عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها “حماس” والفصائل في غزة، أعادت ملف التقارب الروسي الإيراني إلى الواجهة، حيث بدأت التساؤلات في الأوساط الأوروبية  تُثار حول دور روسي محتمل بخلط الأوراق في منطقة الشرق الأوسط عبر الشريك الإيراني، مستغلّة بذلك حالة الفوضى التي رافقت هجوم “حماس” على المناطق التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية.

ليست هناك أدلة بالطبع على دعم مباشر تقدّمه روسيا لحركة “حماس” والفصائل في قطاع غزة، لكن التحليلات تتجه نحو توقّع لدور روسي في هذه المعركة عبر تعزيز التقارب مع إيران، خاصة وأن لروسيا مصالح عديدة سنستعرضها سوية في هذه المادة الصحفية من إشعال الحرب في غزة والضغط عسكريا على إسرائيل.

تساؤلاتٌ كثيرة تدور حول طريقة تعاطي الجانب الروسي مع معركة “طوفان الأقصى”، وما هي المصالح الروسية من إدانة العنف في قطاع غزة، وهي التي لم توفّر أداة عنف إلا واستخدمتها في حربها ضد أوكرانيا، وتلك التي ساندت بها قوات الجيش السوري في سوريا.

مصالح روسيا

روسيا لديها العديد من المصالح من استمرار المعركة بين “حماس” والقوات الإسرائيلية، خاصة وأن الضغط العسكري على إسرائيل سيعني بشكل أو بآخر انشغال الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية بملف إسرائيل، وبالتالي ترك أو تخفيف التركيز على ملف الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.

غير أن روسيا لا تستطيع الولوج في هذه المعركة بشكل مباشر، لأسباب عديدة أبرزها المحافظة على التوازن في العلاقات الروسية الإسرائيلية، خاصة وأن اليهود جزءٌ من النسيج المجتمعي الروسي حيث أن عدد اليهود الروس يتجاوز المئتين والعشرين ألف مواطن، بالتالي فإن التقارب مع إيران الداعم الأبرز لحركة “حماس”، هو السبيل الأقرب للمشاركة في هذه الحرب بشكل غير مباشر.

موضوعُ استغلال روسيا لمعركة “طوفان الأقصى” من أجل خلط الأوراق في المنطقة، بدأ يُثار كذلك في الأوساط الغربية، فقد كشفت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، عن قلق عدد من المسؤولين والخبراء الأوروبين، من أن روسيا قد تستغل الفوضى المحيطة بهجوم حماس على إسرائيل، مما يدفع “الكرملين” إلى الاقتراب أكثر من إيران، المتحالفة مع الحركة.

قد يهمك: إيران تتاجر بأسلحة “حزب الله” مع موسكو والعشائر العربية في سوريا؟

فاستمرار فتح الجبهة العسكرية ضد إسرائيل، سيؤدي إلى استنزاف القوات الإسرائيلية، كما أن المحور الغربي سيعمل على دعم إسرائيل من الناحيتين العسكرية والسياسية، الأمر الذي سيُشغل العالم عن المطامع الروسية في المنطقة، خاصة وأن الهجوم على إسرائيل يأتي في وقت تؤكد فيه تقارير صحفية أن الغرب يواجه بالفعل صعوبة في جمع المزيد من الذخيرة والأموال لدعم الهجوم المضاد الذي تشنّه أوكرانيا.

تلاقي مصالح روسيا وإيران

وفق الباحث المختص في العلاقات الروسية الإسرائيلية وجدان عبد الرحمن، فإن ملف الحرب بين “حماس” والقوات الإسرائيلية يُعتبر نقطة تلاقي للمصالح بين إيران الداعمة لـ”حماس”، وروسيا التي لديها مصالح من استمرار هذه الحرب، حيث ترتفع احتمالية زيادة التقارب الموجود أصلا بين الجانبين في عديد الملفات رغم وجود الخلافات على بعض التفاصيل.

روسيا وجدت فرصة هنا لإشغال الغربيين، بملف غزة وإسرائيل، وهنا أضاف عبد الرحمن في حديث خاص مع “الحل نت”، “هذا ما لاحظناه بالفعل، التحشيد العسكري الكبير وتزويد إسرائيل بالأسلحة والصواريخ وإرسال حاملات الطائرات، هذا يخفف الضغط على روسيا في جبهة أوكرانيا مع أوروبا، من هذا الباب ربما تحاول روسيا تأجيج الملف،  لذلك نشهد هناك تصريحات روسية داعمة لملف غزة وإيران، أيضا في اجتماع مجلس الأمن كان هناك دور روسي كبير لعدم التصويت ضد غزة أو إصدار قرار ضدها، يمكن القول إن روسيا وإيران لديهما منافع كبيرة فيما يحصل في غزة وإسرائيل الآن”

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عبّر عن مخاوفه أيضا من انشغال الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، بالملف الإسرائيلي، وبالتالي تحويل الاهتمام من الغزو الروسي لأوكرانيا إلى الصراع بين إسرائيل و”حماس”، متّهما موسكو بتوفير دعم للحركة الفلسطينية.

زيلينسكي، أعرب عن ثقته في مقابلة مع قناة “فرانس 2” الفرنسية، أن روسيا توفر دعما بطريقة أو بأخرى للعمليات العسكرية التي تجري ضد القوات الإسرائيلية، مشيرا إلى أن أجهزة الاستخبارات الأوكرانية لديها “معلومات” في هذا الشأن، وأضاف “الأزمة الراهنة تظهر أن روسيا تبحث عن القيام بعمليات لزعزعة الاستقرار في كل أنحاء العالم”.

تناقض أم تلاقي مصالح؟

حالة من التناقض تعيشها روسيا في علاقاتها مع إسرائيل، فهي تسعى أن تكون محايدة في بعض القضايا، فامتنع “الكرملين” مثلا عن إدانة هجوم “حماس”، وقبلها امتنعت إسرائيل عن الإدانة الكاملة للحرب الروسية على أوكرانيا واتخذت موقفا محايدا بشأن ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014، قبل أن تدين هذه الخطوة بعد أربع سنوات.

موقف روسي رأت فيه صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، أنه يعكس عقودا من الدبلوماسية الدقيقة، والمتناقضة في بعض الأحيان، والتي سعى “الكرملين” من خلالها إلى إقامة علاقات قوية مع إسرائيل في حين دعم أيضا القضية الفلسطينية ومغازلة جماعات مثل حماس.

دخول روسيا على خط المواجهات الدائرة في قطاع غزة ومحيطها، سيكون وفق محللين في حال حدوثه عبر طرق ملتوية وغير مباشرة، خاصة وأن إيران نفسها ما تزال تنفي ضلوعها في مساعدة حركة “حماس” بهجومها على الأراضي التي تقع تحت سيطرة إسرائيل، الأمر الذي نفته صحيفة “وول ستريت جورنال”، على لسان أعضاء كبار في “حماس” و”حزب الله” اللبناني، الذين أكدوا أن ضباط “الحرس الثوري” الإيراني، عملوا مع حماس منذ آب/أغسطس الماضي “لتخطيط التوغلات الجوية والبرية والبحرية” التي حدثت في الهجوم.

على الرغم من أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ليس لديها أي دليل في هذه المرحلة على أن إيران متورطة بشكل مباشر في هجوم حماس الأخير، إلا أن وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، أشار إلى أن “طهران وحماس لديهما علاقة طويلة”.

روسيا تزيد معاناة الفلسطينيين

في المقابل فإن انخراط روسيا في هذه المعركة من أجل استنزاف الغرب، سيعني مزيد من التعقيد والمعاناة للفلسطينيين، إذن أن تأكيد دعم روسيا حتى ولو بشكل غير مباشر لحركة “حماس”  سيقابله بالطبع دعم غير محدود من قِبل الغرب للحليف الإسرائيلي، هذا يعني مزيد من التصعيد والمعاناة لسكان قطاع غزة.

خاصة وأن العديد من التساؤلات تثار، حول عملية “طوفان الأقصى” ولماذا هذه الحروب التي تبدو بلا هدف استراتيجي، وما هي الجهات المستفيدة منها، وهل يمكن أن نتوقع انسحاباً إسرائيلياً بعد هذه العملية، وهل هناك أي خطة لبدء مفاوضات جدية بين الأطراف المتصارعة بعد انتهاء هذه الحرب.

الواقع الأليم هو أن “طوفان الأقصى” يبدو وكأنه عملية متاجرة، حيث تقوم الفصائل بتنفيذ عمليات عسكرية للحصول على تغطية إعلامية وتأثير داخلي وإقليمي، دون وجود استراتيجية طويلة الأمد، وما يزيد في تعقيد الأمور هو دور إيران وأتباعها في دعم هذه الفصائل وتحفيزها على تنفيذ هذه العمليات.

بالتالي إن ما يجري في غزة ليس سوى حلقة جديدة من دورة مؤلمة للفلسطينيين، حيث يتعرضون لعقوبات ومعاناة جديدة تزيد من صعوبة حياتهم، وفي حال تأكد فعلا انخراط روسيا في هذه المعركة، فهنا سنتأكد أن الفصائل الفلسطينية تقوم بدورة جديدة من المتاجرة بحقوق الفلسطينيين من أجل تحقيق مصالح داعميها حتى ولو كان على حساب معاناة سكان قطاع غزة.

كذلك فإن تحقيق المزيد من التقارب الروسي الإيراني، سيعود وفق ما يؤكده محللون بمزيد من الفوضى والتصعيد في المنطقة، بالنظر إلى المشاريع التي تسعى إيران لتحقيقها باستخدام أذرعها وميليشياتها المنتشرة في المنطقة، والتي تلتقي بها في العديد من المصالح مع روسيا، في سوريا واليمن وغزة وغيرها من المناطق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة