مع غياب الحل السياسي للقضية السورية، تعاني البلاد من تبعات أية أزمة قد تحصل في الدول المجاورة، ومنذ بدء التصعيد في غزة، تتجه الأنظار إلى سوريا لمراقبة تبعات هذا التصعيد على الأزمة السورية، خصوصا في ظل سيطرة الميليشيات الإيرانية على مناطق واسعة في البلاد، ما يعني وصول شظايا الحرب في غزة إلى الجنوب السوري.

تحذيرات أممية بدأت تظهر للعلن، تتحدث عن مخاوف من انفجار الأوضاع في سوريا والعودة إلى النزاعات نتيجة التصعيد بين حركة “حماس” والقوات الإسرائيلية، خاصة وأن ملامح التصعيد بدأت حتى قبل عملية “طوفان الأقصى” من خلال التحركات الإيرانية وزيادة وتيرة القصف الإسرائيلي على سوريا، وعملية تفجير الكلية الحربية في حمص.

سوريا وخطر الانزلاق

الأمم المتحدة أعربت الإثنين، عن قلقها من تصاعد الأعمال العدائية في سوريا حيث أصبح الوضع الراهن “الأخطر منذ فترة طويلة” بسبب تداعيات الحرب بين إسرائيل وحركة “حماس”، هذه التصريحات تأتي على الرغم من أن المؤشرات توحي بعدم وجود نية لدى دمشق بالانخراط في الصراع الدائر بين القوات الإسرائيلية و”حماس”.

خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، قال المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسن إنه “منذ آذار/مارس 2020 دخل النزاع السوري في مأزق استراتيجي، لقد حذرت منذ فترة من أن الوضع الراهن يعرّض سوريا لخطر الانزلاق نحو تفكك أعمق وطويل الأمد، مع مخاطر تصعيد هي الأكثر إثارة للقلق”.

التطورات في غزة جعلت بيدرسن يدق ناقوس الخطر، معتبرا أن الوضع الراهن في سوريا هو الأخطر منذ فترة طويلة على حد تعبيره، وأضاف “إضافة إلى العنف الناجم عن النزاع في سوريا نفسها، يواجه الشعب السوري الآن امكانية تصعيد قد يكون أوسع مرتبط بالتطورات الخطيرة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والمنطقة”.

تزامنا مع التصعيد في غزة، فقد ذكّر بيدرسن بالفترة التي سبقت هذه الحرب، والتي شهدت سوريا خلالها تصاعدا في وتيرة الأعمال العدائية من الشمال إلى الجنوب الذي يمر بحالة من الفلتان الأمني، مرورا بمناطق الوسط السوري التي شهدت قبل أسابيع عملية تفجير استهدفت الكلية الحربية في حمص وراح ضحيتها العشرات.

بالنظر إلى حالة عدم الاستقرار التي تعيشها سوريا منذ سنوات، فإن البلاد تتأثر بأي تصعيد قد تشهده المنطقة حتى ولو كان بعيدا عن حدودها، إذ أن تداخل النفوذ والقوى المسيطرة على الأراضي السورية، يجعل منها بيئة خصبة لتصفية الحسابات بين الخصوم الإقليميين والدوليين.

أسباب القلق الأممي

هذا هو ربما الدافع الأبرز لتصريحات المبعوث الدولي، الذي أردف كذلك قائلا “حتى قبل التطورات الإقليمية شهدت سوريا أسوأ وتيرة في أعمال العنف منذ أكثر من ثلاث سنوات” لكن التوترات في المنطقة تصبّ الزيت على النار، على برميل بارود كان أصلا على وشك الانفجار”.

الكاتب والصحفي عامر المالكي، رأى أن تصريحات بيدرسن هي نتيجة طبيعية لما تمر به سوريا في المرحلة الراهنة، إذ أن هناك مخاوف من عودة تصعيد النزاعات في أية لحظة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التغيرات الإقليمية تلقي بظلالها بشكل مباشر على الأوضاع في سوريا.

المالكي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “تصريحات بيدرسن طبيعية بسبب الوضع الحالي في سوريا وبالرجوع إلى مناطق النازعات ونوعيتها سندرك حجم الخطر الحقيقي فالشمال بالمعنى الشامل، لديه عداء مع النظام الحاكم ولن يرضى بأي شكل تواجده بقيادة بشار الأسد في أي عملية سياسية قادمة وهذا يقوض أي مساعي سياسية فضلا عن الوضع داخل مناطق الحكومة المقسمة بالأساس لمناطق قوى ونفوذ وسيطرة بين إيران وروسيا”.

كذلك الوضع في الشمال السوري، فالنفوذ موزع بين “حكومة الإنقاذ” و”الحكومة المؤقتة”، حيث نرى بينهما كثير من الصراعات وحرب المعابر والمنافذ الحدودية بين المناطق داخل سوريا، وقد ترتقي هذه النزاعات إلى مناوشات أو مواجهات بالأسلحة، ووفق المالكي فإن هذا الأمر هو أحد دوافع التحذيرات الأممية.

أما فيما يتعلق بالصراع الدائر بين القوات الإسرائيلية، فلا يعتقد المالكي أن الوضع الراهن سيؤثر على سوريا، خاصة في ظل عدم وجود رغبة من قبل دمشق وطهران الدخول في هذه الحرب، فحتى إيران تنصلت من العمليات التي حدثت خلال الأيام القليلة الماضية، ويبدو أنها ستتخلى عن دعم بعض ميليشياتها في سوريا، فهي لا ترغب في دخول صراع من أجل ما يسمى “محور المقاومة” وتدخل في مواجهة مع الغرب بما يعود بالضرر على مشروعها.

قد يهمك: دور واضح لإيران.. ما هي مصالح روسيا من دعم حركة “حماس” ضد إسرائيل؟

جميع المعطيات القادمة من دمشق، تؤكد أن القيادة السورية تتجنب التصعيد ضد إسرائيل، وذلك كنوع من الخوف من تبعات الانخراط في هذا الصراع، هذا فضلا عن تحذير بعض دول المنطقة وفي مقدمتها الإمارات من مغبة انخراط القوات السورية في الصراع الدائر بين “حماس” والقوات الإسرائيلية.

تحركات من قيادة دمشق

مصادر دبلوماسية كشفت لـ”الحل نت” عن تحرّك قيادات عليا في دمشق، من أجل الإعلان عن عدم وجود رغبة من دمشق للانخراط في الصراع الدائر بين “حماس” وإسرائيل، وكانت هناك تحركات على مستوى وزارة الخارجية والاستخبارات السورية من أجل إيصال هذه الفكرة لبعض الدول المعنية في الشرق الأوسط.

المصادر أكدت أن اللواء علي مملوك وهو رئيس “مكتب الأمن الوطني” في سوريا، أجرى العديد من الاتصالات خلال الأسبوع الماضي مع استخبارات عدة دول في المنطقة بينها الإمارات العربية المتحدة، وذلك بهدف إخبارهم بعدم وجود نيّة من قِبل القيادة السورية بالانخراط في أيّ حربٍ إقليمية هذه الفترة.

وفق ما أكده المصدر لـ”الحل نت”، فإن مملوك أخبر نظراءه في استخبارات بعض الدول بما مفاده أن “سوريا ليست جاهزة وغير مستعدة للدخول في الحرب الدائرة بغزة في حال توسع الصراع وشمل دولا أخرى”.

وفق المعطيات الراهنة، فإن دمشق ستبذل كل جهودها من أجل الابتعاد عن التدخل في أي حرب إقليمية قادمة على المنطقة، ويبدو أنها لا تختلف مع إيران التي بدأت منذ أسبوعين التلميح بعدم رغبتها الدخول في أيّة صراعات عسكرية ستشمل دولا عدة، وذلك على الرغم من التصريحات الخجولة الداعمة لحركة “حماس”، الأمر الذي يعزز ربما إبعاد سوريا عن أية تصعيد قادم بين القوات الإسرائيلية و”حماس”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات