في ظل الجمود الذي يخيّم على مسارات الحل السياسي في سوريا، يجري الحديث عن إعادة “اللجنة الدستورية السورية” إلى واجهة الحل السياسي في البلاد، وذلك عبر نقل مقر اجتماعات اللجنة من مدينة جنيف السويسرية إلى العاصمة العمانية مسقط.

نقل اجتماعات اللجنة إلى عاصمة عربية، يطرح التساؤلات عما إذا كانت الجهود العربية ستفضي إلى إنشاء مسارات جديدة، من شأنها دفع العملية السياسية في سوريا، وماذا يمكن أن تقدم اللجنة الدستورية بعد أن تجتمع في مسقط”.

جولات “اللجنة الدستورية السورية” في جنيف توقفت منذ نحو عام، لأسباب عديدة أبرزها تتعلق بعرقلة روسيا انعقاد الجولة التاسعة لاجتماعات اللجنة، وبينما لم يطرأ أي جديد على عملها منذ تموز/يوليو الماضي، يجري الحديث الآن عن تغيير مكان انعقاد الاجتماعات إلى مُدن أو عواصم عربية.

عودة اللجنة الدستورية؟

في آخر تطورات الجهود المتعلقة بالحل السياسي في سوريا، وبعد اجتماع عمّان التشاوري قبل نحو ثلاثة أشهر، توافقت “لجنة الاتصال الوزارية العربية” المعنية بسوريا، على منهجية عمل مع الحكومة السورية في اجتماعها الأول التنسيقي الذي عُقد في القاهرة، وذلك استكمالا لما جاء في اجتماع عمّان، الذي أسّس لخطة أولية عربية لحل الأزمة السورية وفق قاعدة “خطوة مقابل خطوة”، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.

الاجتماع ضم وزراء خارجية الأردن ومصر والسعودية والعراق ولبنان، إضافة إلى أمين عام جامعة الدول العربية، مع وزير الخارجية السوري، حيث بحث الاجتماع مسارات الحل الإنساني والأمني والسياسي، وناقش كذلك استئناف المسار الدستوري السوري عبر “اللجنة الدستورية السورية”.

يبدو أن اجتماعات اللجنة قد تُستأنف خلال الفترة القادمة، بعد التوافق على نقل مقر الاجتماعات من جنيف إلى مسقط، وبحسب البيان الختامي للاجتماع فقد تم قبول دعوة سلطنة عمان لاستضافة اجتماعات “اللجنة الدستورية”، المتوقفة منذ أكثر من عام.

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور إياد المجالي، رأى أن نقل مقر اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية”، من جنيف إلى مسقط يمكن أن يكون له انعكاسات إيجابية على العملية السياسية في سوريا، لكن أشار كذلك إلى وجود عوائق عديدة تتعلق بأهداف الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الملف السوري.

المجالي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “نقل اجتماعات اللجنة الدستورية من جنيف إلى مسقط هو جانب من جوانب الحل السياسي في سوريا، حيث لا زال هذا الملف يراوح مكانه، رغم الجهود الدبلوماسية المتعددة الاتجاهات، وأعتقد أنه يشكل جانب من جوانب مساعي الحل”.

منذ الإعلان عن نقل مقر اجتماعات اللجنة، أخذت القضية تفاعلا واسعا على الصعيد الإقليمي وبين الأطراف الفاعلة في الملف السوري، لكن حتى الآن تبدو النتائج صفرية بحسب رأي المجالي، خاصة في ظل الاستعصاء السياسي في الملف.

صعوبات تواجه الحل

حول ذلك أضاف المجالي، “لا جديد في السياسة الدولية تجاه سوريا حتى اللحظة، هناك استعصاء دولي ينقسم إلى محاور خارجية وأخرى داخلية وهي بالمناسبة خارجة عن إرادة السوريين، داخليا سياسات دمشق تتبع بالمطلق لمحور روسيا وإيران، هذا طبعا يؤشر نحو تباطؤ الوصول إلى حل حقيقي، مما يمكن أن يسمى بتعذر الحل والإنجاز في سوريا”.

الملف في سوريا مجمّد حاليا بحسب ما يصف المجالي، والمقاربات التي تعتمدها القوى صاحبة التأثير في هذا الملف تعمل على “تقسيم الكعكة السورية، والحل السوري بكل عناوينه لم يعد في المطبخ السوري بل هو بين مطالب تركية وأهواء روسية وهواجس أميركية ورغبات إيرانية ، والأهم الداخل السوري لا يملك مشروع سياسي صريح وواضح المعالم”.

المطالبات بإعادة “اللجنة الدستورية” إلى واجهة العملية السياسية في سوريا، جاءت قبل فترة عبر المبعوث الدولي إلى سوريا جير بيدرسن، عندما قال إن “العملية السياسية في سوريا وصلت إلى مأزق”، أمام مجلس الأمن الدولي في مدينة نيويورك الأميركية، مجددا مناشدته للأطراف الفاعلة في الملف السوري، بالانخراط مع جهوده لتنفيذ القرار 2254.

نقل اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية” إلى عاصمة عربية، قد يمهّد الطريق أمام دور عربي محتمل في الحل السياسي للملف السوري، لكن ماذا يمكن للدول العربية أن تقدم للملف السوري خلال المرحلة القادمة، تزامنا مع التقارب العربي مع دمشق.

الدول العربية بالطبع تتأثر باستمرار الوضع السوري على ما هو عليه، وبالتالي فإن البحث عن حلول عربية هو الحل نفسه الذي يرضي شريحة كبيرة من السوريين في البلاد بحسب محللين، ولا يتوقع أنه “ثمة خلافات بين الدول العربية فيما يتعلق بعودة دمشق إلى الحضن العربي بقدر ما هو البحث عن ضمانات حقيقة”.

خلال الاجتماعات التي جرت على مدار السنوات القليلة الماضية للجنة، سعت روسيا إلى إفراغ حصيلة الجولات من أي نتائج مثمرة، فعرقلت جميع المحاولات الرامية لصياغة دستور جديد، أو التوصل إلى آلية حلّ من شأنه تنفيذ بنود قرار الأمم المتحدة 2254 المتعلق بالانتقال السياسي للسلطة.

مسارات أخرى

لا يخفى على أحد أن روسيا سعت إلى خلق مسارات جديدة للحل في سوريا بعيدا عن الأمم المتحدة التي أصرّت مرارا على بنود 2254، وضمان الانتقال السياسي للسلطة في سوريا، فحاولت طرح أو تحويل الحل السياسي من مسار “اللجنة الدستورية” إلى مسار “أستانا” برعاية الدول الضامنة.

من بين المسارات التي ظهرت مؤخرا فيما يتعلق بالملف السوري، المسار الأردني، حيث أجرى وزير الخارجية الأردني زيارات لوجهات متعددة، سعيا منه لإعادة إحياء المبادرة الأردنية المتعلقة بحلّ الملف السوري.

المبادرة الأردنية تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة” بشكل يشبه ما كان يطرحه المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا جير بيدرسن، وتنقسم إلى ثلاث مراحل، بدءا من التركيز على الجانب الإنساني وصولا إلى الجانب العسكري الأمني وانتهاء بالجانب السياسي النهائي. وهذا النهج الشامل يهدف إلى إعادة بناء الثقة وتحقيق استقرار حقيقي في سوريا.

تركيز الحكومة الأردنية على قطر وتركيا في زياراتها، تزيد من مستوى التساؤلات حول احتمالية أن نشهد اجتماعا خلال الفترة المقبلة بين الأردن وتركيا وقطر وسوريا برعاية الحكومة الأردنية، حيث تسعى عمّان إلى دفع العملية السياسية في سوريا بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن الذي يحمل رقم 2254.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات