقلة ستُلقي بظلالها على سياسات الرياض في التعامل مع العديد من الملفات، ربما ليس أبرزها الملف السوري.

ملف إعادة العلاقات مع دمشق يعود للواجهة مجددا، ويقتحم هذه المرة المملكة العربية السعودية، تزامنا مع سيره ببطء شديد في أنقرة، ورفض مقابل من قبل الولايات المتحدة الأميركية، فهل يكون تطور العلاقات بين بكين والرياض بوابة لدخول الأخيرة على خط التطبيع مع دمشق.

السعودية تريد ربما التعامل مع سوريا كدولة، بصرف النظر عن السلطة الحاكمة في دمشق، خاصة مع بدء دخول تركيا على خط التطبيع مع دمشق، كذلك توسع النفوذ الإيراني في سوريا، كل ذلك يدفع ربما الرياض وغيرها من عواصم الدول العربية، إلى ضرورة عدم ترك سوريا بعيدة عن الدائرة العربية.

عودة العلاقات بين دمشق والرياض

الحديث عن عودة العلاقات بين دمشق والرياض تصاعد مؤخرا، لا سيما بعد سماح الحكومة السورية، باستيراد عدة مواد من المملكة العربية السعودية، أبرزها السكر والمواد الكيماوية والبتروكيماوية.

القرار استند إلى ما أوضحته وزارة الخارجية والمغتربين، بأنه “لا مانع سياسي” من التماشي مع توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة السماح بالاستيراد من السعودية.

أما على الجانب المقابل، فالتطور جاء عبر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، الذي دعا قبل أيام على هامش منتدى “دافوس” في سويسرا، إلى إيجاد طريقة ما للتعامل مع الحكومة السورية.

خلال مقابلة مع تلفزيون “بلومبيرغ” الأميركي ونُشرت الخميس 19 كانون الثاني/يناير الجاري، قال بن فرحان، إن دول المنطقة يجب أن تعمل معاً لإيجاد “حل سياسي” للحرب المستمرة منذ 12 عاماً في سوريا.

فرحان أشار في تصريحات إلى أن بلاده، تعمل مع شركائها لإيجاد طريقة تتعامل فيها مع الحكومة السورية، بما يخدم طريقة تقدم تحركات ملموسة نحو حل سياسي، وأضاف “سيتطلب ذلك بعض العمل”.

الدوافع السعودية

الباحث السياسي عامر المالكي، رأى أن نقطة انطلاق المساعي السعودية، تأتي من حاجتها للتعامل مع سوريا كدولة، خاصة مع تزايد النفوذ الإيراني في البلاد، كما أن المنافع الاقتصادية قد تلعب دورا في هذه المحاولات، مشيرا إلى أن المحاولات العربية لإعادة العلاقات مع دمشق ليست وليدة المرحلة، لكن جميع المحاولات السابقة لم تنجح حتى الآن.

المالكي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “محاولة تعويم النظام السوري، أو إعادته عربيا لم تكن وليدة اللحظة، فآخر قمة عربية بالجزائر حاولت الجزائر إعادة مقعد سوريا، ولم تكن الأولى فمن قبل ذلك حاولت دولة الإمارات مرارا، وأرسلت وزير خارجيتها للجلوس مع بشار الأسد في محاولة لإعادته عربيا، ذلك يخضع بالأساس لعملية المصالح المعتبرة في أجندة كل دولة وتصورها للمنطقة”

برأي الملكي فإن الفراغ السياسي الذي أحدثته المعارضة السياسية، قد يكون سببا في توجه قادة الدول العربية إلى دمشق، منطلقينَ من مبدأ “التعامل مع دولة بها أخطاء أفضل من التعامل مع كيانات لا ترتقي لشكل الدولة”.

حول ذلك أضاف “كل هذه الأزمة شكّلتها المعارضة السورية نفسها حين لم تنظم نفسها بشكل جيد ولم تخلق كيان يستطيع أن يتعامل مع الدول والقادة والعالم، إذا ما نظرت لجهة بشار الأسد ستجده رئيس يتحكم بشكل أو بآخر في جزء من البلد”.

هناك دافع آخر قادته الإمارات هو عدم ترك سوريا في أحضان إيران وأنه من الواجب إعادتها للحضن العربي وهذا رأي له اعتبار مهم على الصعيد العربي والسعودي بشكل خاص، بالتالي الرياض تريد استعادة سوريا من كافة الأطراف بما في ذلك التركي وجعل سوريا ركيزة قوية للتواجد السعودي.

وفق رأي المالكي، فإن المشهد لا يخلو كذلك من المنافع الاقتصادية المتمثلة في المشاركة بإعادة الإعمار وأيضا إعادة الماكينة الصناعية السورية للعمل مرة أخرى.

قد يهمك: بعد انخفاض إيرادات النفط.. إلى أين يتجه الاقتصاد الروسي؟

بالعودة إلى تصريحات الخارجية السعودية، فإن العديد من وسائل الإعلام في دمشق، تلقت تصريحات الوزير السعودي باهتمام واضح، معتبرة أنها من بين المؤشرات على تبني الرياض مواقف جديدة في سوريا، معتبرة أن السعودية تسير على خطى تركيا.

هذه التطورات، جاءت تزامنا مع سماح حكومة دمشق، باستيراد المنتجات السعودية، وفي مقدمتها السكر والبتروكيماويات، بعد توقف لأكثر من عقد من الزمن.

الموقف الأميركي

غير أن الجهود الإقليمية لإعادة العلاقات مع دمشق، ما تزال تواجه معارضة حادة من قبل الجانب الأميركي، الذي سيضغط بالتأكيد على حلفائه لمنع أي محاولات لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية.

واشنطن تشترط لقبول التعامل مع الحكومة السورية، البدء جديا بمسار الحل السياسي ضمن القرار الأممي 2254، وقد أطلقت واشنطن مؤخرا سلسلة من التصريحات الرافضة للتطبيع مع دمشق، وهي تملك ورقتَين مهمتين في ذلك عقوبات “قيصر” وعقوبات قانون “الكبتاغون” الجديد.

كذلك تدرك الولايات المتحدة أن تلك القوى الناعمة التي تملكها ليس من السهل تخطيها للدول الراغبة بالتطبيع.

على السعودية وتركيا فيما يبدو، أن تبذلا جهودا كبيرة لإجبار دمشق على الانخراط جدّيا في عملية الحل السياسي في البلاد، وذلك لإرضاء الجانب الأميركي وضمان عدم عرقلة عملية التواصل مع دمشق، وهو ما أشار إليه الوزير السعودي في تصريحاته، وقبله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي دعا في أحد تصريحاته إلى العمل مع سوريا لإيجاد مسار للحل السياسي فيها.

يبدو أن الرياض جادة في إيجاد آلية للتواصل مع دمشق، فعلى الرغم من أن السعودية كانت من أبرز المقاطعين للحكومة السورية، عندما انطلقت الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011، فضلا عن دعم فصائل المعارضة، فإن هناك حراكا دبلوماسيا سعوديا نشطا فيما يخص الملف السوري.

هذا الحراك برزت ملامحه بحسب صحيفة “ميدلاين نيوز”، خلال الأسابيع الماضية، حيث أجرى وزير الخارجية السعودية لقاءات مع المبعوثَين الأمميَين إلى سوريا، غير بيدرسن، وإلى اليمن هانس غروندبرغ.

في لقائه مع بيدرسن، استعرض بن فرحان جهود بلاده والأمم المتحدة في الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية وفق القرار 2254، ورفض أي تهديدات بعمليات عسكرية تمس الأراضي السورية، وتروّع الشعب السوري إضافة إلى مناقشة أبرز المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية.

إذاً السعودية تريد التواصل مع سوريا كدولة، وهي ترى أن العاصمة دمشق هي أنسب الوجهات لعودة العلاقات، لكن الأهداف السعودية لا تبدو أنها ستحقق بالتواصل مع دمشق، خاصة وأن الأخيرة لا تملك خيار الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، بل ربما إيران هي التي ستمنع دمشق من التطبيع المشروط مع الدول العربية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.