في ظل الأزمة المشتعلة في غزة، يمكن القول بأن لسوريا نصيباً من كعكة التواجد العسكري الأميركي في المنطقة، وإجراءات إسرائيل للرد على الهجوم الذي شنّته حركة “حماس” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي أدى إلى مقتل نحو 1400 إسرائيلي أغلبهم مدنيون، تمثّلت بالهجمات الموسعة منذ ذلك الحين، والتي أزهقت أرواح أكثر من 10 آلاف إنسان في غزة، في حصيلة غير نهائية، مع استمرار التصعيد، في حربٍ تبدو نتائجها غير واضحة المعالم حتى الآن.

في بداية التصعيد في غزة، تعهّد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، بأن الحرب ستغيّر الشرق الأوسط، معتبرا أن “ما ستختبره حماس سيكون صعباً ورهيباً.. سنغير الشرق الأوسط”، مضيفاً في خطاب “ما سنفعله لأعدائنا في الأيام القادمة، سيكون له صدىً لديهم لأجيال” على حدّ قوله، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول أثر هذه التغيرات على سوريا وشكل الحُكم فيها وعلاقاتها مع التحالفات الدولية خلال الفترة القادمة.

علاقات إيران مع حماس ودمشق

رغم أن علاقة دمشق مع حركة “حماس” لا تبدو في أفضل حالاتها، لكن القاصي والداني يُدرك مدى تأثير النفوذ الإيراني على الطرفين، ورغم التخاذل الإيراني إزاء حركة “حماس” خلال الحرب الأخيرة (وفق ما يصفه باحثون مقرّبون من الحركة)، إلا أن العلاقات بقيت جيدة بينهما، خاصة وأن الحركة ليس لديها خيار أو حلفاء غير الجانب الإيراني.

وتساعد إيران حركة “حماس” بشكل كبير في تحسين قدراتها العملياتية، عبر تهريب مكونات الصواريخ إلى غزة، من شبه جزيرة سيناء، إذ تنقلها إلى متاهةٍ من الأنفاق تحت الأرض، حيث يتم تجميعها هناك، بينما يجري التدريب التكتيكي، بمعسكرات خارج غزة.

هذه الشبكة من العلاقات، قد تقودنا للحديث عن احتمالية تورّط دمشق في الحرب الدائرة بغزة، خاصة فيما إذا قررت إيران تغيير موقفها الرافض حاليا الانخراط في الصراع، واتّجهت إلى العودة لدعم “حماس” ضد إسرائيل، هذا يعني أن إيران على الأقل سوف تستغل نفوذها في سوريا لتغذية الصراع العسكري في المنطقة.

قد يهمك: حرب غزة أثبتت عزلته الدولية.. هل يقتنع بشار الأسد بضرورة الحل السياسي؟

إذا ما حيّدنا الضغط الإيراني، فدمشق لا يبدو أنها ترغب في دخول هذه الحرب، لكنها قد تضطر في مرحلة ما إلى دعم الميليشيات الإيرانية وتسهيل تحركاتها في مناطق الجنوب القريبة من الحدود مع إسرائيل، إلا أن الرّد الإسرائيلي وقتها لن يفرّق بين القوات السورية والميليشيات الإيرانية بالطبع، بالنظر إلى التحذيرات الإسرائيلية المتكررة مؤخرا حول هذا الموضوع فضلا عن الضربات العسكرية.

أسباب استراتيجية للإطاحة بالأسد

ورغم أن ذلك لم يحصل على مدار الـ 12 عاماً السابقة، لكن احتمالات توريط دمشق في النزاع بغزة، والظروف الخطيرة التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط، والتي تشير إلى أنها مقبِلة على تغيرات كبرى، قد تشمل وفق بعض القراءات، تعديلات بخرائط المنطقة أو أشكال الأنظمة الحاكمة فيها، وسوريا على ما تبدو ستكون في محور هذه التغييرات، بل ربما تكون الأقرب للتغيير عَبر عمل عسكري محتمل خلال الأشهر القليلة القادمة، بفعل سجل دمشق المليء بالانتهاكات والجرائم من جهة، وعلاقتها مع روسيا وإيران من جهة ثانية.

يبدو جلياً أن المنطقة باتت أمام حلفَين اثنين؛ الأول تقوده واشنطن والدول الغربية بالاشتراك مع الحليف الإسرائيلي، والثاني تقوده موسكو وطهران، فيما يبدو أن على دول المنطقة الاختيار بينهما، وقد يؤدي خيارها في مساندة أحد الحلفين للإطاحة بأنظمة ودول، أو تثبيتها وتقويتها.

تتعلق الأسباب التي قد تدفع الحلف الغربي، لإسقاط بشار الأسد عسكريا، بـالمصالح الاستراتيجية، حيث قد ترغب الولايات المتحدة وإسرائيل في تغيير شكل الحكم في سوريا، إن كانوا يعتقدون بأن السلطة الجديدة ستكون أكثر تعاوناً مع مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة، وهو ما قد يكون متاحا بالاعتماد على القوى المتحالفة مع واشنطن في شمال وشرق سوريا، إن ضمنت واشنطن لـ “قوات سوريا الديمقراطية” الحماية الجوية من تركيا والاعتراف السياسي، ما قد يجعل مناطق الإدارة الذاتية، منطلقاً للحكم الجديد البديل عن حكم بشار الأسد.

كما قد تُعتبر محافظة السويداء في جنوب سوريا، نموذجاً بديلاً، لكن فُرصها أضعف من مناطق الإدارة الذاتية، لعدم امتلاكها القوة العسكرية الموحّدة، أو المؤسسات الإدارية البديلة وبالمجمل، يمكن القول إن السبب الأول للتوجه نحو الخيار العسكري، متوفر لدى واشنطن.

أما السبب الثاني، فهي التهديدات الأمنية، أي إن السلطة في دمشق تشكّل تهديداً أمنياً للولايات المتحدة أو إسرائيل، وبالفعل ونتيجة العلاقة المتزايدة مع إيران، باتت السلطة في دمشق تشكل تهديداً متصاعداً للقواعد الأميركية في شمال وشرق سوريا، وقد تعرضت مؤخرا للاستهدفات المتتالية بشكل شبه يومي، عبر أذرع إيران في مناطق غرب الفرات، وأيضاً من الطرف العراقي، ما يعني أن العامل الثاني للتوجه نحو إنهاء حُكم الأسد متوفرٌ أيضا.

فيما يتمثل السبب الثالث بملف حقوق الإنسان، إذ قد يستخدم المحور الغربي، الانتهاكات الواسعة التي اقترفتها القوات السورية، لحقوق الإنسان في سوريا سببا آخرا لإسقاط حكم الرئيس السوري بشار الأسد، وهو عامل متوفر كذلك، وكان آخر الانتهاكات الموثقة في هذا الصدد، تقريرٌ لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، صُدر قبل أيام، واتّهم دمشق باستخدام القنابل العنقودية في إدلب، خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر.

بشار الأسد والمرحلة القادمة

يمكن القول إن القرارات المتعلقة بمصير القيادة السياسية في سوريا، تعتمد على العديد من العوامل، تشمل الوضع السياسي والأمني في البلاد، والمصالح الدولية، ويتطلب أي تغيير في القيادة السورية، حلّاً سياسياً يشمل جميع الأطراف السورية، وهو ما يبدو بعيد المنال، في ظل الانقسام الدولي، وصراع القوى الإقليمية على النفوذ داخل الأراضي السورية، وخضوع الأطراف السورية لتلك القوى العالمية والإقليمية.

في حال الإطاحة بالرئيس الأسد عسكرياً، فإن الأمور قد تأخذ منحى النموذج العراقي، الذي جرى تعديله من النظام المركزي إلى نظام فيدرالي للبلاد، وهو يبدو الحل الأقرب للتطبيق بسوريا، في ظل الانقسام العِرقي والشرخ الطائفي الذي صنعته الحرب السورية.

ولعلّه مِن المفيد هنا، التذكير بما قاله بنيامين نتنياهو، بعد هجوم “حماس” مؤخرا، عندما هدد بتنفيذ ضربات عسكرية مباشرة تستهدف حكم الرئيس بشار الأسد، متابعاً، “إذا قرر حزب الله الدخول في الصراع، ستتخذ إسرائيل إجراءاتٍ لتفكيك حكم الأسد، الذي هو حليف رئيسي للحزب في دمشق، قد يمتد رد فعل إسرائيل إلى حدّ استهداف وتحييد الحراسة الشخصية للرئيس السوري بشار الأسد”.

كيف سترد روسيا وإيران؟

لروسيا وإيران، مصالح متداخلة في سوريا، وقد تعاونتا بشكل وثيق لدعم دمشق، ويمكن القول إن الهدف الرئيسي لروسيا وإيران، كان منعُ تغيير شكل الحكم الحالي في سوريا، وقيام نظام مدعوم من الولايات المتحدة.

وقد قدّمت روسيا، الدعم العسكري والأمني لدمشق، بينما قدّمت إيران الدعم الاقتصادي والمالي، لكن على الرغم من الضغوط الأميركية والإسرائيلية على روسيا للسيطرة على الوضع العسكري لإيران في سوريا، فمن غير المرجّح أن تتمكن روسيا من التحكم في الموقف العسكري لإيران في سوريا، أو وقف الإمدادات إلى “حزب الله” اللبناني، والجماعات الموالية لإيران في المنطقة.

ويعني ذلك بأن احتمالية امتداد الحرب إلى سوريا مرتفعة جدا، وفي تلك الحالة، إن حاولت القوى الغربية الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، من المتوقّع أن تردّ روسيا وإيران بشكل قوي لحماية مصالحهما في المنطقة، وقد يشمل ذلك تقديم المزيد من الدعم العسكري والاقتصادي لدمشق، وكذلك العمل على تعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي لمواجهة أي تحديات، لكنها غالباً لن تُجدِ نفعاً في حمايته من السقوط.

كيف سيكون شكل سوريا؟

إذا تمت الإطاحة بـ بشار الأسد في غضون الأشهر الستة القادمة، عَبر عمل عسكري محدود ربما، فإن الوضع في سوريا سيكون معقّداً، وستحتاج سوريا إلى تأسيس حكومة جديدة والتفاوض على دستور جديد، لكن ذلك ورغم صعوبته، لن يكون مستحيلاً على الولايات المتحدة، التي تمتلك قواعد عسكرية في شمال وشرق البلاد، وعلاقاتٍ مع مختلف المناطق السورية.

يمكن الحديث هنا، بأن تشكيل الحكومة السورية الجديدة، ووضع دستور جديد للبلاد، قد يكون أكثر سلاسة مما حصل في العراق، على اعتبار أن ظروف البلدَين متشابهة إلى حدٍّ بعيد، مع أفضليةٍ تُسجّل للحالة السورية هنا، وهي الوجود الأميركي المسبق على الأرض، وهو ما لم يكن متوفراً في الحالة العراقية، حيث اضطرت الولايات المتحدة إلى شنّ حربٍ شاملة في العام 2003، للإطاحة بحكم صدام حسين، وبناء كل شيء من الصفر.

أما أمنياً، سيحدث فراغ أمني مؤقت في المناطق الخاضعة لسيطرة دمشق، التي تمّثل حوالي 63.38 بالمئة من كامل الأراضي السورية، وتشمل معظم المحافظات الساحلية والوسطى والجنوبية، بالإضافة إلى أجزاء من المحافظات الشرقية وحلب.

لكن المناطق الخاضعة لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، والمناطق الخاضعة لسيطرة فصائل “الجيش الوطني السوري” الموالي لتركيا، لن تتأثر غالباً، إلا في حال تحرّكت أنقرة عسكرياً لاستغلال الوضع ومهاجمة “قسد”، وهو أمرٌ مُستبعد، كونه سيضعها في مواجهة مباشرة مع واشنطن.

أما على الصعيد الإنساني، فستشكل الإطاحة بالرئيس الأسد، فرصة لملايين السوريين الذين فرّوا من الحرب الأهلية، وقد يكون لديهم الرغبة في العودة إلى ديارهم، لتحقيق تلك الرغبة، رغم أن الأمر لن يكون بتلك السهولة، حيث ستكون هناك حاجة إلى إعادة بناء البنية التحتية، وتقديم الدعم الإنساني للمجتمعات المتضررة.

مخاوف إنسانية

يتخوف كثير من السوريين، من تبعات أي تحرّك عسكري أميركي أو إسرائيلي، للإطاحة ببشار الأسد، وهم محقّون في مخاوفهم تلك، لأن السنوات الـ 12 التي مضت عليهم، لم تكن سهلة بالمُطلق، إذ شهِد فيها السوريون على اختلاف ولاءاتهم السياسية، وخلفياتهم العِرقية والطائفية، كوارث، مجازر ومصائب، ضاقوا بها ذرعاً.

بيد أن ذلك لا يمكن أن يوقف حركة التاريخ، التي تقول بأن هناك نهاية لكل “المستبدين ومرتكبي جرائم الحرب”، فيما البقاء هو دائماً للشعوب التّواقة للخلاص ونيل حقوقها، وهو ما يضع السوريين أمام امتحان جديد لتقبّل بعضهم، والإقرار بحقوق الجميع، مُحتّماً عليهم التخلص من تبعات الولاء للقوى الإقليمية، التي تبحث فقط عن مصالحها على حسابهم وأوجاعهم.

ولعل الرهان الوحيد أمام السوريين في تلك الحالة، سيكون على قدرتهم لتجاوز ترِكة حزب “البعث” الإقصائية، وما زرعته قوى الإسلام السياسي من تطرّفٍ وراديكالية، إذ لن يقف أحدٌ أمام استمرار الحرب الأهلية، إلا السوريون أنفسهم، عبر نظام جديد يقوم على الإقرار بكلّ المكونات، كل الحقوق، وكل الواجبات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات