اليمن هو بؤرة للصراع والتدخل في المنطقة، حيث تخوض ميليشيا “الحوثي” المدعومة من إيران حربا ضد الحكومة الشرعية و”التحالف العربي” بقيادة السعودية. وتعتمد الميليشيا على شحنات الأسلحة والذخائر والصواريخ التي تصلها من إيران عبر طرق مختلفة، لتواصل هجماتها على المدن والقوات الحكومية والمواقع الحدودية والنفطية في السعودية. لكن هذه الشحنات قد تواجه عائقا جديدا، يمكن أن يغير مجرى الحرب في اليمن.

فبحسب مصادر مطلعة داخل “فيلق القدس” الإيراني تحدثت لـ”الحل نت”، فإن سلطنة عُمان، التي تشكل جارة لليمن من الشرق، قد اتخذت خطوات حاسمة لوقف تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الميليشيا، بعد أن كانت تسمح بذلك في الماضي. وذلك بسبب تغير في موقف عُمان من الأزمة اليمنية، وخشية من تصعيد الصراع في المنطقة. وقد أدت هذه الخطوات إلى تعطيل عدة عمليات تهريب، وإلى إثارة غضب وصدام داخل الميليشيا.

يبدو أن عُمان أصبحت عاملا مؤثرا في معادلة الحرب في اليمن، وقراراتها أثّرت على مصادر تمويل وتسليح الميليشيا، لكن التساؤلات تحوم حول كيف سيكون رد إيران وجماعة “الحوثي” على هذه التطورات، وكيف ستؤثر هذه التطورات على مستقبل السلام في اليمن.

ميليشيا “الحوثي” في أزمة غير مسبوقة

في عالم مليء بالتحديات والصراعات يشهد تطورات مثيرة تعكس توجهات جديدة؛ ففي مشهدٍ يبدو كأنه خطوة جريئة في ساحة السياسة الإقليمية، ينشغل العالم بتفاصيل تحولات ملحمية تحدث على أرض اليمن وتترك تداعياتها الواضحة ترتجف على الساحة الدولية. “الحوثيون”، هذه الميليشيا الجدلية التي باتت محور اهتمام العديد من الجهات، تثير الكثير من التساؤلات حول دورها وتأثيرها، ولكن لماذا توقف تدفق الأسلحة الإيرانية إليها.

لم يعد هناك شك في أن ميليشيا “الحوثي” تشهد أزمة غير مسبوقة، فقد انقلبت معادلات القوى وانكشفت أوراق التحالفات السرية والاعتمادات المشبوهة. وفي الوقت الذي تعاني فيه هذه الميليشيا من تباين داخلي وتأزم سياسي، تتجه الأنظار عن الدور الذي تلعبه إيران في تلك المعركة المحتدمة، التي كافحت بالفعل لتقديم الدعم العسكري اللازم لهذه الميليشيا.

بحسب تسريبات حصرية حصل عليها “الحل نت” من مصدر داخل “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، فإن جماعة “الحوثي” تشهد منذ نهاية حزيران/يونيو الفائت، فشلا في شراء وتهريب السلاح والعتاد العسكري من إيران إلى اليمن دون معرفة السبب الرئيسي وراء ذلك.

ميليشيا “الحوثي” بعد كشف طرق وصول الأسلحة إليها عقب خروج الشحنات قواعد “الحرس الثوري” في إيران، ثم سيرها عبر الطريق التي كشفها “الحل نت” سابقا، ومصادرة هذه الشحنات ومقتل بعض المهربين، تعيش في حالة فوضى واقتتال داخلي يتسم بتقاذف الاتهامات بالعمالة والتخوين.

طبقا لما نقله مصدر “الحل نت” في “فيلق القدس”، فإن لوم قيادة “الحوثي” وقع مباشرة على محمد أحمد الطالبي، المكنى بـ”أبو جعفر الطالبي” الذي يُعد مشرف عمليات تهريب الأسلحة من إيران، وينتحل رتبة لواء ويشغل موقع مدير مشتريات وزارة الدفاع “الحوثية”، ويعتبر تابعا للمدعو صالح مسفر الشاعر، مساعد رئيس أركان المليشيا للشؤون اللوجستية.

مصدر شحنات الأسلحة الإيرانية 

في تحقيق سابق، انفرد “الحل نت” في الكشف عن عودة أكبر شخصيات “الحرس الثوري” الإيراني والمسؤول عن ملف السياسيات اليمنية، عبد الرضا شهلائي، الذي ادعت إيران وفاته سابقا، فيما كشفت المعلومات أنه على قيد الحياة، ويشرف على توريد الأسلحة للجماعة اليمنية بوتيرة متزايدة، بالتنسيق مع القيادي في “الحرس الثوري”، حسن معاذي، المعروف محليا باسم محسن عزيزي، والذي يُشرف على وصول الأسلحة الإيرانية المهربة إلى اليمن.

رغم هدوء الجبهات نتيجة الاتفاق السعودي الإيراني الذي أُعلن عنه برعاية صينية في 10 آذار/مارس الفائت، إلا أنه لم يحد من تدفق الأسلحة إلى “الحوثيين”، التي تصلها من أطراف خارجية، ما حوّل اليمن إلى سوق سوداء للأسلحة المهرّبة، ويفضح نيّات الجماعة المدعومة من إيران.

بحسب ما حصل عليه “الحل نت”، فإنه يتم إرسال أسلحة متطورة لـ “الحوثيين” في اليمن عن طريق شبكة معقدة من الأشخاص. وتشمل هذه الأسلحة طائرات بدون طيار وصواريخ “كروز”، وتتم عملية النقل عبر قوارب تنطلق من الموانئ الإيرانية ثم تتوجه إلى مناطق “الحوثيين” في اليمن.

مسار ضخ الإمدادات العسكرية إلى “الحوثيين” ينطلق من مينائي جاسك وبندر عباس جنوب غربي إيران، ثم تنطلق القوارب باتجاه ولاية شناص الواقعة على السواحل العُمانية، ثم تنطلق القوافل عبر طرق معقدة إلى مناطق “الحوثي” في شمال اليمن.

في تموز/يوليو 2020، أصدرت منظمة “أبحاث تسليح النزاعات”، وهي منظمة مستقلة تحقّق في الاتجار غير المشروع بالأسلحة التقليدية، تقريرا عن مصدر الأسلحة التي تستخدمها ميليشيا “الحوثي”. وحدد التقرير أسلحة إيرانية الصنع تم تهريبها إلى اليمن عبر عُمان، وشمل ذلك طائرات بدون طيار متقدمة وبنادق قنص وذخيرة أخرى.

ورطة بعد وقف تهريب الأسلحة من إيران

مؤخرا وبحسب مصدر “الحل نت” في الحكومة الإيرانية، فإن وفدا من “الحوثيين” زار طهران وبشكل مفاجئ، وبحسب التسريبات فقد سعى الوفد للحصول على دعم متنوع أبرزه شحنات أسلحة متنوعة، بعد تلقيهم ضربات موجعة على أكثر من جبهة يستخدمونها لتهريب السلاح.

طلبُ وفد “الحوثي” جاء بعد سلسلة من الإخفاقات التي حصلت مع الطالبي في تهريب الأسلحة، ورفع الحكومة الأميركية دعوى لمصادرة مئات الآلاف من الذخائر والأسلحة التي أرسلها “الحرس الثوري” الإيراني إلى اليمن، واعترضتها قواتها البحرية، في طريقها إلى اليمن. إذ خلال عام 2023 فقط، اعترضت الولايات المتحدة وحلفاؤها ما لا يقل عن اثنتي عشرة شحنة من الأسلحة قادمة من إيران باتجاه اليمن.

وزارة العدل الأميركية، قالت في بيان، إنها قدَّمت أمام المحكمة الجزئية لمنطقة كولومبيا شكوى لمصادرة أكثر من تسعة آلاف بندقية، ومائتين وأربعة وثمانين رشاشا، ومائة وأربع وتسعين قاذفة صواريخ، وأكثر من سبعين صاروخا موجها مضادا للدبابات، وأكثر من 700 ألف طلقة ذخيرة.

في 15 من كانون الثاني/يناير الماضي، استولى الأسطول الخامس للبحرية الأميركية، بالتعاون مع القوات الخاصة الفرنسية، على سفينة تحمل آلاف قطع الأسلحة ونصف مليون قطعة ذخيرة تابعة للنظام الإيراني، في بحر عُمان، كانت قد تم إرسالها إلى مليشيات “الحوثي”. 

أيضا في حزيران/يونيو تم ضبط شحنة طائرات مسيّرة وأجهزة اتصالات عسكرية في لحج كانت في طريقها إلى “الحوثيين” ورجحت المصادر أنها كانت قادمة من إيران. 

سلطنة عُمان تضع الخطوط الحمر

تهريب السلاح عبر سلطنة عُمان إلى محافظة المهرة اليمنية يُعتبر أحد المسارات البرية الرئيسية، ورغم شكاوى التحالف الذي تقوده السعودية والحكومة اليمنية للسلطات العُمانية، إلا أن تحقيقا سابقا لـ”الحل نت” تسائل حول سماح مسقط بذلك، أو تجاهلهم لعمليات التهريب، حيث لم يرد المسؤولون العُمانيون أيضا على طلب للتعليق على هذه الادعاءات.

لكن طبقا لمصادر “الحل نت” في الحكومة الإيرانية و”فيلق القدس”، فإن عُمان بدأت تتوجه نحو منع تهريب شحنات الأسلحة إلى ميليشيا “الحوثي” من إيران، حيث اتخذت السلطات العُمانية قرارا بوضع خط أحمر على وصول المساعدات الإيرانية العسكرية لميليشيا الحوثي.

مسقط أرادت بذلك إرسال رسالة واضحة لـ”الحوثي” وإيران بأن عمليات تهريب الأسلحة لن تمرّ عبر الشواطئ والأراضي العُمانية، من خلال مصادرة بعض الشحنات واعتقال المهربين مؤخرا وضربها.

انتهاك السيادة العُمانية يتم من خلال تجنيد مهربين في الداخل واستباحة أراضي السلطنة؛ لنقل السلاح والذخيرة والمخدرات عبر شبكات تدين بالولاء لطهران وشخصيات قبلية على الحدود تم تجنيدها، كذلك لتكون حلقة وصل وضامن لهذه العمليات التي بدأت منذ سنوات.

قلب الطاولة على “الحوثيين”

الصحفي اليمني، محمد الجرادي، أوضح لـ”الحل نت”، أنه عندما تطل السلطنة العُمانية في هذا السياق بموقف مفاجئ، حيث يتجسّد دورها كعنصر رئيسي في هذه المعادلة المعقدة. وحين تتحدث مصادر داخل الحكومة الإيرانية و”فيلق القدس” عن فشل محاولات تهريب الأسلحة إلى “الحوثيين”، يبدو أن لهذه القصة جوانب متعددة تفسر مجموعة من الأحداث المتتابعة.

تهريب الأسلحة اليمن
تهريب الأسلحة الإيرانية إلى اليمن

بحسب الجرادي، فإن هناك عدة أسباب تفسر قرار سلطنة عمان بوضع حد لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، وأبرزها حفاظ سلطنة عمان على حيادها السياسي والدبلوماسي في الصراع اليمني، ورغبتها في التوسط بين الأطراف المتنازعة لإيجاد حلّ سلمي وشامل.

أيضا مخاوف سلطنة عُمان من تأثير الحرب في اليمن على أمنها واستقرارها، خصوصا مع انتشار التنظيمات المتطرفة مثل “القاعدة” و”داعش” في بعض المناطق اليمنية، والتهديدات التي تشكلها هذه التنظيمات على حدودها المشتركة مع اليمن. فضلا عن احترام مسقط لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتزامها بالحظر المفروض على نقل الأسلحة إلى اليمن.

طبقا لحديث الجرادي، فإنه لا يمكن التكهن بانهيار ميليشيا “الحوثي” بعد القرار العُماني، لأن ميليشيا “الحوثي” تستفيد من عوامل أخرى غير توريد الأسلحة من إيران. فـ”الحوثيون” يستخدمون أسلحة مصادرة من قوات الجيش والأمن السابقة، وكذلك يستولون على أسلحة من خصومهم في المعارك، ولديهم موارد من القراصنة في البحر الأحمر ومضيق “باب المندب”. إلا أن قرار السلطنة بمنع تهريب الأسلحة إلى “الحوثيين” مؤثرٌ إلى حد ما.

هذه الخطوة تساهم بإنهاء الحرب في اليمن بطرق مختلفة بتحليل الجرادي، من خلال تقليل قدرة “الحوثيين” على شنّ هجمات على أهداف عسكرية ومدنية داخل اليمن وخارجه، خصوصا باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة والقوارب المفخخة. كذلك زيادة ضغط المجتمع الدولي على إيران لوقف دعمها لـ”لحوثيين”، والالتزام بالقرارات الأممية المتعلقة بالأزمة اليمنية.

التوقف المفاجئ لشحنات الأسلحة الإيرانية إلى اليمن يبدو أنه أثّر بشكل واضح على الأوضاع داخل الميليشيا. ومع فشل عمليات التهريب المتكررة، باتت الأمور تأخذ منعطفا جديدا. هذا التوقف يُظهر تحولا في الدور الإقليمي للسلطنة العُمانية، حيث تبدو واضحة التصريحات والإجراءات التي اتخذتها لوقف تلك الممارسات غير القانونية.

إن توجه عُمان نحو منع تهريب الأسلحة يشكل تصعيدا ملموسا في الأوضاع الإقليمية. وإذا ما تمكنت عُمان من وضع حد لتدفق الأسلحة الإيرانية إلى “الحوثيين”، فإن ذلك سيكون له تأثير كبير على ديناميات النزاع ومساره. وسينعكس هذا التحول بلا شك على توازنات القوى وتطورات الصراع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات