في ظل توارد الأنباء التي تتحدث عن تقدّم في المحادثات بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، بشأن إقامة علاقات سلام مع إسرائيل من أجل زيادة الاستقرار في المنطقة، تكشف تصريحات تلفزيونية حديثة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن اقتراب وشيك لحدوث هذه الاتفاقية بين الرياض وتل أبيب.

بن سلمان، أكد في الوقت نفسه على مركزية القضية الفلسطينية وتسهيل حياة الفلسطينيين. واللافت في تصريحاته أنه أشار إلى أن المسؤولين السعوديين يبحثون عن مكاسب أو مزايا تقدمها لهم الولايات المتحدة قبل الشروع في إقامة هذه العلاقات مع تل أبيب.

يبدو واضحا من تصريح ولي العهد السعودي أن المملكة وإسرائيل على مقربة من إعلان إقامة علاقات سلام بينهما، وبالتالي لا بدّ من طرح بعض التساؤلات حول تداعيات ذلك على منطقة الشرق الأوسط ككل، وعلى نفوذ المحور الصيني الروسي الإيراني، وخاصة أن أحد شروط التفاوض السعودي الأميركي لإقامة علاقات سلام مع إسرائيل كان تخفيف الرياض لعلاقتها مع الصين، وبالتالي فإن ذلك يعني تحجيم وتوجيه ضربة موجعة للخطط  والأطماع الصينية والروسية والإيرانية في المنطقة.

علاقات سلام بين السعودية وإسرائيل

في مقابلة لولي العهد السعودي مع شبكة “فوكس نيوز” الأميركية، قال إن بلاده تقترب أكثر من “تطبيع” العلاقات مع إسرائيل، مضيفا “هناك دعم من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للوصول إلى تلك النقطة، وبالنسبة لنا فإن القضية الفلسطينية مهمة للغاية. نحتاج إلى أن نحلّ تلك الجزئية ولدينا مفاوضات متواصلة حتى الآن. وعلينا أن نرى إلى أين ستمضي، نأمل أن تصل إلى مكان تسهل فيه الحياة على الفلسطينيين وتدمج إسرائيل في الشرق الأوسط”.

ضمن سياق إذا ما كان مستعدا لإبرام اتفاق مع إسرائيل تحت حكومة بنيامين نتنياهو، قال ولي العهد السعودي “نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية”، وإذا نجحت إدارة بايدن في المفاوضات في شأن إقامة علاقات بين السعودية وإسرائيل، فذلك سيكون أهم اتفاق منذ نهاية الحرب الباردة، مشددا على أن أي اتفاق يجب أن يلبّي مطالب الفلسطينيين ويجعل المنطقة أكثر هدوءا.

ولي العهد السعودي أشار أيضا إلى أنه إذا حدثت انفراجة في المفاوضات الرامية للتطبيع مع إسرائيل فهو مستعد للعمل مع أي شخص يقودها، في إشارة واضحة أن الرياض تسعى إلى تأمين السلام والاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط ككل.

المحلل السياسي والمختص بالشؤون الإقليمية والاستراتيجية المستشار زيد الأيوبي، يقول في هذا الصدد، إن المملكة العربية السعودية ملتزمة بمبادرة السلام العربية التي تقضي بأنه لا “تطبيع” مع تل أبيب قبل حلّ القضية الفلسطينية وإقامة الفلسطينيين دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.

المختص بالشؤون الإقليمية والاستراتيجية، أكد في حديثه لموقع “الحل نت”، على أن القيادة السعودية قد أبلغت الإدارة الأميركية بشكل قاطع أنها تشترط للدخول في علاقات طبيعية مع إسرائيل، بشرط حلّ القضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية.

شروط وضمانات أمنية

المستشار زيد الأيوبي، يرى أنه بدون تحقيق شرط إقامة دولة فلسطينية لن يكون هناك “تطبيع” سعودي مع إسرائيل، وقد وصل هذا الموقف إلى القيادة الفلسطينية عبر القنوات الرسمية خلال الاجتماع الأخير لوفد فلسطيني رفيع المستوى ضم أمين سر اللجنة التنفيذية لـ”منظمة التحرير الفلسطينية،” حسين الشيخ، رئيس جهاز المخابرات العامة، وماجد فرج، ومجدي الخالدي المستشار الخاص للرئيس الفلسطيني محمود عباس.

أما تصريحات ولي العهد السعودي لشبكة “فوكس نيوز” حول القضية الفلسطينية والعلاقات مع تل أبيب تدل على تمسك السعودية بحل القضية الفلسطينية حلّا عادلا من وقف كامل للاستيطان وعدم المساس بالمقدسات الإسلامية، ولا سميا في المسجد الأقصى، وعلى الإسرائيليين أن يلتقطوا هذه الفرصة إذا كانوا يسعون فعلا لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وفق ما يحلّله الأيوبي.

كذلك، تشترط الرياض لإقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب توقيع معاهدة دفاع مشتركة مع واشنطن، والحصول على موافقة لإنشاء برنامج نووي مدني، وصفقات أسلحة متطورة والسماح ببيع أحدث التقنيات العسكرية الأميركية.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، قالت هذا الأسبوع، إن إدارة بايدن تنوي تعزيز التعاون الدفاعي مع السعودية من خلال عقد اتفاق دفاع مشترك شبيه بالاتفاقات التي أُبرمت مع اليابان وكوريا الجنوبية. بينما ذكرت “بلومبرغ نيوز” يوم أمس الخميس نقلا عن عدة مصادر مطلعة، أن “البيت الأبيض” يدرس إبرام اتفاقيتين دفاعيتين رسميتين مع السعودية وإسرائيل، في إطار خطته الرامية إلى إقامة العلاقات بين اثنين من أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.

بالتالي فمن المحتمل أن تُقدّم واشنطن للسعودية ضمانات أمنية إذا أبرمت الأخيرة اتفاقا مع إسرائيل، خاصة حين علّق ولي العهد السعودي، في مقابلته التلفزيونية حول ذلك، أن العلاقات بين الرياض وواشنطن ترجع بالزمن ثمانية عقود إلى الوراء وإن اتفاقا أمنيا محتملا بين البلدين من شأنه أن يعزز تعاونهما العسكري والاقتصادي، دون مزيد من التفاصيل.

التداعيات على الشرق الأوسط

هذه الجهود السياسية والدبلوماسية التي تؤكدها القيادة الجديدة والشابة بالسعودية وعلى قمتها محمد بن سلمان، حيث ذكر في وقتٍ سابق أن إسرائيل لا تُصنّف كعدو إنما حليف بحسب حوار لـ بن سلمان في مجلة “أتلانتيك ماغازين” الأميركية، وتصريحاته اليوم مع شبكة “فوكس نيوز” يعزز بل ويؤكد مقاربة مشتركة للانفتاح على إسرائيل وإيجاد قاعدة للتعاون المشترك، بهدف دفع المنطقة نحو الاستقرار والهدوء.

ليس بهدف استقرار المنطقة فحسب بل ولتعميم التعاون الاقتصادي والأمني والعسكري في ظل مخاطر الإرهاب المشتركة مثلا، وضرورة انحسار القوة المعادية بداية من ميليشيات إيران ومرورا بحركة “حماس” وباقي الأجنحة السُنية مرورا بالتهديدات في قارة آسيا من قبل حركة “طالبان” المتطرفة وتنامي نفوذ تنظيمي “داعش والقاعدة” الإرهابيين، وهناك ومحاولات إعادة تموضعها، هذا فضلا عن تنامي النفوذ الصيني المتحالفة مع روسيا في المنطقة.

الجانب الإسرائيلي بإقامة علاقات سلام مع أكبر دولة عربية وإسلامية في المنطقة، سوف تحقق انفتاحا كاملة على العالم العربي والإسلامي، كما أن هذا الاتفاق إن وقع بالفعل فإن ذلك سيخرج رئيس الحكومة الإسرائيلي، من ضغوطه الداخلية، فضلا عن أنه سيكون هناك انفتاح اقتصادي وربما اجتماعي لاحقا، خاصة بعد الإعلان عن مشروع “الممرات الخضراء” العابر للقارات والذي يهدف إلى التعاون في ربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، ضمن قمة “مجموعة العشرين” مؤخرا.

الأيوبي بدوره يشير إلى أن الإسرائيليين يجب أن يفهموا أن الأمير محمد بن سلمان، ليس لديه هدايا مجانية، وإذا كانوا يريدون حقا أن ينالوا قبولا في المنطقة، فلا يمكنهم القفز على القضية الفلسطينية، بل ذلك يحتّم عليهم الامتثال للمتطلبات السعودية في هذا الشأن، وإلا سيبقى حديثهم عن “التطبيع” مع الرياض مجرد وهمٍ وحُلم بعيد المنال.

يبدو أن المملكة لا تجد في تأجيل إقامة علاقات مع إسرائيل من جانب الإحراج السياسي، وإنما من جانب تسوية بعض الملفات مع الولايات المتحدة، ولا سيما في ملف اليمن والاتفاقيات الدفاعية. ويشير المراقبون هنا إلى أن السعودية تنظر إلى التطبيع وفق ما سيفضي إليه من خدمة لمصالحها، وستتعامل معه مثلما تعاملت مع مصالحها الإقليمية، أي تهيئة مناخ يفتح الباب أمام إنجاح المشاريع السعودية الكبرى التي تتنزل في إطار رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد، دون مبالغة في رد الفعل أو الدخول في علاقات مع الإسرائيليين.

إن إقامة علاقات سلام بين السعودية وإسرائيل، برعاية واشنطن، ستشكل ضربة قاضية للمشاريع والأطماع الصينية والتمدد الإيراني في المنطقة، خاصة وأن طهران تقوم منذ سنوات باستغلال القضية الفلسطينية عبر استخدام شعارات وطنية رنانة، كان آخرها تصريح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حيث حذّر من أن أي “تطبيع” مع إسرائيل يشكّل “طعنة في ظهر” الفلسطينيين، إلا أنه في الواقع يمثل ضربة لتمدد ميليشياته.

جاء هذا التحذير خلال مؤتمر صحفي عقده رئيسي، في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث وضّح رئيسي في معرض إجابته حول سؤال بشأن التقارب السعودي الإسرائيلي الراهن، “لم نسمع شيئا من هذا القبيل”. وأضاف “رغم ذلك، فإن بدء علاقة بين تل أبيب وأي دولة في المنطقة، إذا كان هدفه تحقيق الأمن للأولى، فهو حتما لن يحقق ذلك”، وفق تقارير صحفية.

إن إقامة علاقات سلام بين السعودية وإسرائيل، برعاية واشنطن، ستشكل ضربة قاضية للمشاريع والأطماع الصينية والتمدد الإيراني في المنطقة.

وسط عزم الرياض تقديم حزمة مساعدات كبيرة للفلسطينيين في الضفة الغربية، وبالنظر إلى أن واشنطن تريد من السعودية حلّ الملف اليمني، ووضع حدود أمام العلاقة السعودية الصينية المتنامية بما يشمل تقليص التعامل مع الشركات الصينية العملاقة مثل “هواوي”، فإن إقامة علاقات سلام بين المملكة وإسرائيل سوف يعزز الاستقرار والنمو الاقتصادي في المنطقة بشكل عام، كما أنه سيحدّ ويقلص من أطماع النفوذ الصيني والإيراني وحليفتهما روسيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات