مجددا تعود التحركات الأميركية بشأن اليمن إلى الواجهة، بغية دفع جهود تمديد الهدنة بين جماعة “الحوثي” الموالية لإيران، والحكومة اليمنية الشريعة المسنودة من قبل “التحالف العربي” الذي تقوده السعودية، وذلك ضمن جولة بدأها الاثنين الماضي، المبعوث الأميركي الخاص باليمن تيم ليندركينغ، إلى الخليج، ما عكس تقدّما في ملف الحرب اليمنية المندلعة منذ أكثر من ثمانية أعوام.

إذ وصل ليندركينغ أمس الثلاثاء، إلى السعودية، لبحث مساعي السلام ولدفع الجهود الحالية التي تقودها “الأمم المتحدة” لتمديد الهدنة التي انتهت فعليا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد رفض “الحوثيين” تجديدها ما لم تتحقق مطالبهم التي ترى أطراف “التحالف العربي” إلى جانب الحكومة اليمنية إنها مبالغٌ فيها ولا يمكن تحقيقها، حيث يطالب “الحوثيون” بالحصول على حصة من عائدات تصدير النفط والغاز، وأن تتسلم رواتب جميع الموظفين مدنيين وعسكريين في مناطق سيطرتها لتتحكم بصرفها وفق ما يريدون.

زيارة المبعوث الأميركي إلى اليمن للسعودية، جاءت بعد أن التقى قبل ذلك الاثنين الماضي، بالمستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش، وبحث معه آخر التطورات والجهود الدولية لحل الأزمة اليمنية، قبل أن يعود ليلتقي في السعودية كبار المسؤولين من السعودية واليمن، لبحث تأمين هدنة دائمة وإطلاق عملية سياسية شاملة بوساطة “الأمم المتحدة” مع ضمان استمرار الجهود لتخفيف الأزمة الاقتصادية ومعاناة اليمنيين.

التحرك الأميركي يقابله دعم خليجي

في السياق، أكد قرقاش خلال لقائه ليندركينغ، على أهمية الجهود التي تقودها السعودية من أجل إيجاد تسوية سلمية تنهي الأزمة اليمنية وتداعياتها الإنسانية، كما أكد على أهمية تكثيف الجهود الدولية في هذا الاتجاه، منوّها بالدور المهم الذي تضطلع به الولايات المتحدة الأميركية في هذا الإطار، مؤكدا دعم الإمارات الجهود كافة الرامية لإيجاد حل للأزمة اليمنية بما يحقق مصالح الشعب اليمني ويضمن استقرار اليمن.

بدوره، قال المبعوث الأميركي إلى اليمن، اليوم الأربعاء، إن بلاده ستواصل المساعي من أجل قرار ينهي أزمة اليمن، وأضاف في تصريحات صحفية، أن الوقت وقت الحوار وعلى المجتمع الدولي دعم حوارٍ يمني يمني، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية ستعمل على إيجاد صيغة لوقف نهائي لإطلاق النار في اليمن.

لذلك بحسب ليندركينغ، لا بدّ لدول المنطقة أن تلعب دورا أكبر من أجل المضي نحو قرار ينهي الأزمة اليمنية، لافتا إلى أن ممارسات “الحوثيين” تجاه السجناء مخالفة للأعراف الدولية، وأنه لا أعذار تجاه استمرار اعتقال “الحوثيين” مواطنين يمنيين، في حين سيلتقي الدبلوماسي الأميركي خلال جولته إلى الخليج بمسؤولين يمنيين وسعوديين وإماراتيين وعمانيين ودوليين، بحسب بيان للخارجية الأميركية.

ذلك يأتي بينما تعمل “الأمم المتحدة” إلى جانب قوى إقليمية تتقدمها السعودية لإيجاد تسوية سياسية للحرب في اليمن، سيما في الأشهر الأخيرة التي شهدت مفاوضات متقدمة بين “الحوثيين” وممثلين عن السعودية بشكل مباشر، رافقتها تحركات دولية، خصوصا تلك التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.

اهتمام دولي وعداء “حوثي”

وسط ذلك، يوضح الخبير في الشأن اليمني محمد شجاع، مدى تأثير هذا الحراك الأميركي، قائلا إنه من المبكر الحكم على مخرجات هذه التحركات التي لم تأتِ بجديد حتى الآن، إلا أنها تبعث برسائل تفيد بأن هناك اهتمام أميركي ودولي بالملف اليمني وأنه ذات أولوية.

لقاء سابق يجمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ/ (رويترز)

كما لفت شجاع في حديث لموقع “الحل نت”، إلى أن هذه التحركات تندرج أيضا ضمن جهود التصدي للحراك الصيني الذي يحاول أن يكون نافذا في الملف اليمني، وربما تكون كذلك جزءا من نتاج جولة المشاورات أو التفاهمات الأخيرة بين الأميركيين والإيرانيين التي أسفرت عن إطلاق سراح بعض الديبلوماسيين الأميركيين المحتجزين لدى إيران، مقابل الإفراج عن أرصدة مالية إيرانية مجمدة.

الخبير السياسي اليمني، بيّن أن هذا التحرك الأميركي، وإن كان لا يدل على انتهاء الحرب، لكن في الحقيقة هو مؤشرٌ على أن الرغبة بطي صفحة الاقتتال موجودة لدى أطراف كثيرة عربية ودولية، بيد أن هذه الرغبة لا تزال غير موجودة عند “الحوثيين” اللذين لا يزالون يصعّدون من مطالبهم واشتراطاتهم مع كل اتفاقية وهدنة جديدة دون تنفيذ أي التزام. 

شجاع، أكد أنه لا أحد يملك تأثيرا في الملف اليمني كما هي الولايات المتحدة، لذا لو أرادت مع بقية الوسطاء والمعنيين في الملف اليمني إنهاء حالة الحرب لفعلوا ذلك منذ وقت مبكر، لكن على ما يبدو حتى الآن الأمور تسير بصورة لا يرغب بها المواطن اليمني، وهي استمرار “الحوثيين” في تثبيت مشروعهم بكل السبل على حساب الحياة برمتها.

في خضم ذلك، وأثناء ما يجري الحديث فيه عن إمكانية استئناف اللقاءات المباشرة بين مسؤولين سعوديين وقيادات “حوثية” في مسقط بدعم أممي وأميركي، ضمن جهود إحياء المسار السياسي والتوقيع على اتفاق هدنة عسكرية واقتصادية بين الحكومة الشرعية والميليشيات “الحوثية”، تشير تحركات جماعة “الحوثي” إلى نوايا عدائية، حيث لا يزال قيادات الجماعة العسكريين يكثّفون من تهديداتهم واستعراضاتهم العسكرية.

مؤشرات إنتهاء الأزمة اليمنية

بيد أن ذلك يأتي في الوقت الذي عُرفت فيه الجهود الجارية لتحقيق السلام في اليمن زخما إيجابيا طيلة الفترة الماضية، كان من أبرز مظاهرها إتمام صفقة تبادل كبرى للأسرى بين “الحوثيين” والسلطة الشرعية، وفي وقت كان قد صرّح فيه المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، خلال إحاطة له أمام “مجلس الأمن الدولي” الشهر الماضي، أن اليمن أمام فرصة تاريخية لتحقيق السلام، محذرا من إمكانية ضياعها في حال لم تُقدم أطراف الصراع على المزيد من التنازلات.

حراك أميركي مع الخليج لإنهاء الحرب باليمن/ إنترنت + وكالات

غير أن عودة العلاقات السعودية الإيرانية في أذار/مارس الماضي، لا تزال تمثل دافعا قويا لأنها الأزمة اليمنية، فبعد أن كان الحديث عن وقف الحرب والتوصل لاتفاق سلام شامل بالبلاد، مثل الاتفاق بين طهران والرياض انتعاشة كبيرة للتوقعات بأن ينعكس إيجابا على قرب إنهاء الحرب الدائرة في البلاد، وهو ما يحاول “الحوثيون” تعطيله لمصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية.

يشار إلى أن اليمن يعاني حربا بدأت عقب سيطرة “الحوثيين” على العاصمة صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014، بإسناد من قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي قُتل في 2017 بمواجهات مع مسلحي “الحوثي” إثر انتهاء التحالف بينهما، فمنذ ذلك الحين بدأ النزاع في اليمن، وتصاعد منذ آذار/مارس 2015، في أعقاب تدخل “التحالف العربي” بقيادة السعودية، لإسناد قوات الحكومة الشرعية في مواجهة “الحوثي” المدعومة إيرانيا.

الجدير بالذكر، حتى نهاية 2021، أودت الحرب بحياة 377 ألفا، وكبدت اقتصاد اليمن خسائر تُقدّر بـ 126 مليار دولار، وفق الأمم المتحدة، وبات معظم سكان البلاد البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة يعتمدون على المساعدات، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات