بينما يعاني القطاع المصرفي اليمني من انتهاكات سيطرة “الحوثي” على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، التي أدت لأضرار جسيمة في البنية المصرفية اليمنية، يجري الحديث عن ضرورة نقل البنوك من مواقع سيطرة “الحوثيين” إلى المناطق المحررة، وذلك لإنقاذ ما تبقى من القطاع المصرفي الذي تدمّر خلال السنوات الماضية، الأمر الذي طرح تساؤلات حول إذا ما كانت خطوة ناجحة أم لا.

القطاع المصرفي اليمني، اضطر بسبب سياسات “الحوثيين”، للعمل في بيئة صعبة تتّسم بكثير من التحديات، أبرزها أزمة سيولة نقدية حادة، وضعف ثقة المودّعين في البنوك، بسبب تقييد سحب الودائع بالعملة المحلية والأجنبية من البنوك، هو ما تسبب بضرر واسع النطاق للقطاع المصرفي، بحسب تقرير لمبادرة “استعادة” التطوعية، المعنية برصد وتوثيق جرائم السلب والنهب التي يُقدم عليها “الحوثيون” للممتلكات العامة والخاصة، ومساندة ومساعدة المتضررين لاستعادة حقوقهم.

فعلى مدار السنوات الماضية، أثّر الانقلاب “الحوثي” على القطاع المصرفي، وتسببت تداعيات ذلك، بأزمة في السيولة النقدية، وتدهور الريال اليمني، وانقسام السياسة النقدية، فالـ “الحوثيون” عملوا على منع تداول أي إصدارات نقدية جديدة، واستهداف البنوك وإفلاسها، وعزلها خارجيا، مقابل فتح حسابات وهمية، فضلا عن نهب أرصدة العملاء، وذلك قبل أن يأتي مرسومُ منع التعاملات الربوية الذي قضى على ما تبقى من القطاع المصرفي.

القطاع المصرفي اليمني أمام تحدٍّ وجودي

البنوك اليمنية والقطاع المصرفي بشكل عام، بات أم تحدٍّ كبير ووجودي للعودة إلى تأدية مهامه الطبيعية كما كانت قبل الأزمة، ذلك بسبب ما أحدثته سياسات “الحوثي” من تصدعات كبيرة ودمار في النظام المصرفي، وفق تقرير المبادرة، الذي كشف كيف استغل “الحوثيون” المدعومون من قبل إيران الحرب لفرض سيطرتهم على القطاع المصرفي وتدميره.

البنك المركزي اليمني/ إنترنت + وكالات

الجماعة المدعومة إيرانيا، بينما كانت تعمل على السيطرة على القطاع المصرفي، عمدت إلى تدميره، واستبداله بمنشآت صرافة، وذلك لما يساعدها في حصولها على تمويلات من الخارج، والتحايل على إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكانت أولى خطوات ضرب القطاع المصرفي بمنع تداول العملة الوطنية، الأمر الذي فاقم من أزمة السيولة النقدية، إلى جانب إجبار البنوك على عدم التعامل مع “البنك المركزي” بعدن، أو التعميم على المنظمات الدولية بعدم التعامل مع عدد من البنوك، بذريعة ارتباطاتها بـ “البنك المركزي”.

غاية “الحوثي” من ذلك، كانت في أن يتم تحويل القطاع المصرفي إلى آلةٍ لغسيل الأموال ونهبها، وهو ما دفعها إلى إقرار قوانين غير دستورية لتجميد حسابات البنوك، قبل أن تعمل في خطوة يُتوقع أن تُفلس البنوك بسببها خلال الفترة المقبلة، وهي مصادرة فوائد الودائع والودائع نفسها، ومنع البنوك من تحصيل أي شكل من أشكال الفوائد على أغلب العمليات المصرفية.

الفكرة من ذلك، هو تمكين شركات الصرافة، لذلك قيدت البنوك بكثير من التعميمات المتناقضة، ناهيك من اقتحام المقرات والمداهمة واعتقال واختطاف قيادات العمل المصرفي، مقابل الدعم الكامل والمطلق للصيرفات؛ حيث فتحت لديها حسابات خاصة لتوريد مبيعات المشتقات النفطية والغاز المنزلي، وهي كتلة نقدية تفوق ما في خزائن البنوك، الأمر الذي أثّر على تدفق السلع والخدمات وفاقم الأزمة الإنسانية.

بناء على ذلك، أوصت المبادرة اليمنية “استعادة” في تقريرها المعزز بالأرقام والوثائق، “مجلس القيادة الرئاسي” والحكومة الشرعية، بتسهيل نقل مراكز البنوك إلى مناطق الشرعية، وتهيئة المناخ المناسب لها لتمارس أعمالها بعيدا عن ضغوط الميليشيات الحوثية، وهو ما اعتبره اقتصاديون خطوة في غاية الأهمية.

أهمية نقل البنوك اليمنية 

نقلُ البنوك من مناطق سيطرة “الحوثي” إلى المناطق المحررة، بحسب خبير الاقتصاد اليمني، عبد الحميد المساجدي، يُعدّ أحد خيارات النجاة بالنسبة للقطاع المصرفي اليمني الذي يعاني من تداعيات كبيرة جراء نفوذ “الحوثي”، حيث يواجه كغيره من القطاعات اليمنية الأخرى حربا ممنهجة يهدف من خلالها “الحوثي” إلى القضاء عليه وتدميره.

جمعية البنوك اليمنية تعلن عجزها دفع أموال المواطنين/ إنترنت + وكالات

المساجدي وفي حديث لموقع “الحل نت”، قال إن البنوك بمناطق “الحوثي” تواجه مخاطر الإفلاس بفعل السياسات “الحوثية” والتي توجتها الجماعة بما يسمى “قانون منع المعاملات الربوية” والذي يمنع البنوك من تحصيل أي فائدة على جميع العمليات المصرفية، وتحويل البنوك إلى مجرد صناديق لخزن النقود بدون مقابل، الأمر الذي يُفرغ البنوك من محتواها، ويجعل من نقلها ضرورة للحفاظ عليها والحفاظ على أموال المودّعين.

الخبير في الشأن الاقتصادي اليمني، لفت إلى أن القطاع المصرفي في اليمن، كان يجب أن يلقى اهتماما أكبر من قبل “الأمم المتحدة” التي كان من المفترض أن تعمل على الضغط من أجل تحييده عن الحرب، وتجنيبه الصراعات والتجاذبات السياسية، إذ إن التعامل السلبي مع القطاع المصرفي مثل العديد من الملفات الاقتصادية الهامة، تسبب في مضاعفة الكارثة الإنسانية، وبات يهدد بإفلاس قطاعات اقتصادية هامة.

المساجدي، أشار إلى أن جماعة “الحوثي” تستهدف القضاء على القطاع المصرفي، غير أن نقل مقرات البنوك اليمنية إلى العاصمة عدن، سيخلي الجو للجماعة المدعومة من قبل إيران، ما سيمكّنها أيضا من استبدالها بشركات مصرفية تابعة لها محل البنوك، مؤكدا أن الجماعة تدعم قطاع الصرافة لتسهيل عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

من الأضرار التي تسببت بها ممارسات وقرارات “الحوثيين” على القطاع المصري، فرض سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية بقيمة غير منطقية، لا تتناسب مع الحالة الاقتصادية، فالجماعة عملت بهذا القرار كحيلة للحصول على العملة الصعبة، من خلال نهب تحويلات المغتربين، وأموال المنظمات الإنسانية، ذلك لأن الجماعة أصبحت المشتري الوحيد لتلك الأموال عبر ما يسمى بـ “لجنة المدفوعات”، الغاية كانت حصول شركات تابعة لقياداتها على عملة أجنبية بسعر منخفض لا يتلاءم مع الارتفاع المطّرد في أسعار السلع في مناطق سيطرتها، وفق تقرير مبادرة.

توصيات اقتصادية عاجلة

لذا من الضروري تفعيل دور “اللجنة الاقتصادية في دعم البنوك”، ووضع السياسات النقدية المالية التي تسهّل عمل البنوك، وتفعّل دور أجهزة الحكومة المختلفة، إلى جانب تفعيل أداء “اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، ووحدة جمع المعلومات، وفرض تعليمات القانون رقم واحد لعام 2010 وملحقاته، ولائحته التنفيذية أساسا لاستعادة دور البنوك وفرض نصوص مواد القانون، بحسب التقرير.

“الحوثيون” يمكنون شركات الصرافة على حساب القطاع المصرفي اليمني/ إنترنت + وكالات

ذلك علاوة عن نقل المنظمات الدولية أرصدتها إلى البنوك العاملة في المناطق المحررة عبر “البنك المركزي” في عدن، والتقيد بالإجراءات المصرفية القانونية الصادرة عن البنك، حسبما طالبت المبادرة، وأشارت إلى وجود ضرورة هامة تتطلب العمل عليها بشكل سريع لإنقاذ القطاع الاقتصادي اليمني من سطوة “الحوثيين”.

إلى ذلك، تُعد المعركة الاقتصادية واحدة من أبشع المعارك التي تفرضها جماعة “الحوثي” لمصادرة ممتلكات اليمنيين ووضع يدها على لقمة عيش الناس في كل البلاد، حيث أسهمت إجراءات “الحوثيين” الاقتصادية إلى تقسيم البلاد عبر إيجاد انقسامات سعرية ومصرفية في اليمن.

نتيجة لذلك، كانت “جمعية البنوك اليمنية” وهي نقابة أهلية، قد أعلنت في حزيران/يونيو الماضي، عجزها عن دفع أموال المواطنين بسبب نقص السيولة في المصارف، وتحولها إلى أرصدة رقمية لدى “البنك المركزي” اليمني الخاضع لسيطرة ميليشيات “الحوثي”، وحذّرت في خطاب وجّهته لـ “مجلس القضاء” من تداعيات خطرة، ونتائج كارثية على القطاع المصرفي والاقتصادي بشكل عام، والذي يؤدي إلى توقّف البنوك عن العمل.

على هذا الأساس، فإنه من الضرورة العمل على إيجاد مخرجٍ لهذه الأزمة، سواء أكانت من خلال نقل البنوك إلى عدن، أو طريقة أخرى، المهم، بحسب مراقبين، أن يتم وضع حدٍّ لمكاسب “الحوثي” التي يجنيها من خلال حصاره للقطاع المصرفي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات