في محاولة جديدة على ما يبدو، أن جماعة “الحوثي” المدعومة إيرانيا تسعى مجددا إلى إعادة اليمن الذي يعاني منذ أكثر من ثمانية أعوام من الحرب، لدائرة الاقتتال، مما يقلل من حظوظ السلام الذي يعمل المجتمع الدولي والإقليمي بشكل حثيث لتحقيقه، حيث تزايدت في الآونة الأخيرة التهديدات الصادرة من الجماعة الموالية لإيران بالعودة إلى الاقتتال.

ذلك يأتي بينما تعمل “الأمم المتحدة” إلى جانب قوى إقليمية تتقدمها السعودية لإيجاد تسوية سياسية للحرب في اليمن، سيما في الأشهر الأخيرة التي شهدت مفاوضات متقدمة بين “الحوثيين” وممثلين عن السعودية بشكل مباشر، رافقتها تحركات دولية، خصوصا تلك التي يقوم بها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، والمبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ.

لكن وسط ذلك، وأثناء ما يجري الحديث فيه عن إمكانية استئناف اللقاءات المباشرة بين مسؤولين سعوديين وقيادات “حوثية” في مسقط، ضمن جهود إحياء المسار السياسي والتوقيع على اتفاق هدنة عسكرية واقتصادية بين الحكومة الشرعية والميليشيات “الحوثية”، كشفت جماعة “الحوثي” الأحد الماضي، عن عزمها تطوير ترسانتها العسكرية خلال الأيام القادمة وتنفيذ تجارب في الجزر اليمنية.

“الحوثيون” يهددون وسط استعدادات عسكرية

الحديث عن استعدادات حول استهداف الجزر اليمنية، يعني العودة إلى دائرة الصراع، نظرا إلى سيطرة قوات “المجلس الانتقالي الجنوبي” على عدد من تلك الجزر، أبرزها وأكبرها جزيرة سقطرى، بالإضافة إلى جزيرة ميون التي تتخذ منها قاعدة عسكرية لقواتها، وهو ما يعني عودة هجمات “الحوثيين” البحرية، وفتح صفحة جديدة من الاقتتال مع التحالف العربي الذي تقوده السعودية، والداعم لـ “المجلس الانتقالي”، خصوصا بعد تصريحات مهدي المشاط، رئيس ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى” للجماعة.

المشاط، أكد في كلمة له خلال زيارة أجراها إلى محافظة المحويت شمالي البلاد، أن جماعته ستعمل في الأيام القادمة على تطوير ترسانتها العسكرية، وستجري في المستقبل تجارب في بعض الجزر اليمنية، قائلا إن عدوّنا متغطرس، متكبر لا يعرف إلا لغة القوة وسنعمل كل ما نستطيع لردع العدوان، بإشارة إلى الحكومة اليمنية متمثلة بالـ “المجلس الانتقالي” والتحالف العربي.

كما أضاف، أن اليمن يخوض حرب إرادات مع “قوى العدوان” الساعية لإفقار اليمنيين وإخضاعهم للجهل والجوع والحرمان، لكن إرادة وصلابة وقوة أبناء اليمن هي التي منعت إرادة العدو، متهما “التحالف العربي” باللجوء إلى الدعايات والأكاذيب بعد أن فشل في خياراته الأخرى وافتقر إلى أسلحة المواجهة.

تهديدات المشاط تزامنت مع إرسال “الحوثيين” رسائل تتعلق بالاستعداد لخيار المواجهة العسكرية من خلال الحشد العسكري المكثف باتجاه العديد من الجبهات والتلويح بعودة الهجمات “الحوثية” التي تستهدف المصالح الاقتصادية في المنطقة، في حين لا يبدو واضحا بعد ما إذا كانت تلك التهديدات جدّية أم أن الهدف منها ممارسة المزيد من الضغوط لتحقيق مكاسب سياسية.

خصوصا وأن مصادر عسكرية يمنية مطلعة، قالت إن “الحوثيين” يواصلون حشد قواتهم العسكرية باتجاه محافظات مأرب وتعز والضالع ولحج وشبوة، في مؤشر يعكس خارطة الهجمات التي تعتزم الجماعة شنّها، في الوقت الذي تسعى فيه لتحييد “التحالف العربي” والحيلولة دون تدخله، من خلال التهديد بمهاجمة المنشآت النفطية والاقتصادية لدول التحالف.

ضغوط “حوثية” من أجل مكاسب سياسية

حول ذلك أوضح المحلل السياسي اليمني، أحمد عايض في حديث مع موقع “الحل نت”، أن ميليشيات “الحوثي” عندما تعمل على أي تصعيد عسكري، فإن هذا يأتي نتيجة للضغوط التي تواجهها سواء من المجتمع الدولي، أو من الأطراف في الأروقة المغلقة، عند أي مفاوضات تجري، فعند شعورها بأي ضغوط تبدأ بالتصعيد العسكري وتوجيه الأنظار مرة أخرى عن المضي في أي عملية سياسية.

مهدي المشاط رئيس ما يسمى “المجلس السياسي الأعلى” لـ “الحوثيون”/ إنترنت + وكالات

كذلك تستخدم الجماعة الموالية لإيران، الملفات الإنسانية والاقتصادية وقضية الحصار وغيرها للتأثير على مجريات الأمور ومساعي السلام وتعطيلها. يؤكد عايض، ويشير إلى أن “الحوثيين” يرون أنه في تشتيت الأذهان والدخول في معارك جانبية، إلهاءٌ للوسطاء الدوليين والمحليين والابتعاد عن أي حلول تفضي لإيقاف الحرب.

الخبير في الشأن اليمني، لفت إلى أن هذا الأسلوب الذي تعتمده ميليشيات “الحوثي” يُعد إحدى المناورات التي تعتمد عليها طوال السنوات الماضية، بخاصة وأنها لم تصدق أبدا في الوفاء بأي عهد أو اتفاقية، لا مع الأحزاب أو القبائل أو المجتمع الدولي، فهي دائما تعتمد هذه الحيل لإعادة الأمور لمجراها الأول والدخول في مرحلة جديدة من المفاوضات للحصول على مكاسب جديدة.

من جهته، يرى المحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، أن الهدنة الأممية التي فُرضت في الأساس، كانت مطلب “حوثي” بامتياز، حيث أرادت الجماعة استغلالها للاستعداد وعدّ العدة لجولة أخيرة من القتال، وخوض حرب عسكرية طاحنة، بالتالي فعلى ما يبدو أنهم قد استكملوا استعداداتهم العسكرية حاليا، لذا بدأوا بالتصعيد.

الطاهر لفت إلى احتمالية أن تشهد المرحلة المقبلة تنفيذ عمليات عسكرية داخل العمق السعودي والإماراتي وداخل المياه الإقليمية اليمنية وفي عدة محافظات؛ الهدف منها الوصول إلى تنفيذ شروط “الحوثيين” بشكل كامل، وهو استسلام “التحالف العربي”، لتبدأ الجماعة بعد ذلك بإعادة الدولة الإسلامية الجديدة، أو ما تسمي بـ “دولة اليمن الإسلامية الجديدة” التي تتبع المذهب الشيعي، ليبدؤوا من ثم بالتمدد نحو السعودية.

إيران وعلاقتها بتصعيد “الحوثيون”

بحسب الطاهر، فإن إيران على علاقة وصلة مباشرة بهذا المخطط، بالرغم من أنها ستحاول القول بأنها تعمل على التأثير على جماعة “الحوثي” من أجل تحقيق السلام والأمن والأمان، لكنها واقعا ماضية وفق برنامج تصدير الثورة الإسلامية، حيث ستحاول إيران القول أمام المجتمع الدولي بأنها تعمل من أجل السلام في اليمن، لكنها عمليا تعكس نوايا خبيثة بالرغم من مصالحتها مع السعودية.

الحوثيون يهددون باستهداف الجرز اليمنية/ إنترنت + وكالات

حتى الآن، يطالب “الحوثيون” بالحصول على حصة من عائدات تصدير النفط والغاز، وأن تتسلم رواتب جميع الموظفين مدنيين وعسكريين في مناطق سيطرتها لتتحكم بصرفها وفق ما تريد، وهي مطالب رفضها “التحالف العربي” ورأى أنها مبالغ بها وغير قابلة للتنفيذ، مما عطل إحراز أي تقدم في الجهود التي بُذلت من الوسطاء الإقليميين والدوليين للتسوية في اليمن خلال الأشهر الماضية.

بناء على ذلك، كانت جماعة “الحوثي” قد نفذت هجمات استهدفت موانئ تصدير الخام اليمني في محافظتي حضرموت وشبوة شرقي البلاد في الربع الأخير من العام 2022، كما استطاعت منع تصدير النفط، والهدف من ذلك كان تحميل الحكومة اليمنية خسائر فادحة وفقدان إيرادات كبيرة مازالت مستمرة إلى الآن.

يشار إلى أن اليمن يعاني حربا بدأت عقب سيطرة “الحوثيين” على العاصمة صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014، بإسناد من قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي قتل في 2017 بمواجهات مع مسلحي “الحوثي” إثر انتهاء التحالف بينهما.

منذ ذلك الحين بدأ النزاع، وتصاعد منذ آذار/مارس 2015، في أعقاب تدخل “التحالف العربي” بقيادة السعودية، لإسناد قوات الحكومة الشرعية في مواجهة “الحوثي” المدعومة إيرانيا، لكن عودة العلاقات السعودية الإيرانية في أذار/مارس الماضي، منحت الأزمة اليمنية دفعة إيجابية بحيث انتعشت التوقعات بأن ينعكس ذلك إيجابا على قرب إنهاء الحرب الدائرة في البلاد، وهو ما يحاول “الحوثيون” تعطيله لمصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية بدوافع إيرانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات