في خضم المساعي الإقليمية والدولية المستمرة لإحداث انفراجة في الأزمة اليمنية وإحلال السلام المستدام في اليمن، تواصل ميليشيا “الحوثي” انتهاكاتها للهدنة الإنسانية ومساعيها المتواصلة لتقويض كل هذه الجهود الرامية إلى بسط الاستقرار والأمن في البلاد، والتي كان آخرها منع شركة الخطوط الجوية اليمنية من سحب أموالها من بنوك صنعاء، ما دفع الأخيرة إلى اتخاذ قرار بوقف رحلاتها، وهو ما اعتبره محللون خطوة متعمدة من قبل “الحوثيين” لاستخدامها أداة للابتزاز السياسي خلال المفاوضات مع السعودية.

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل استهدفت هذه المجموعة حفل عسكري بمناسبة ذكرى تأسيس الجمهورية اليمنية في منطقة علب، محافظة صعدة قبل يومين، ما أدى إلى مقتل جندي وإصابة آخرين، إضافة إلى الهجوم الذي شنّته ميليشيات “الحوثي” على قوة بحرينية ضمن تحالف دعم الشرعية في اليمن جنوب السعودية، قُتل منها ثلاثة وأصيب أكثر من عشرة، وكل ذلك جاء في فترة أقل من أيام قليلة بعد مغادرة وفد “الحوثيين” عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض للتفاوض على اتفاق الهدنة الدائمة.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول دوافع ودلالات تحركات “الحوثيين” في هذا التوقيت بالذات، وما إذا كان بإمكانهم تحقيق أي مكاسب في المفاوضات مع الجانب السعودي. كما أن تحركات هذه الجماعة الموالية لإيران، لابد أن للأخيرة علم بها، بل وقد أعطتها الضوء الأخضر للقيام بذلك. إذاً، ما هو الموقف الخليجي والدولي من تصرفات إيران وتداعيات ذلك على الملف اليمني.

الحوثيين وورقة الابتزاز السياسي

مع تقدم المفاوضات مع السعودية بهدف التوصل إلى حلٍّ للملف اليمني، منع “الحوثيون” شركة الخطوط الجوية اليمنية من سحب أموالها في بنوك صنعاء، ما اضطر الشركة إلى تعليق رحلاتها عبر مطار صنعاء الدولي مما يعني أن “الحوثيين” يحاولون استخدام ذلك كأداة للاستغلال السياسي خلال مفاوضاتها مع الرياض، حيث يريد الحوثيون بهذه الخطوة العدائية تحويل المشكلة إلى أزمة إنسانية لصالح موقفهم التفاوضي وجني مكاسب سياسية منه، وفق ما توضّحه صحيفة “العرب” اللندنية يوم أمس الأحد.

أربعة مسؤولين تنفيذيين بشركة الخطوط الجوية اليمنية، تحدثوا لـ”رويترز” شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، أن الشركة ستعلّق الرحلة التجارية الدولية الوحيدة من العاصمة اليمنية ووجهتها إلى الأردن ردّا على منع إدارة جماعة “الحوثي” الشركة من سحب أموالها في بنوك صنعاء.

الشركة من جانبها صرّحت عبر بيان مقتضب إنها لم تتمكن من سحب أموالها في بنوك صنعاء على مدى عدة أشهر داعية “الحوثيين” إلى رفع القيود المفروضة بشكل غير قانوني على أصولها. وأضاف مسؤولو الشركة وهي الناقل الوطني في البلاد، أنها ستوقف ستّ رحلات أسبوعية إلى الأردن في تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بعد فشل المفاوضات مع إدارة الشركة في صنعاء، من أجل الإفراج عن أموال الشركة التي تصل إلى 80 مليون دولار.

الباحث والمحلل السياسي الدكتور عبد السلام القصاص يرى أن جماعة “الحوثيين” غير جادين في المفاوضات منذ البداية، وتنتهج استراتيجية ضرب النقاط الحساسة، من أجل فرض نفسها كقوة فاعلة صاحبة الثقل والوزن في المفاوضات، وفرض شروطها، لتحقيق أكبر قدر من النفوذ في اليمن، وخاصة في منافذ الملاحة الدولية.

لا شك أن مسألة توقّف الرحلات الجوية من مطار صنعاء الدولي بفعل “الحوثيين”، وقبل ذلك الهجوم على القوة البحرينية والجيش اليمني، يوضح أن هذه الجماعة تستخدم كل ذلك كورقة ابتزاز في العديد من التفاهمات والمحادثات سواء مع السعودية، أو حتى مع أطراف دولية أخرى، وهذه سياسة ينتهجها “الحوثيون” باستمرار وليس بأمر جديد، وفق ما يضيف المحلل السياسي لموقع “الحل نت”.

بالتالي على الأطراف المتفاوضة معهم أن تفهم أن هذه المجموعة غير جادة في حواراتها، أو أن تتقبل مسألة تنفيذ كامل شروطها، وهي السيطرة على البلاد بأكملها، على حدّ تعبير المحلل السياسي.

أهداف التحركات “الحوثية”

الهجوم الذي  شنّته جماعة “الحوثيين” على الحدود السعودية مع اليمن مؤخرا، أثار العديد من التكهنات حول دلالاته ومعانيه، خاصة أن هذا الهجوم جاء بعد أيام من المفاوضات مع وفد الجماعة في الرياض، وكانت نتائج تلك المناقشات واعدة في اتجاه التوصل إلى هدنة مستدامة ومن ثم الانتقال إلى المفاوضات السياسية من أجل التوصل إلى حلّ نهائي للأزمة اليمنية المأزومة.

يُعد هذا الهجوم الذي تم بواسطة مسيّرات إيرانية، الأول من نوعه الذي يستهدف أراضي المملكة بعد الاتفاق الموقّع بين السعودية وإيران برعاية الصين في آذار/مارس الماضي، وبدء مباحثات لإيجاد مخرج للملف اليمني، وسط دعم السعودية الحكومة الشرعية في اليمن، وإيران لجماعة “الحوثيين”.

لاقى هذا الهجوم إدانات إقليمية ودولية، واعتبر العديد من المحللين هذا الهجوم رسالة إيرانية للخليج، وهي تعني أن طهران غير راضية عن المحادثات الجارية، وبالتالي يتحرك “الحوثيون” على عدة مسارات، من استهدافات إلى إثارة الفوضى الأمنية في البلاد، بهدف الضغط لتحقيق مكاسب تفاوضية أكبر أو إفشال المحادثات المقرر استئنافها قريبا.

فيما ذهب البعض إلى القول بأنه من الممكن أن يكون هناك انقسام بين الأجنحة السياسية والأجنحة الثورية لدى “الحوثيين”، ومنهم من هو منتفعٌ من زخم الحرب ويريد استمرارها.

هجمات “الحوثيين” تدل على طبيعة تلك الأجسام السياسية الميليشياوية التي تمانع التسويات السياسية والإقليمية البراغماتية، حيث إن إدارتها أو مقاربتها للواقع السياسي تكون ميدانية عبر السلاح والتصعيد، وبعبارة أخرى من خلال عسكرة الملفات السياسية التي تقوم بتعبئتها بينما تصرّ على أن تبقى مشحونة ومتوترة.

جثمان جنود القوة البحرينية الذين قضوا بهجوم “الحوثيين”- “الشرق الأوسط”

بالتالي الأمر بصدد جماعة مثلها مثل الجماعات الطائفية بسلاحها المتفلت الخارج عن أي شرعية قانونية. رغم ولائية هذه الجماعات المسلحة إلا أنها تتحرك أحيانا بصورة أو بناء على حدود ضيقة تتصل بمصالحها.

المحلل السياسي عبد السلام القصاص، يعتقد أن استهداف “الحوثيين” المتكرر للعديد من النقاط الحيوية، ومنها الأراضي الخليجية والملاحة الدولية، يشير إلى أن الجانب الإيراني لا يريد الخروج من هذه المفاوضات بمكاسب هشة، بل يريد فرض هيمنتها على أهم المضائق في الخليج؛ مضيقي “هرمز وباب المندب”، وذلك لفرض سيطرتها على المياه الخليجية العربية ومن ثم إغلاق جميع طرق نقل النفط والطاقة، الأمر الذي سيجعل منها طرف قوي في مفاوضاتها الدولية مع الجانب الغربي في الملفات الأخرى.

القصاص يرجّح بأن تكون جماعة “الحوثي” نفسها يسودها انشقاقات في الآراء، فمنهم يريد تمرير شروطه وفق مصالحه وجعل نفسه كسلطة شرعية يتم الاعتراف بها في البلاد، ومنهم من يمرر أجندات إيران التي تحاول السيطرة على كامل اليمن واستخدامه كأداة في المحافل الدولية، وهكذا تذهب المفاوضات لمستويات مسدودة مع تحركات عدائية غير مفهومة للجماعة.

لذلك فإن استمرار تصعيد هذه الجماعة الميليشياوية في هذا الوقت الحساس يدل ويُعتبر مؤشرا خطيرا يقوض كافة الجهود الرامية لإحلال السلام في اليمن والدخول في هدنة وحل سياسي مستدام. كما أنها تظهر عدم جدّيتها في أي مسار تفاوضي، وتتجه بأدواتها وأسلحتها دائما إلى الخيار العسكري لتحقيق أجنداتها البراغماتية.

مفاوضات مسدودة

في سياق ذلك سيبقى الجانب السعودي والدولي على موقفهم، ومن المؤكد أنهم لن يسمحوا لهذه الميليشيات وطهران باستغلال الملف اليمني من أجل تمرير مشاريعهم وأجنداتهم. وقد يتحركون لاتخاذ خطوات أكثر حسما من أجل التوصل إلى هدنة مستدامة، أي الحوار مع الجانب الذي يريد التوصل إلى اتفاق منطقي، وليس الطرف الذي يدعم أجندات طهران العدائية، وفق ما يحلله القصاص.

كما يشير القصاص إلى أنه من الممكن أن تقوم الرياض بالضغط على الجانب الإيراني من أجل التوصل إلى اتفاق ما بشأن اليمن، أو أن يؤدي هذا الأمر إلى تقويض الاتفاق الموقّع بينهما بواسطة بكين.

بالتالي ستبقى المنطقة مشحونة بالكثير من التوترات والتصعيدات، ولن تتوقف طهران وميليشياتها عن زعزعة أمن واستقرار المنطقة والملاحة الدولية.

المحلل السياسي، عبد السلام القصاص لموقع “الحل نت”

لذا، فإن هذا الأمر ربما يؤدي إلى قيام المملكة بإقامة شراكات وتحالفات إقليمية ودولية ولا سيما مع واشنطن من أجل حماية الملاحة البحرية وأمن المنطقة، ووضع الحوثيين في حرب “استنزاف”، طبقا للقصاص.

بحسب الصحيفة اللندنية، فقد أوضح محور تعز العسكري، في بيان صحفي أن” ميليشيا الحوثي جددت من تصعيدها العسكري خلال اليومين الماضيين في مختلف جبهات المحافظة”، مضيفة أن “مواجهات اندلعت بين الجيش وميليشيا الحوثي، الخميس والجمعة، في جبهتي الأقرض جنوب المحافظة، ومنطقة كمب الروس شمال شرق مدينة تعز إثر إحباط الجيش محاولتي تسلل للجماعة”.

البيان ذاته لفت إلى اندلاع اشتباكات متقطعة في جبهات غرب تعز بعد تصعيد مليشيا “الحوثي” أعمالها العدائية، واستهداف مواقع الجيش بالمدفعية الثقيلة والمتوسطة. واعتبر الجيش هذا التصعيد تحديا سافرا لجهود السلام التي تقودها “الأمم المتحدة” وأطراف دولية وإقليمية للتوصل إلى اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار في اليمن.

قائد محور علب اللواء ياسر مجلي خلال حضوره العرض العسكري الذي أقيم بمناسبة ذكرى 26 سبتمبر في صعدة- “الشرق الأوسط”

في العموم، الملف اليمني لا يمكن حلّه بهذه السهولة، خاصة أن إيران لن تتخلى عنه بأقل الخسائر. ولذلك فإما أن يتم القبول بشروط طهران المستحيلة في المفاوضات، وهو أمر مستبعد تماما، أو أن تبقى الأزمة اليمنية على ما هي عليها، وهو الخيار الأكثر واقعية حتى الآن. وفي الواقع، ليس من المستبعد أن يحدث تصعيد عسكري داخل اليمن خلال الفترة المقبلة، ما سيُغرق البلاد في أزمات أكبر ويزيد المشهد تعقيدا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات