بعد مباحثات طويلة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بشأن السجناء الأميركيين المحتجزين في إيران، تم التوصل أخيرا إلى اتفاق، تُفرج بموجبه واشنطن عن 6 مليارات دولار كانت خاضعة للعقوبات، مقابل إطلاق طهران سراح 5 أميركيين كانوا محتجزين لديها.

نحو ذلك، وفي سياق إذا ما كانت إيران ستستفاد من هذه الاتفاقية، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن بلاده لن تخفف العقوبات على إيران بموجب هذا اتفاق، وأوضح بلينكن للصحافيين “ستُستخدم الأموال الإيرانية وتُحوّل إلى حسابات مقيدة بحيث لا يمكن استعمال الأموال إلا لأغراض إنسانية”.

إلا أن بعض الخبراء يقولون إن إيران ستحاول الالتفاف كالمعتاد والاستفادة من هذه الأموال لأغراض أخرى وليست إنسانية فقط، وبالتالي تُثار تساؤلات حول تداعيات هذا الاتفاق على أنشطة إيران، وكيفية الاستفادة من هذا المبلغ ضمن مشاريعها التوسعية العدائية في المنطقة.

كما عارض بعض النشطاء الإيرانيين هذا الاتفاق وقالوا، إنه لا يوجد ضمان بعدم احتجاز أميركيين آخرين كرهائن في إيران، لذا يمكن لطهران ابتزاز واشنطن بالرهائن الأميركيين في اتفاقيات أخرى، الأمر الذي يثير تساؤلات حول وقوع اتفاقيات أخرى وبمطالب إيرانية جديدة قد تستفيد منها في تحركاتها.

استفادة إيران “محدودة” جدا

نحو ذلك، قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، إن الولايات المتحدة حصلت على تأكيد أن إيران أخرجت خمسة محتجزين أميركيين من السجن إلا أنهم لا يزالون قيد الإقامة الجبرية، وأضاف أن المحادثات جارية للإفراج النهائي عنهم.

إيران تستغل ورقة السجناء الأجانب في مفاوضاتها مع الغرب-“إنترنت”

في إطار ذلك، يرى “البيت الأبيض” اليوم أن نقل إيران خمسة أميركيين من السجن إلى الإقامة الجبرية أمرٌ مشجع، لكنه كرر المطالبة بإطلاق سراحهم. وصرحت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي أدريان واتسون، “في حين أن هذه خطوة مشجعة، إلا أن هؤلاء المواطنين الأميركيين ما كان ينبغي إطلاقا اعتقالهم في المقام الأول”، مضيفة “بالطبع، لن يهدأ لنا بال حتى يعودوا جميعا إلى الوطن”.

الولايات المتحدة أكدت أنها على اتصال بأُسر المساجين الأميركيين الخمسة الذين نقلتهم إيران من السجن إلى الإقامة الجبرية في خطوة أولى نحو الإفراج عنهم، وأشار وزير الخارجية الأميركي “أعتقد أن هذه بداية نهاية كابوسهم، والكابوس الذي عاشته عائلاتهم”، وقال إنه ليس على علم بأميركيين آخرين محتجزين في إيران.

في هذا الصدد، يرى الكاتب الصحفي والمهتم بالشأن الإيراني، كريم شفيق وفق حديثه مع موقع “الحل نت”، أن استفادة إيران من هذه الأموال ستكون محدودة جدا. ومن المستبعد أن تستخدم في دعم ميليشياتها، من “حزب الله” اللبناني إلى “الحرس الثوري الإيراني” و”الحوثيين” في اليمن وغيرهم، أو حتى تمويل برنامجها النووي، بالنظر إلى أن طهران أنفقت وتحتاج إلى المليارات لدعم مشاريعها العدائية بالمنطقة، ومبلغ 6 مليارات دولار يُعتبر ضئيلا جدا مقابل ذلك، فضلا عن أن الإفراج عن هذه الأموال ستكون تحت رقابة صارمة جدا.

لكن قد تستفيد طهران من هذه الأموال قليلا وبالطبع ليس بهذا التصور الكبير، في اقتصاد بلدها المتهالك بالفعل على عدة أصعدة، حيث تتفشى معدلات الفقر والبطالة يوما بعد يوم، أو محاولة لإيجاد مخرج من الأزمات الاقتصادية في بلدها بعد تشديد العقوبات الدولية عليها مؤخرا، ويعتقد شفيق أن الولايات المتحدة تدرك جيدا ما تفعله، وهي تعلم أن هذه الخطوة لن تسمح لإيران بالتوسع أكثر في المنطقة أو تغذي أيّا من مشاريعها العدائية.

هذا وأبلغ مصدرٌ وكالة “رويترز” يوم أمس الخميس، بأن طهران ستسمح لأميركيين نقلوا من سجن “إيفين” سيئ السمعة إلى الإقامة الجبرية بمغادرة إيران بعد رفع التجميد عن ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية، مضيفا أن عددا من الإيرانيين المسجونين سيُطلق سراحهم بموجب الاتفاق بين طهران وواشنطن. ولفت المصدر ذاته الذي اطلع على الاتفاق إلى أن “طرفا الاتفاق يناقشون قضايا فنية بسيطة متعلقة بنقل الأموال إلى إيران”.

أدوات الضغط والابتزاز

المحامي جاريد جينسر، الذي يمثل سياماك نمازي، قال إن الأميركيين الإيرانيين هم رجلا الأعمال نمازي “51 سنة” وعماد شرقي “58 سنة”، إضافة إلى داعية حماية البيئة مراد طهباز “67 سنة” الذي يحمل أيضا الجنسية البريطانية، ولم تُعلن بعد هوية البقية، وفق ما نقله موقع “إندبندنت عربية“.

جميع الأميركيين المحتجزين من أصول إيرانية ولا تعترف طهران بازدواجية الجنسية وعلاقتها متوترة مع الولايات المتحدة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، التي أطاحت بنظام الشاه الموالي للغرب.

أوقف نمازي، وهو رجل أعمال، في تشرين الأول/أكتوبر 2015 واتهم بالتجسس بناء على ما تسميه عائلته أدلة مثيرة للسخرية مثل ارتباطاته السابقة بمراكز أبحاث أميركية.

كما اعتقل والده، المسؤول السابق في “يونيسف” باقر نمازي، أثناء ذهابه لمساعدة ابنه، لكن تم إطلاق سراحه العام الماضي إثر تدهور صحته. أما طهباز، فهو أميركي من أصل إيراني ويحمل أيضا الجنسية البريطانية، وأوقف إلى جانب نشطاء بيئيين آخرين في كانون الثاني/يناير 2018 وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة “التآمر مع الولايات المتحدة”. أما شرقي هو مستثمر، وحكم عليه أيضا بالسجن لمدة 10 سنوات بتهم تجسس.

بالعودة إلى المتخصص بالشأن الإيراني، فإنه يقول إن طهران لطالما كانت تعمد إلى استخدام قضية سجناء مزدوجي الجنسية باعتبارها ورقة ابتزاز للتفاوض والضغط بهدف الحصول على مكاسب سياسية، وخاصة في مفاوضات الاتفاق النووي مع الغرب.

كما أنه من غير المستبعد أن يكون هناك محتجزين أجانب آخرين في سجون “الحرس الثوري” الإيراني، خاصة وأن هناك العديد من الشخصيات تعرضوا للاعتقال بعضهم معروف والبعض الآخر مجهول، وفي العموم تتكتّم إيران على ظروف وملابسات احتجاز مزدوجي الجنسية، وكذا نشاطها العدائي بحق مواطنيها من حاملي الجنسيات الغربية، ولا شك أنها توظف هذه القضية لمصالحها السياسية والبراغماتية مع القوى الغربية؛ حيث تُعد هذه من إحدى أدوات الضغط للمساومة والتفاوض، وقد اعتادت إيران على عمليات الابتزاز هذه، منذ أول حادثة احتجاز للرهائن الأميركيين، في أعقاب الثورة عام 1979، على حد تعبيره.

تم القبض على سياماك نمازي الأمبركي-الإيراني في إيران عام 2015 وحكم عليه لاحقاً بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة التجسس-“بي بي سي”

الناشطة الإيرانية، مسيح علي نجاد قالت في هذا الإطار، إنه ليس هناك ما يضمن عدم احتجاز أميركيين آخرين كرهائن في إيران، وفق قناة “إيران انترناشيونال“. وتتراوح أعداد المحتجزين لدى سلطات طهران، بحسب تقارير حقوقية بين 35 إلى 50 شخصا.

لطالما طالبت منظمات حقوقية كـ”هيومن رايتس ووتش” السلطات الإيرانية بالتوقف عن استخدام الاعتقال التعسفي وسوء معاملة الرعايا الأجانب كجزء من سياستها الخارجية، واحترام حقوق الإنسان الأساسية.

اتفاقيات أخرى

اتفاق السجناء مع إيران قد يفتح الباب أمام اتفاقيات جديدة بين طهران والغرب، ولكن من دون شك ستسعى الأولى في وضع شروط ومطالب براغماتية تمكّنها من أخذ متنفّس من الوضع الذي هي فيه، ومن بين الاتفاقيات المتداولة حاليا هو برنامج طهران النووي، وسط أنباء عن اتفاق غير رسمي بين البلدين لتخفيض التصعيد بينهما بعد وصوله لنقاط حرجة مع دعم إيران العسكري لروسيا في غزوها على أوكرانيا، بالإضافة إلى تحركات ميليشيات إيران في الخليج العربي والمزعزعة لأمن حركة الملاحة فيه.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية قالت في مقال لها حول أبعاد الاتفاقية وإمكانية أن تؤدي إلى المزيد من التعاون الدبلوماسي بين الطرفين بما يحقق هدف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في احتواء البرنامج النووي الإيراني. ونقلت الصحيفة الأميركية عن هنري روما، من “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، قوله إن “صفقة الأسرى هي خطوة رئيسية في جهود واشنطن وطهران لخفض التوتر مع تطلعهما للعودة إلى المفاوضات النووية الرسمية في وقت لاحق من هذا العام”.

إلا أن المختص بالشأن الإيراني، له رأي آخر، وهو إن فكرة توقيع الاتفاق النووي لم تعد مرهونة بملف بعينه من الملفات العالقة بين واشنطن وطهران، وهي ملفات أصبحت كثيرة ومعقدة ومتداخلة منها العقوبات ووجود “الحرس الثوري” الإيراني، على لائحة الإرهاب الدولي، فضلا عن الدور المتنامي بين طهران وروسيا في الحرب الأوكرانية، لاسيما فيما يخص”المسيّرات الإيرانية”.

إلى جانب القضايا الحقوقية ومنها ملف السجناء من مزدوجي الجنسية. وفيما يبدو أن إيران ما زالت تمارس سياسة كسب الوقت التي اعتادت عليها لتحقيق بعض المكاسب المؤقتة في مقابل التنازل عن بعض الملفات أو القضايا كما يحدث مثلا مع ملف السجناء الأميركيين الآن، وقبلها السماح لمفتشي “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بزيارة المواقع النووية وإعادة تشغيل كاميرات المراقبة، وذلك في غضون التهدئة الإقليمية التي حصلت مع المملكة العربية السعودية، على حدّ تقدير الكاتب الصحفي.

هذا وحاولت إيران الاستيلاء على سفن تجارية في مضيق “هرمز” وخليج عُمان في الأسابيع الأخيرة، ما أدى إلى نشر آلاف البحارة ومشاة البحرية الأميركيين هذا الشهر لدعم جهود الردع في المنطقة.

في العموم، لا يمكن رفع سقف التوقعات بشأن الدبلوماسية المستقبلية واستفادة إيران من هذه الاتفاقية على أي جانب، فهي قد لا تكون علامة على أي انفتاح دبلوماسي أكبر. خاصة وأن مشاريع إيران العدائية في المنطقة لا يمكن أن تُنهيها طهران بهذه السهولة، وهي مستعدة طوال الوقت لأن تراوغ وتعقد صفقات عندما تريد إحداث ثغرة وإن كانت صغيرة في اقتصادها المتداعي، لكن عداءها بالمنطقة وللغرب يبدو أنها استراتيجية متجذرة فيها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات