أعربت “هيئة التفاوض” السورية عن رغبتها في عقد الاجتماع القادم للجنة الدستورية في العاصمة السعودية الرياض، وجاء ذلك فيما طلبت دمشق وداعمتها موسكو من المبعوث الأممي غير بيدرسن، تغيير مكان الاجتماعات المقررة في جنيف. 

وقال رئيس “المجلس الوطني” بدر جاموس في تصريحات: بصفتي رئيساً للجنة التفاوض طلبت الأمم المتحدة وأبلغت الأشقاء في السعودية برغبتنا في عقد اللقاءات في الرياض، خاصة منذ تشكيل لجنة التفاوض في العاصمة السعودية. وتابع: “سنتشرف بعقد اللقاءات في الرياض التي تمثل عمقنا العربي ودعمت الشعب السوري منذ اليوم الأول للثورة”. 

وأعرب جاموس عن قلقه من وفد دمشق لـ”محاولته ممارسة لعبة المكان وعقد الاجتماع في بغداد”، التي اقترحتها موسكو، وهو ما رفضته واشنطن بعد رفض موسكو عقد لقاءات اللجنة في نيروبي عاصمة كينيا. 

ويأتي رفض بغداد مكان انعقاد “اللجنة الدستورية” على حسب تصريح المحامي وعضو “اللجنة الدستورية”، طارق الكردي، لأن بغداد لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بما يحدث في سوريا وهي الأقرب إلى دمشق في مواقفها عبر السنوات الماضية ولذلك الحاجة إلى مكان محايد.

روسيا تجعل سوريا ورقة ضغط

منذ تموز/يوليو 2022، تعطّل روسيا اجتماعات “الدستورية” في مدينة جنيف، بسبب انضمام سويسرا إلى العقوبات الأوروبية ضد روسيا، بعيد غزو أوكرانيا، في شباط/فبراير 2022. وقد تجاوبت دمشق مع الإرادة الروسية، ورفضت منذ ذلك التاريخ، عقد الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة. 

فيصل بن فرحان يستقبل وزير خارجية النظام فيصل المقداد في الرياض (واس)

في 16 من حزيران/يونيو الماضي، اقترح مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، ثلاث عواصم عربية يمكن أن تحتضن اجتماعات “اللجنة الدستورية” السورية بدلًا من جنيف السويسرية. وقال لافرنتييف، إن روسيا اقترحت نقل مقر اجتماعات اللجنة الدستورية من جنيف إلى مسقط أو أبو ظبي أو الجزائر، بحسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية حينها.

وأشار المبعوث إلى عدم التوصل لاتفاق واضح حول نقل مقر “اللجنة الدستورية”، لافتًا إلى أن استمرار العمل في جنيف بالنسبة لروسيا أصبح صعبًا، بسبب الموقف “غير الودّي والعدائي لسويسرا تجاه روسيا”، وفق قوله. 

الأمم المتحدة أكدت بدورها حيادية دولة سويسرا التي تحتضن اجتماعات “اللجنة الدستورية” السورية، ردًا على اتهامات الحكومة السورية وحليفتها روسيا بأن هذا البلد لم يعد محايدًا بعد دعمه العقوبات الأوروبية على روسيا.

الإعلامي السوري، رامي السيد، في حديثه “الحل نت”، علق على تدخل روسيا في اختيار مكان انعقاد “اللجنة الدستورية”: بأن روسيا تحاول أن تجعل من الوضع في سوريا ورقة ضغط على المجتمع الأمم المتحدة وعلى المجتمع الدولي. 

وانتقد السيد، الأسد الذي يسمح لها بهذا الموقف قائلا: إن “هذا شأن سوري داخلي لا يحق لروسيا الحديث بشأنه”، معتبراً أن “ما تفعله روسيا يجد هوا لدى الأسد مما يؤدي إلى المماطلة والتعطيل”. 

من جهته، يرى الباحث السياسي السوري، وائل علون، في حديثه مع “الحل نت”، أن المشكلة ليست في أين تنعقد “اللجنة الدستورية” سواء كانت في مكان “الجامعة” العربية في القاهرة أو في مسقط أو الرياض حتى في بغداد، ليس هذا موضوع، وإنما المشكلة الحقيقة في دمشق ومن خلفها روسيا يحاولون توجيه الرسائل للغرب ضمن السجالات السياسية بينهم بعد حرب أوكرانيا. 

وفي حين تبدو المعارضة أكثر تعاونا لأنها طرحت أكثر من مكان خارج الجغرافيا الأوروبية كنيروبي، فدمشق هي التي تعرقل انعقاد “اللجنة الدستورية”، وكانت تعطل في الجولات السابقة من خلال محاولاتها اللعب على ثوابت رئيسية كموضوع العلم، أو بما تسميه الأزمة السورية أو من خلال الإجراءات التي يكثر الحديث فيها ورفض أي إطار زمني.

تعطيل الأسد للجنة

لكن سؤال: هل تريد حقاً هذه اللجنة مناقشة الدستور والحل السياسي، أم مواصلة اللعبة بنقل الاجتماعات من مكان إلى آخر؟

اللجنة الدستورية السورية الرياض السعودية المعارضة السورية روسيا بشار الأسد موسكو جنيف
المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، خلال اجتماعات اللجنة الدستورية السورية – إنترنت

من جانبه، قال بيدرسن في إحاطة أمام مجلس الأمن نهاية شباط/فبراير الماضي، “مع عدم وجود توافق في الآراء بين الأطراف السورية، أصدر بيدرسن دعوات رسمية لجولة تاسعة في جنيف في أواخر أبريل/نيسان، وناشدهم الاستجابة بشكل إيجابي – وناشد جميع أصحاب المصلحة الدوليين الرئيسيين دعم الأمم المتحدة كميسر والامتناع عن التدخل في ما يتعلق بالموضوع”. 

جدد المبعوث الأممي، الأحد الفائت، دعوته الحكومة السورية إلى التوجه إلى جنيف للمشاركة في الاجتماع المقبل للجنة الدستورية، نهاية نيسان/أبريل المقبل، محذرا من أن الأمور تسير “في الاتجاه الخاطئ”. 

وعقب لقائه وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، قال بيدرسن إنه أبلغ الأخير أنه “طالما لا يوجد اتفاق بين المعارضة والحكومة، يجب أن نواصل الاجتماع في جنيف، وتطوير اللجنة الدستورية، والعمل بطريقة يمكن أن تعطي الأمل للشعب السوري”. 

بينما أكد الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن وفد دمشق أحمد كزبري، أنه أبلغ بيدرسن الأسبوع الماضي، رفض الدعوة إلى عقد الجولة التاسعة بمدينة جنيف في 22 من الشهر المقبل، وأكد أنه لا يمكن إرسال دعوات قبل حصول توافق كامل على المكان. 

فيما يؤكد الكردي أن عمل اللجنة مهم وضروري ولا يمكن الحديث عن حل سياسي دون الاتفاق على الدستور؛ لأن الدستور هو مدخل لحل كل المسائل العالقة ولهذا تعمل دمشق بوجه روسيا على تعطيل اللجنة على مدى عامين كاملين خلال ثمانية جلسات، كما أنها لم تسمح للجنة بكتابة سطر واحد في الدستور لأنها تعلم أن إنجاز الملف الدستوري سيؤدي إلى تغيير النظام؛ وهذا ما لا يريده الأسد. 

في هذا الصدد يعلق الباحث السياسي السوري، عقيل حسن، في حديثه مع “الحل نت”، قائلا: “على الإطلاق لا أحد يتوقع أن يكون الأسد جديا في الجولة القادمة من مفاوضات اللجنة الدستورية؛ لأنه سيستمر في استراتيجية إضاعة الوقت والمماطلة؛ لأنه يبدو أن الأسد مغرم بفكرة استثمار المفاوضات من أجل إطالة أمد المسألة السورية لعل الأيام تأتي بظروف جديدة لصالحه”.

لماذا الرياض؟

ربما جاء اختيار مكان انعقاد الجولة التاسعة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، في العاصمة السعودية الرياض، سيعبر بالأزمة السورية لحل يضمن “فوائد أكبر” من إقامتها في أي عاصمة أخرى؛ كون السعودية اليوم قادرة على خلق حالة من التوازن بين الشرق والغرب، وهي الدولة التي تستطيع أن تكون طرفاً محايداً ومقبولاً بين دمشق والمعارضة، وتمتلك أوراقاً لا يمتلكها سواها في المنطقة إن أرادت أن يتجاوز دورها استضافة المفاوضات.

بشار الأسد وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة اللجنة الدستورية السورية الرياض السعودية المعارضة السورية روسيا بشار الأسد موسكو جنيف
بشار الأسد وأنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة – إنترنت

السعودية هي الدولة التي سيعوّل عليها في مرحلة ما بعد الاتفاق إن حدث، وخصوصاً في ملف التنمية وإعادة الإعمار والاستثمار وعودة المهجّرين المنتشرين في العالم، ويمكن اعتبار أن إقامة الجولة الجديدة في العاصمة السعودية، ينزل “هيئة التفاوض” والأسد “من الشجرة التي علقوا فيها”. 

الصحفي السعودي، مالك الروقي، أكد في مقال نشره موقع “المجلة”، أن “السعودية قادرة على خلق الضمانة الأكثر موثوقية للمهجرين وقوى المجتمع المدني، وقادرة على خلق التفاهم مع اللاعبين الدوليين في سوريا مثل تركيا وقطر والأكراد والولايات المتحدة بدرجة أهم”. 

وأشار الروقي، إلى أن السعودية قد تخشى مصير فشل المفاوضات، مثل كل الجولات السابقة التي فشلت فشلاً ذريعاً، وهذا يطرح على طاولتها معيار القبول أو الرفض لمقترح عقد اجتماع اللجنة في الرياض. 

وسبق أن قالت مواقع إعلام سورية رسمية، إن مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، اقترح خلال زيارته العاصمة السورية دمشق، أن تكون الرياض، مقراً لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، بدلاً من جنيف، التي تعترض عليها روسيا.

موقف المعارضة من الرياض

المعارضة السورية ترى أن الرياض، اختيارٌ جيد لأكثر من سبب؛ لأن السعودية اليوم لديها علاقات قوية مع الأطراف الدوليين مثل الولايات المتحدة والروس والإيرانيين، فالمعارضة تتطلع بإيجابية نحو الدور الذي يمكن أن تقوم به السعودية في دفع العمل السياسي وتحقيق النتائج المنشودة فيما يتعلق بعمل اللجنة الدستورية السورية.

اللجنة الدستورية السورية الرياض السعودية المعارضة السورية روسيا بشار الأسد موسكو جنيف
بشار الأسد في القمة العربية التي عقدت بمدينة جدة بالسعودية – إنترنت

ومن جانب آخر ترى المعارضة السورية أن اختيار السعودية مكاناً لـ انعقاد الاجتماع ربما يساهم في تحقيق تقدم، لأن المملكة العربية يمكن لها الضغط على الأسد ويمكنها أيضاً أن تشير إلى حدوث مماطلة في حال حدوثها مرة أخرى وهذا متوقع. 

كما أن المملكة العربية لديها ما يدفعها للضغط على الأسد خاص بعد كونها المسؤول عن فشل مبادرة “خطوة مقابل خطوة”، وبالتالي فهي تضغط من منظور التجربة السابقة مع الأسد.

في الوقت نفسه ربما يكون الأسد غير قادر على صد الضغط السعودي لأنه يحتاج إليها في المرحلة المقبولة في إعمار سوريا، والمساعدات، وفي تجاوز العقوبات الدولية، أو التعافي المبكر للاقتصاد السوري. 

وهنا يبدو السؤال: هل ستوافق الرياض؟ عقيل يجيب في حديثه مع “الحل نت”، أن الرياض ستوافق على القيام بهذا الدور وستتلقفه؛ لأنها تعتبره مكسباً سياسي دون أن تدفع له ثمناً، كما أن المعارضة ما زالت تثق في السعودية كأحد أصدقائها حتى بعد أن تراجع دورها من حليف إلى محايد. 

ولكن تعول المعارضة السورية على أهمية المملكة السعودية ووزنها الدولي لكي تبقى على الأقل صديق. وفي نفس الوقت الحكومة السورية ليس لديها تلك المشكلة الكبيرة مع السعودية بعد التطبيع الرسمي واستضافتها ودعوتها للقمة العربية في جدة، حتى أنه بإمكان السعودية اليوم في ظل اختيارها مكاناً للانعقاد العودة إلى متابعة الوضع في سوريا من جديد بعد سنوات ثلاثة من غياب دورها، ومن هنا ترى الرياض أن هذا العرض مكسب يصيب في استراتيجيتها في التعامل مع الأزمة السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات