في الوقت الذي يكثف فيه المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي جهوده للتوصل إلى سلام شامل في اليمن الذي يعيش حالة حرب منذ أكثر من ثمانية أعوام، يبدو أن جماعة “الحوثيين” المدعومة إيرانيا تسعى إلى إيجاد بديلا غير تقليدي من خلال التخادم مع تنظيم “القاعدة” لعرقلة إمكانية التوصل لحل دائم، بعد أن اضطرها الوضع العام إلى إظهار نية وقف الحرب.

“الحوثيون” الذين لا يزالون يشنون هجمات عشوائية ضد القوات اليمنية الحكومية من هنا وهناك، انخرطوا مؤخرا في مفاوضات مع السعودية والمجتمع الدولي، أملا بالتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، وذلك ضمن سياسة خفض التصعيد الإيرانية التي تنتهجها حكومة الرئيس الإيرانية إبراهيم رئيسي وعبر عنها غير مرة، والتي انتجت عن المصالحة التاريخية مع السعودية، في آذار/مارس الماضي، بعد انقطاع علاقات البلدين منذ العام 2016.

فبعد المصالحة التي كان واحدا من أهم بنودها العمل بين الرياض وطهران الخصمين الذودين واللذين خاضا معارك طاحنة بالوكالة في اليمن، عبر “الحوثيين” و”التحالف العربي” بقيادة السعودية إلى جانب قوات القبائل وغيرها الذين تدعمهم؛ نزل “الحوثيون” إلى الرغبة الإقليمية والدولية ورغبة اليمنين الداعية إلى وقف الحرب، والتوجه إلى حل سياسي شامل يضمن حالة السلام في البلاد التي مزقت البنادق والمدافع كل شبر فيها.

إلا أنه ومع بروز العديد من المؤشرات على نية “الحوثيين” الحقيقة التي تؤكد بأنهم غير راغبين بشكل جدي في عملية السلام، نظرا إلى الشروط التعجيزية التي يضعونها أمام كل جولة مفاوضات ترنو إلى التوصل لاتفاق بين الجماعات والجهات المتقاتلة، يبرز عاملا جديدا إلى المشهد العام، حسب اتهامات قائد “ألوية العمالقة الجنوبية” وعضو “مجلس القيادة الرئاسي”، عبدالرحمن المحرمي، لميليشيا “الحوثي” بالتعاون مع تنظيم “القاعدة” وإيواء عناصرها وتزويدهم بطائرات مسيرة.

شكل التخادم بين “الحوثيين” و”القاعدة”

المحّرمي المعروف بـ “أبو زرعة”، أشار في تصريحات صحفية، إلى إن “ألوية العمالقة” والقوات اليمنية، تواجه الخطر والتعنت “الحوثي” كجسد واحد في الجنوب والشمال، لافتا في الوقت ذاته إلى أن، “الحوثيون” قد زودا تنظيم “القاعدة” الذي كثفوا مؤخرا التعاون معهم، بطائرات مسيرة لتقويض الأمن والاستقرار في المحافظات الجنوبية المحررة.

عبدالرحمن المحرمي قائد “ألوية العمالقة”/ إنترنت + وكالات

كما هو متعارف، إن سياسة الطائرات المسيرة ووصولها إلى أيد “الحوثيون” أثناء المعارك في اليمن خلال السنوات الماضية، كان واحدة من الاستراتيجيات الإيرانية التي نشرها “الحرس الثوري” في عدد من بلدان العالم، من خلال تزويد أذرعه وتدريبهم عليها، مثل “حزب الله” اللبناني، و”الحوثيين” والميليشيات العراقية، إلى جانب القوات الروسية مؤخرا التي باتت تستخدمها في غزوها لأوكرانيا.

بالتالي أن وصول هذه المسيرات إلى تنظيم “القاعدة” في اليمن حصرا، أثار تكهنات حول ما إذا كان ذلك يعكس رغبة طهران في استمرار الحرب بشكل يخلي مسؤوليتها، وبين كل ذلك، واتهامات الطرف الأول ونفي “الحوثيين”، تبقى الأسئلة الملحة في خضم مشهد ملتبس وشديد التعقيد ميدانيا وسياسيا ما مصلحة “الحوثي” أو إيران، بتزويد تنظيم “القاعدة” في اليمن بالمسيرات، ما تأثير ذلك على مسار السلام.

حول ذلك أوضح الخبير بالشأن اليمني محمد شجاع في حديث مع موقع “الحل نت”، أن وصول الطيران المسير بين أيدي “القاعدة” مسألة خطيرة؛ لأن المسيرات في اللحظة الراهنة تمثل سلاح استراتيجي، وحين تصل لأيدي الجماعات المتطرفة والتي لها علاقة بالإرهاب الداخلي والعابر للقارات، فإن هذا يشكل مأزقا لعملية السلام داخل المجتمعات.

شجاع يعتقد، أن الطائرات المسيرة قد تكون محدودة العدد والقدرات والاستخدام لدى تنظيم “القاعدة” إذا ما تمت مقارنتها مع ميليشيا “الحوثي”، لأسباب متعلقة بالمساحة الجغرافية والتحركات، إضافة للدعم اللوجستي من تحكم بالاتصالات ووجود حاضنة جغرافية وعلاقات خارجية عبر عدد من القنوات.

بمعنى أن “الحوثي” وفقا لحديث شجاع، أخطر بكثير في جانب الطيران المسيّر وكل الجوانب الأخرى؛ لأن “القاعدة” كتنظيم خفت وأُنهك من خلال تلقيه ضربات موجعة، فضلا عن عدم قدرته على بناء مشروع؛ لأنه انعكاس لمخابرات وجهات تمويلية وتحركه بحسب الحاجة.

الخبير بالشأن اليمي يضيف، أن الأمر الأهم بكل تأكيد هو أن إيران جابهت على المراوغة في كثير من المفاوضات، سواء كانت على مستوى الملف النووي وهو ملف كبير وشائك أو حتى ملفات صغيرة؛ فهي تستخدم دائما سياسة مطاطية، وهذه السياسة نقلتها عبر خبراء وتواصل عميق إلى جبهاتها المتقدمة في لبنان واليمن وربما في العراق، أي أن الجميع يكيل من نفس الكيل.

التفاف “حوثي” إيراني

هذا كله بحسب شجاع، يعد التفاف واضح على عملية السلام وعدم إيقاف الحرب إلا بشروط الجماعة التي يمكن تلخيصها بتسليم زمام البلد ومقدراته كافة بشكل كامل، وهذا التوجه تعززه سياسية المجتمع الدولي الرخوة، بالمقابل السعودية جادة في عملية السلام لكن ما يعيبها هو أنها فتحت المجال أمام مصالحة دون شروط واتفاقيات مزمنة.

اتهامات لـ”الحوثيون” بتزويد تنظيم “القاعدة” بطائرات مسيرة في اليمن/ إنترنت + وكالات

إلى ذلك، يبيّن شجاع، أن توجس الجماعات الدينية من محيطها يجعلها دائما محل خوف، أما بالنسبة للمصالح البينية قد لا تكون متكاملة لكن الحاجة أحيانا تمنح هذه الجماعات مساحة من التقارب والتخادم، خاصة في بلد كاليمن شمالا وجنوبا، وهناك نماذج واضحة تكشف هذا التخادم، لكن الغريب أن ميليشيا “الحوثي” تدعي في العلن أنها تحارب “القاعدة” و”داعش” وهذا غير صحيح. 

بالنسبة لمصالح “الحوثي” كثيرة وهو بأشد الحاجة لأي طرف يقف معه أيا كان، فهو جنّد الأطفال والنساء لاستقطاب بعض الشخصيات والقيام ببعض العمليات وتعزيز الجبهات، وهناك مؤشرات خطيرة ومسار حوثي إيراني مع “القاعدة”، لا يمكن توقعه، كما يوضح شجاع.

هذا المسار، وفقا لحديث شجاع، يشكل قوة متطرفة على حساب النخب السياسية ومستقبل اليمن برمته، وصوت العقل والعملية الديمقراطية والتعليم واحترام الآخر، بما فيهم المرأة والطفل، “بمعنى أننا أمام قوى رجعية متخلفة”.

في نهاية حديثه، يقول الخبير بالشأن اليمني، إن هناك قنوات اتخذت لإطالة امد الحرب، أهمها تقسيم الملف اليمني كملف متكامل غير قابل للتجزئة، حيث حولت ميليشيا “الحوثي” بتواطؤ واضح حصار تعز إلى ملف والرواتب ملف والأسرى والمعتقلين ملف وتصدير النفط والغاز ملف، حتى خزان صافر العائم في البحر الأحمر جعلت منه ملف ابتزاز دولي ومحلي وإقليمي، وهذا مسار خطير كان يجب ألا يكون، لكن لأن الشرعية اليمنية ضعيفة والتخادم “الحوثي” مع القوى الكبرى التي تتحكم بالقرار هو من سمح بذلك وتجلى هذا بوضوح عندما تم إيقاف معركة الحديدة في 2018 والدفع بالأطراف إلى اتفاقيات السويد المشؤومة.

هكذا يبدو أيضا، أن حصول واستخدام “القاعدة” للطائرات المسيرة في المرحلة الحالية، ما هو إلا مسار “حوثي” قد خطط ورتب له إيرانيا، نظرا لامتلاك طهران تأثيرا وعلاقات واسعة بتنظيم “القاعدة”، خصوصا وأنها لا تزال تحتضن أكبر وأهم قادة التنظيم والذي من بينهم من يعتقد أنه أمير التنظيم، المعروف بسيف العدل، الغاية من هذا كله، تعزيز العملية التفاوضية بملف حساس آخر يمكن أن تحقيق من خلاله مكاسب كبيرة، بخاصة وأن “القاعدة” تمثل تهديدا عابرا.

الحديث عن التخادم والتعاون بين “الحوثيين” والتنظيمات الإرهابية مثل تنظيم “القاعدة”، ليس وليد اللحظة، فسبق وكانت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وإن سلمت “مجلس الأمن” الدولي تقريرا يثبت تعاون “الحوثيين” مع تنظيمات مثل “داعش” و”القاعدة” في اليمن.

تاريخ من التعاون بين “الحوثيين” و”القاعدة”

التقرير وقتها كشف مدى التعاون بين جماعة “الحوثي” و”القاعدة”، حيث أفرج “الحوثيين” عن 252 سجينا من عناصر “القاعدة” وعن مخططي الهجوم على السفينة “يو إس إس كول”، كما فند عمليات “الحوثيين” المزعومة ضد تنظيم “القاعدة”، مشيرا إلى أنها عمليات صورية.

تنظيم “القاعدة” في اليمن يهاجم القوات الحكومية بطائرات مسيرة/ إنترنت + وكالات

مثلا على ذلك التعاون، عمد تنظيم “القاعدة” على إخلاء عدة مناطق لصالح “الحوثيين”، حيث تم تسليمها لهم للالتفاف على الجيش اليمني، وذلك بينما قاتلت عناصر من “داعش” في صفوف جماعة “الحوثي”، وهو ما أكده أسر الجيش اليمني لعدة عناصر من “القاعدة” كانوا يقاتلون إلى في صفوف “الحوثي”.

فالتقرير الذي قدمته الحكومة اليمنية لـ “مجلس الأمن” الدولي، كان قد تضمن وثائق ودلائل صورية تعكس متانة العلاقة بين “الحوثيين” والمنظمات الإرهابية والتي بلغت حد التنسيق المشترك في العمليات، حيث تبادلت تلك المنظمات الإرهابية الأدوار المهددة لأمن واستقرار ووحدة اليمن ومحيطها الإقليمي وخطوط الملاحة الدولية.

يشار إلى أن، جماعة “الحوثي” كانت قد أطاحت بالحكومة المعترف بها دوليا من السلطة في صنعاء التي اتخذوا منها عاصمة لحكومتهم غير المعترف بها دوليا أواخر عام 2014، وذلك بينما يسيطرون على معظم شمال اليمن.

هذا ويشهد اليمن منذ أكثر من ثمانية سنوات حربا دامية أودت بحياة 377 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر منذ اندلاعها في أيلول/سبتمبر 2014، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق “الأمم المتحدة”.

ما يزيد من تعقيدات الوضع الإنساني في اليمن تدخل إيران ودعمها لجماعة “الحوثي” التي تستمر إلى اليوم في تنفيذ انتهاكات بحق المدنيين والأبرياء، كإخضاع كثير منهم للتجنيد والقتال في صفهم ضد القوات الحكومية أو سجنهم وتعذيبهم وإعاقة عمل منظمات الإغاثة وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين.

الجدير بالذكر، أن تنظيم “القاعدة” قد نشأ في شبه الجزيرة العربية خلال اجتماع لمقاتلين جهاديين في كانون الثاني/يناير 2009 في منطقة جبلية وعرة في أبين جنوبا، وكان عبارة عن زواج اضطراري بين فرعي القاعدة في اليمن والسعودية اللذين كانا يتعرضان في حينها لحملات عسكرية أميركية وإقليمية ومحلية ضارية.

لكن التنظيم لم يبلغ ذروته إلا في 2014 عندما بدأ باجتياح البلدات ثم سيطر على مدينة المكلا جنوب اليمن في 2015 لمدة عام كامل، بينما كان منافسه الرئيسي، تنظيم الدولة الإسلامية، يتمدد هو الآخر في العراق وسوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات