بينما تعيد الولايات المتحدة الأميركية النظر بسياساتها في منطقة الشرق الأوسط، والخليج العربي منها على وجه التحديد، يبدو أن إعادة النظر بالعلاقات مع دول المنطقة الفاعلة يشمل ذلك أيضا، لاسيما في ظل الحديث عن عدم قناعة الدول الخليجية بطريقة التعاطي الأميركي مع ملفاتها الشائكة؛ ففي خضم تحركات عسكرية تضمنت إعادة نشر آلاف الجنود الأميركيين في المنطقة، تبرز مساعي واشنطن بتنظيم العلاقة مع المملكة البحرينية بما ينسم مع تطلعات الجانبين.

على هذا الأساس، توجه ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، الخميس الماضي، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، للقاء عدد كبير من المسؤولين في الإدارة الأميركية، وانتهت الزيارة بعقد اتفاق استراتيجي بين البلدين، شمل الجوانب الأمنية والاقتصادية، وكذلك توسعة التعاون الدفاعي والاستخباراتي بين الجانبين.

الاتفاقية التي وقعت خلال اجتماع في وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن جمع بلينكن بولي عهد البحرين ورئيس وزرائها، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة؛ تهدف إلى تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة والبحرين التي تستضيف الأسطول الخامس الأميركي، المسؤول بشكل أساسي عن الشرق الأوسط، والتي تصنفها واشنطن كحليف رئيسي من خارج حلف “شمال الأطلسي” (الناتو)، في مجالات تشمل الدفاع والأمن والتكنولوجيا والتجارة.

اتفاق لردع التهديدات

إذ من شأن هذا الاتفاق الذي قال عنه بلينكن “سيعزز التنسيق بين قواتنا المسلحة وتكامل قدراتنا الاستخباراتية، ما يسمح لنا بالردع والرد على التهديدات بشكل أفضل عند ظهورها”، أن يمثل “ترقية” لعلاقات البحرين والولايات المتحدة الدفاعية، بحيث يمكن أن يصبح نموذجا لالتزامات واشنطن تجاه حلفاء آخرين في الشرق الأوسط.

فالولايات المتحدة الأميركية تسعى من خلال اتفاقها مع المنامة لتقديم نموذج فعال وعالي المستوى، بحيث يمكن استخدامه كما يقول بلبنكن، كإطار للدول الإضافية التي ترغب في الانضمام إلينا في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتعاون الاقتصادي والابتكار التكنولوجي، خصوصا وأن الجديد في الاتفاقية يعني ترقية للالتزام الأمني الأميركي تجاه البحرين، على كافة المستويات، باستثناء أنه لا يوفر ضمانات المادة 5 الخاصة بحلف “الناتو” والتي تشير إلى أن أي هجوم على عضو في الحلف هو هجوم على كل أعضائه.

لكن عوضا عن ذلك، يضمن الاتفاق الذي يهدف لردع التهديدات، إنه في حالة وقوع هجوم على البحرين، فإن الولايات المتحدة ملتزمة بالتشاور الفوري مع حليفتها ومناقشة سبل الرد، في حين يتضمن الاتفاق الذي لا يتطلب موافقة الكونغرس، بنودا من شأنها أن تسمح لدول أخرى في الشرق الأوسط بالانضمام، بحسب مسؤول أميركي كبير في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

كما في ذلك الاتفاق مزايا للمنطقة لا البحرين لوحدها، حيث يتعلق الاتفاق بالردع وتحديد الظروف من أجل منطقة أكثر استقرارا للمضي قدما، كما أكد المسؤول الأميركي، وقال البيت الأبيض إن الاتفاق سيساعد في إضفاء الطابع الرسمي على الخطوات التي كانت القيادة المركزية الأميركية تتخذها لدمج أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي في المنطقة وزيادة “الوعي بالمجال البحري”.

إذن، إن تعزيز العلاقات الأميركية البحرينية، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة تحركات أميركية عسكرية تتعلق بالقطاعات البحرية الكبيرة التي وصلت منطقة الشرق الأوسط وتحديدا مياه الخليج العربي، وما يمكن أن يتبع ذلك من تحركات إضافية، يمثل بحسب الباحث في الشأن السياسي مصطفى النعيمي، تندرج كلها في إطار تأمين خطوط الملاحة البحرية في مياه الخليج العربي وصولا إلى بحر العرب ومنها إلى البحر الأحمر.

البحرين والولايات المتحدة نحو تعزيز المنطقة

النعيمي أوضح في حديث لموقع “الحل نت”، أن هذه التحركات والتوجهات الأميركية أدت إلى الحد من انتشار قوات “الحرس الثوري” الإيراني في مياه الخليج، بالتالي أن ذلك يمثل موقف قوة بالنسبة للبحرين، علاوة عن ما حمله من مجموعة رسائل ردع تأتي في سياق أعلى مستويات الردع.

اجتماع الوفدين البحريني والأميركي في الخارجية الأميركية/ (رويترز)

الباحث في الشأن السياسي، أشار إلى أن هذ الجيوش التي قدمت إلى المنطقة تكلف في الولايات المتحدة مليارات الدولارات، لذلك لا يمكن تحريكها بشكل اعتباطي، بمعنى أن تحريكها بهذا الشكل يتعدى حدود رسائل الردع إلى رسائل الاستخدام، مبينا أنه للاتفاقيات التي عقدت مع دول المنطقة والصين كان لها دورا أيضا في تحفيز هذا التحرك الأميركي الذي يندرج تحته تعزيز العلاقات مع البحرين.

بالتالي، يرى النعيمي، أن تموضع الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الخليج تحديدا، فهو يمثل رسائل ردع لكل من يحاول الدخول للمنطقة من خلال عقد اتفاقيات جديدة مع المملكة العربية السعودية أو الإمارات وصولا إلى عمان، فهذه المنطقة تعد منطقة نفوذ أميركي، لا يسمح لأحد بتجاوز هذه الخطوط الحمراء التي رمستها واشنطن لحماية مصادر الطاقة.

لذلك أن الولايات المتحدة ومن خلال تحركاتها السياسية والعسكرية، تسعى جاهدة لإجهاض أي محاولات للمحور الصيني الروسي الإيراني للتوغل في المنطقة، فمع ما انجزته تلك القوى، إلا أن واشنطن نجحت بنفس التوقيت في استدارتها بمنع ظهور أي قطب عالمي جديد، في حين تمكنت بنفس التوقيت من تحيد المنطقة العربية عن أي تجاذبات جانبية، بحسب النعيمي.

ذلك يأتي بينما كانت وزارة الدفاع الأميركية قد أعلنت الشهر الماضي، نشر قوات إضافية في الشرق الأوسط منها الآلاف من عناصر مشاة البحرية “المارينز”، ردا على المحاولات الإيرانية الأخيرة للاستيلاء على سفن شحن تجارية، وذلك بينما كانت قد أكدت بإنها سترسل طائرات مقاتلة من طراز “إف 16″ و”إف 35” إلى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مدمرة بحرية.

إذ أعلن الأسطول الخامس الأمريكي، في 7 آب/أغسطس الماضي، وصول أكثر من ثلاثة آلاف بحار أمريكي إلى الشرق الأوسط في إطار خطة لتعزيز الوجود العسكري في المنطقة و”ردع إيران عن احتجاز السفن وناقلات النفط”، وهو ما فسره مراقبون آنذاك محاولة أميركية لإعادة تعزيز ثقة حلفائها في المنطقة، بخاصة في ظل تحركات صينية روسية تسعى لحجز موطئ قدم لها في الشرق الأوسط.

أميركا تؤكد التزاماتها

من هذا المنطلق، تسعى الولايات المتحدة الأميركية تأطير علاقاتها مع البحرين بشكل أكثر موثوقية وأمني، بخاصة وأن البحرين تستضيف بشكل أساسي الاسطول الخامس الأميركي، فبناء على ذلك، انطلق الحوار الاستراتيجي مع المنامة في كانون الأول/ديسمبر 2020، بهدف تعزيز مجالات التعاون ذات الأولوية الشاملة لتعزيز الازدهار من خلال التجارة والاستثمار، وتعزيز الأمن المتبادل.

الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تأمين الخليج العربي/ إنترنت + وكالات

بعد ذلك في تموز/يوليو الماضي، عقد في العاصمة الأمريكية واشنطن الحوار الاستراتيجي الثالث بين البحرين والولايات المتحدة، برئاسة وزير الخارجية البحريني، ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، وقال وزير الخارجية الأمريكي في تصريحات له آنذاك، إن مملكة البحرين “حليف وشريك قديم للولايات المتحدة الأمريكية”، وأكد بلينكن أن انعقاد الحوار الاستراتيجي “دليل على أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومملكة البحرين، والرغبة في تعميق وتوسيع التعاون في مجموعة كاملة من المجالات”.

الهدف من كل ذلك، يتمحور حول رغبة الولايات المتحدة بتأكيد أنها ملتزمة بأمن المنطقة والخليج العربي والملاحة التجارية الحرة في المضائق التي تواجه تهديدات إيرانية، فعندما قاطعت القوات الإيرانية مسار ناقلتي نفط على علاقة بشركات أميركية سرعان ما اتخذ وزير الدفاع الأميركي قرارا بإرسال المزيد من القوات إلى المنطقة.

في حين تطالب الدول العربية الأميركيين، طبقا لتقارير صحافية، أن يبحثوا جديا في إعادة العديد من القوات إلى مستويات أعلى من 40 ألف بكثير، وأن يعيدوا بطاريات باتريوت إلى المنطقة، ويحشدوا المزيد من القوات البحرية، وأن يطرحوا جديا إقامة منظومة عسكرية متكاملة عربية أميركية قادرة على حماية كل المرافق الحيوية واقتصادات الدول في المنطقة، وذلك بعد أن كانت الولايات المتحدة الأميركية منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما قد خفضت تواجدها بالمنطقة.

وفقا لذلك، فإن الولايات المتحدة الأميركية عازمة وبشكل جدي على إعادة تأكيد حضورها في منطقة الشرق الأوسط، والخليج العربي تحديدا، في ضوء الاهتمام الروسي والصيني بمد نفذهما، حيث تسعى واشنطن لوضع حد لمثل هذه التحركات، والتأكيد على أن مناطق نفوذها لا يمكن المساس بها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات