أقل من شهر على مرور عام كامل على توقف المحادثات المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني، وذلك بعد عرقلة طهران للجهود الدبلوماسية والدولية التي تهدف إلى الاستمرار في الاتفاق، حيث سعى الجانب الإيراني للحصول على أكبر مكاسب ممكنة بما يمكّنه من تمرير مشاريعه التوسعية في منطقة الشرق الأوسط.

الجانب الغربي بقي في مسار مسك العصا من المنتصف، حيث تشير تصريحات المسؤولين الغربيين بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، إلى أن الحل الأمثل للملف النووي سيكون عبر الطرق الدبلوماسية، ما يطرح التساؤلات حول أقرب السيناريوهات المحتملة في حال إصرار إيران على الاستمرار بالمشروع النووي ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم.

رغم التوقف لأشهر عن المفاوضات، الجانب الغربي ترك الباب مفتوحا، وذلك رغم وجود طرف إقليمي يرغب بالتصعيد العسكري وهو الجانب الإسرائيلي، لكن بالتأكيد الإعلان النهائي عن فشل المفاوضات مع طهران، سيرجّح سيناريوهات الحرب بمختلف أشكالها، ولن يكون الخيار العسكري ربما مستبعدا في الفترة القادمة.

إبقاء المسار التفاوضي

في مؤشر على الرغبة الغربية في إبقاء المسار الأوروبي لحل الملف النووي الإيراني، قال مسؤول أوروبي إنه لا يتوقع أن تكون هناك صعوبة في إقناع دول الاتحاد الأوروبي بالإبقاء على العقوبات المتعلقة بالصواريخ الباليستية المفروضة على إيران والتي من المقرر أن ينتهي أجلُها في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

المسؤول الذي نقل تصريحاته موقع “العربية نت” بشرط عدم ذكر اسمه، أضاف أنه ” فرصة سانحة بحلول نهاية عام 2023 لمحاولة التفاوض على اتفاق نووي مع إيران لخفض التصعيد”، لافتا إلى وجود فرصة لمحاولة استئناف المفاوضات حول العودة إلى اتفاق “خطة العمل الشاملة المشتركة” أو على الأقل التوصل إلى اتفاق لخفض التصعيد قبل نهاية العام.

“خطة العمل الشاملة المشتركة” تشير إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015، بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا من جهة أخرى، وذلك بهدف تقييد برنامج طهران النووي وزيادة صعوبة حصولها على المادة الانشطارية اللازمة لصنع قنبلة نووية في مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.

توقف المفاوضات في الربع الأخير من العام الماضي، جاء بعد تعمّد إيران عرقلة المفاوضات، إضافة إلى محاولات إخفاء المعلومات النووية عن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، إضافة لاستمرار عمليات تخصيب اليورانيوم، الأمر الذي أفضى في النهاية إلى تعليق المفاوضات نتيجة عدم تحقيق أي نتائج إيجابية.

الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، رأى أن الولايات المتحدة الأميركية تركت الباب مفتوحا أمام الطرق الدبلوماسية من أجل العودة في أي وقت للمفاوضات، مشيرا إلى أن فشل هذه الطرق، ستؤدي بطبيعة الحال إلى الحرب العسكرية أو الحرب السيبرانية لإيقاف برنامج إيران النووي خلال الفترة القادمة.

النعيمي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “أميركا ما زالت متمسكة بآلية سناب باك، تهدد بها في حال عدم التزام طهران، وما نشاهده من فشل بعض مسارت المباحثات، عائدٌ إلى أن إيران لم تلتزم بالشروط الدنيا لتلك الاتفاقية، وبالتالي من المحتمل أن يُعاد مسار المباحثات الأوروبية بشأن الملف النووي لكن ضمن شروط مختلفة لتجاوز العثرات السابقة التي تنصلت منها طهران”.

سيناريوهات متوقعة

المباحثات المحتملة ستُلقى بظلالها إيجابا في حال نفّذت إيران لشروط الاتحاد الأوروبي، وستساهم كذلك في تعزيز الأمن المحلي والإقليمي والدولي، وتكبح كذلك جماح طهران في مشاريعها العدوانية في العالم لو امتلكت المواد الاولية اللازمة لتصنيع القنبلة النووية، لكن تبقى بحاجة إلى وسائل التخزين ووسائط الإطلاق والتي لم تمتلكها حتى اللحظة.

برأي النعيمي، فإن تجنيب إيران الحرب المحتملة والصدام المباشر مع القوى الدولية، يتوجب إلتزامها بمخرجات المسارات ووقف البرنامج النووي، حيث أن عدم الالتزام سيؤدي كذلك إلى مسار الحرب السيبرانية والكلاسيكية وربما الحرب السيبرانية لن تتوقف مع طهران مع زيادة منسوب التهديدات.

حول ذلك أضاف النعيمي،  “في حال استمرار طهران بمشروعها في إنتاج أجهزة الطرد المركزي ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم، أعتقد أنه لدى الولايات المتحدة وحلفائها بنك من الأهداف يمكن أن تدمر بمجرد قرب حصول طهران على القدرة النووية، لكن الغرب يحاول أن يمسك العصا من المنتصف من خلال سياسة الاحتواء لبرنامج طهران النووي”

فالولايات المتحدة وإسرائيل تراقبان عن بُعد، النشاط النووي الإيراني بينما المسار التفاوضي مع الاتحاد الأوروبي ما زال مفتوحا، وذلك لعدم إحراج المنظومة الدولية في حال وجهت ضربات للمفاعلات بناء على تقييم الواقع الميداني لقدرة المفاعلات النووية، والجانب الإسرائيلي أعلنها سابقا بأنه سيعمل منفردا في حال وجود أي تهديد إيراني لأمنها المحلي والإقليمي والدولي.

أما عن احتمالية عرقلة المفاوضات من قبل الجانب الإيراني، أوضح النعيمي أن “الخيارات تندرج ضمن رؤية للولايات المتحدة، وإعلان فشل تلك المفاوضات سيتطلب جهدا غربيا موازيا للجهد الأميركي لما يخص الانتقال الى الخطوة القادمة التي ستبدأ بتوسيع نطاق الحرب السيبرانية بالتوازي مع العمليات الإسرائيلية التي ستساهم بشكل كبير في تعطيل الكثير من النشاطات النووية لا سيما فيما يخص تبريد المفاعلات النووية وقطع التيار الكهربائي”.

قد يهمك: المقداد ووزير الاقتصاد إلى إيران..تأثير الاتفاقيات الثنائية على الاقتصاد السوري؟

عمليا هذا يعني استنزاف القدرات الإيرانية لما يخص مشروع التقدم بأي خطوة في البرنامج النووي، وستنتقل لحماية المكتسبات السابقة، وهنا أردف النعيمي قائلا “بالتالي أعتقد أن النشاط الاستخباراتي في داخل الجغرافية الإيرانية سيزداد تدريجيا، وستعلن إسرائيل في مقدمة تلك الدول عن عملياتها في الجغرافية الإيرانية، التي ستبدأ بالتحقيق مع قيادات في الحرس الثوري والخبراء في البرنامج النووي ومن ثم الانتقال إلى قتل من لا تستطيع التحقيق معهم”.

إيران واللعب على الوقت

الحكومة الإسرائيلية ترى أن إيران تسعى من خلال استئناف المفاوضات، إلى اللعب على عامل الوقت، وذلك بما يسمح لها الاقتراب أكثر من صنع القنبلة النووية وتشكيل أكبر تهديد ممكن على إسرائيل وعموم الشرق الأوسط، لذلك فإن تل أبيب ترى أن المواجهة العسكرية أو التهديد بها هي اللغة التي تفهم بها الحكومة الإيرانية.

إسرائيل ترى أن التفاوض والاتفاقات تم تجريبها خلال عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، وقد استغلته ايران لتعزيز قدراتها العسكرية وهيمنتها في المنطقة، بل وتوسعت قدراتها وباتت أقرب وأكثر تأثيراً على حدودها، ولهذا ترفض التفاوض، وتسعى جاهدة لأخذ الإدارة الأميركية نحو توجيه ضربة عسكرية لإيران تعيد برنامجها لعشرات السنوات للوراء.

الولايات المتحدة الأميركية من جانبها ما يزال لديها أمل في التخفيف من وطأة الملف النووي الإيراني عبر القنوات الدبلوماسية، وقد كشف موقع “والا” الإسرائيلي قبل أسابيع، عن اتفاق نووي جديد، حيث أبلغت واشنطن تل أبيب، أنها تدرس دفع “اتفاق جزئي” مع إيران يستند على تجميد أجزاء من برنامجها النووي مقابل تخفيف بعض العقوبات.

الاتفاق يشمل تجميد تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 بالمئة، مقابل تخفيف العقوبات على إيران، مثل فك حظر 7 مليارات دولار مجمدة بحسابات بنكية في كوريا الجنوبية، وقال مسؤول إسرائيلي ودبلوماسي غربي للموقع، إن الأميركيين نقلوا العرض إلى الإيرانيين عبر وسطاء، لكن طهران رفضت في هذه المرحلة العرض وأوضحت أنها معنية بالعودة الكاملة للاتفاق النووي لعام 2015.

إيران صعّدت خلال الفترة الماضية من انتهاكاتها في البرنامج النووي الخاص بها، إذ إن توقف المفاوضات منح النظام الإيراني متّسعا وافرا من الوقت، حتى أشارت بعض التقارير إلى أن إيران وصلت بنسبة التخصيب إلى نحو 84 بالمئة من اليورانيوم، ما يعني اقترابها أكثر من الحصول على قنبلة نووية.  

بالنظر إلى آخر التطورات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، فيبدو أن خيار العودة للطرق الدبلوماسية هو الخيار الأفضل بالنسبة لجميع الأطراف، فإصرار إيران على وضع العراقيل أمام طرق التفاوض، سيعني حشد المزيد من الأطراف الدولية ضدها خلال الفترة القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات