في زيارة خاصة، رأى البعض إنها تعكس مدى جدّية المملكة العربية السعودية في التوصل لوقف دائم للحرب التي اندلعت منذ أكثر من ثمانية أعوام في اليمن؛ وصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى العاصمة العمانية مسقط، للقاء السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، وبيد أنه لم يتم الإعلان عن الملفات التي حملتها الزيارة، إلا أن تزامن إعلان “مجلس الأمن” الدولي، دعمه الجهود السعودية وعمان نحو تحقيق السلام باليمن لم يترك مجالا للشك بأهداف اللقاء.

“مجلس الأمن” أعلن بالتزامن مع وصول بن سلمان إلى مسقط، دعمه للسعودية وسلطنة عمان في سبيل تحقيق تقدم سريع وملموس في المناقشات الجارية بشأن السلام في اليمن، وأكد في بيانه عقب جلسة عقدها بشأن اليمن، “دعم السعودية وسلطنة عمان المتواصل لجهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة”.

فتحقيق تقدّم ملموس في المناقشات الجارية المستمرة منذ أكثر من عام بشأن إرساء عملية سلام في اليمن، تحت رعاية “الأمم المتحدة”، بات أمرا ضروريا، حيث قال أعضاء المجلس إنه من المهم تحقيق تقدم سريع وملموس في المناقشات الجارية بشأن السلام في البلاد، معربين عن دعمهم الكامل لعملية السلام، وعلى أساس المرجعيات المتفق عليها.

الهدوء والأوضاع الإنسانية على رأس المطالب الأممية

دعوة المجلس، شددت ضمنيا على ضرورة الحفاظ على الهدوء السائد بموجب سريان بنود الهدنة الأممية رغم انتهائها قبل نحو عام، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المحتاجين، وتأمين سلامة العاملين في المجال الإنساني.

خلال ذلك، كان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ قد ذكر في إحاطته خلال الجلسة، بضرورة أن تحرز الأطراف تقدما بشأن الاتفاق على مسار واضح لاستئناف العملية السياسية اليمنية الداخلية تحت رعاية “الأمم المتحدة”، مضيفا أنه يجب أن تبدأ هذه العملية بشكل عاجل من أجل تعزيز المكاسب التي تحققت منذ الهدنة ومنع المزيد من التشرذم.

وسط ذلك، تتكثف منذ شهور مساعٍ إقليمية ودولية لتحقيق حلّ سياسي شامل للأزمة في اليمن، شملت زيارات لوفود سعودية وعمانية لصنعاء، إضافة إلى تحركات أممية ودولية متعددة للدفع بعملية السلام، وزيارة لأمين عام “مجلس التعاون الخليجي” إلى عدن.

أخر تلك التحركات، كانت جولة المبعوث الأميركي الخاص باليمن تيم ليندركينغ، إلى الخليج، حيث وصل منتصف الشهر الماضي، إلى السعودية، لبحث مساعي السلام ولدفع الجهود الحالية التي تقودها “الأمم المتحدة” لتمديد الهدنة التي انتهت فعليا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد رفض “الحوثيين” تجديدها ما لم تتحقق مطالبهم.

فالـ “حوثيون” يضعون شروطا، ترى أطراف “التحالف العربي” بقيادة السعودية، إلى جانب الحكومة اليمنية، أنها مبالغٌ فيها ولا يمكن تحقيقها، حيث يطالب “الحوثيون” بالحصول على حصة من عائدات تصدير النفط والغاز، وأن تتسلم رواتب جميع الموظفين مدنيين وعسكريين في مناطق سيطرتها لتتحكم بصرفها وفق ما يريدون.

جدّية سعودية ومخادعة “حوثية” في الأزمة اليمنية

في هذا السياق، يقول الخبير في الشأن اليمني، محمد الشجاع، في حديث مع موقع “الحل نت”، إن السعودية لديها بالتأكيد رغبة جامحة في إنهاء الحرب باليمن وحل الأزمة على الأقل منذ أن أوقفت عملياتها العسكرية المتمثلة في كافة ضربات الطيران، لكن السؤال الأهم هو كيف سيكون شكل السلام وما هي الآلية المتّبعة خاصة في ظل تصعيد حوثي داخلي وخطاب خارجي قائم على التهديد والوعيد.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يجري زيارة خاصة لسلطنة عمان/ إنترنت + وكالات

الشجاع يضيف، أن كل هذه التحركات لن تحمل نتائج على أرض الواقع فيما يخص الملف اليمني ما لم تكن هناك خارطة واضحة وملزمة لجميع أطراف الصراع، خاصة مليشيا “الحوثي”، ولأن الشفافية غائبة في هذا المسار والاتفاقيات السابقة، ذابت طيلة 8 سنوات ولم تعد سوى حبر على ورق، بدءا من قرار 2216 وما قبله من مخرجات مؤتمر الحوار، وقبلهما “اتفاقية الرياض” و”اتفاقية الكويت” واحد واثنين، و”استوكهولم 2018″.

بحسب وجهة نظر الشجاع، فإن التسوية ستتم في حالة واحدة، إن تم تسليم الشمال الحالي لمليشيا “الحوثي” سياسيا واقتصاديا، وجعلها تتصرف كأنها سلطة حاكمة لكل الشعب وانتزاع اعتراف دولي بوجودها، غير أن هذه ستكون كارثة؛ لأن التحالف والسعودية تحديدا تكون بذلك قد سلّمت الرقاب والأرض والبحر لإيران رسميا، وسيكون الشعب اليمني وهويته وتاريخيه ونسيجه هو الضحية، وغير ذلك لا أحد يعي شكل التسوية وسط مماطلة “الحوثيين”.

أما عمان لا يمكن لها وفقا لحديث الخبير في الشأن اليمني، أن تفعل شيئا حتى الآن؛ لأنها وسيط يلتقي بطريق واحد. هذا الطرف يطرح عليه أسباب معقّدة لا أحد يعرف عنها إجمالا، لكنها شروط شخص كأنه منتصر رغم الوضع المعيشي والإنساني الذي تعيشه البلد، بإشارة لغياب باقي الأطراف اليمنية عن سياق الوساطة العمانية.

الشجاع، يشير إلى أن الدعم الأممي حتى الآن لم يتمكن من تغير المعادلة، فلم يتم إنهاء المشكلة أو التغلب على التحديات الإنسانية، لذا فإن الدعم الأممي بصورته الحالية يسير باتجاه فسح المجال أمام توسع مشروع “الحوثي” على حساب الوضع الإنساني الذي لا تأبه له الميليشيا مطلقا، وتستغله لأجنداتها، وهو في الحقيقة يسير بمسار واحد مع بقية الجهود الإقليمية وغيرها.

في خضم ذلك، فإنه منذ اتفاق الصلح بين السعودية وإيران مؤخرا، كانت الرياض أول من يتحرك بدبلوماسية نشطة لإيجاد حلول للملف اليمني، دون أن تدّخر جهدا في الاستعانة بكل الأطراف المؤثرة مثل الولايات المتحدة الأميركية أو “الأمم المتحدة” أو حتى الأطراف الإقليمية.

وضع يمني هش

حاليا، يعيش اليمن في هدنة غير معلنة منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكنها هدنة يمكن أن تنفجر في أي وقت، وهو ما تأمل الأطراف الدولية والإقليمية في تجاوزه بمعية الجميع، وذلك لأن “الحوثيين” ما زالوا يواصلون هجماتهم وانتهاكاتهم من حين لآخر ولم يلتزموا بأي حلول يقترحها الوسطاء.

مساعي أممي وإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن/ إنترنت + وكالات

اليمن يعاني حربا بدأت عقب سيطرة “الحوثيين” على العاصمة صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014، بإسناد من قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي قُتل في 2017 بمواجهات مع مسلحي “الحوثي”، إثر انتهاء التحالف بينهما.

 فمنذ ذلك الحين بدأ النزاع في اليمن، وتصاعد منذ آذار/مارس 2015، في أعقاب تدخل “التحالف العربي” بقيادة السعودية، لإسناد قوات الحكومة الشرعية في مواجهة “الحوثي” المدعومة إيرانيا.

تلك الأحداث الدامية، أدت حتى نهاية 2021 بحياة 377 ألفا، وكبّدت اقتصاد اليمن خسائر تُقدّر بـ 126 مليار دولار، وفق “الأمم المتحدة”، وبات معظم سكان البلاد البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة يعتمدون على المساعدات، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم.

وفقا لهذه المعطيات، فإن الحالة اليمنية تمرّ بإحدى أكبر اختباراتها منذ اندلاع الأزمة، حيث تسعى الدول العربية على رأسها السعودية إلى التوصل لحالة سلام شامل، فيما تسعى جماعة “الحوثي” المدعومة إيرانيا لاستغلال هذه الرغبة في تحقيق أكبر مكاسب ممكنة، لذا من الوارد جدا أن تعود لتتفجر الأوضاع، إذا ما لم يلمس المجتمع الإقليمي والدولي نوايا حقيقة من قبل الجماعة في تحقيق السلام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات