منذ بداية التصعيد في غزة قبل نحو شهر، أثبتت التطورات الإقليمية أن سوريا فقدت دورها فيما يخص لعِب أي دور بشأن قضايا المنطقة، فقد لاحظنا الصمت شبه التام للقيادات في دمشق عن التطورات الحاصلة، وذلك على رغم من أن سوريا تتأثر بشكل مباشر بأي تطور في غزة ودول الجوار، خاصة في ظل الحديث عن احتمالية التصعيد فيما ستكون سوريا المرشّحة الأولى للتحول إلى واحدة من ساحات الصراع.

حديثٌ يجري الآن في الأوساط السياسية عن أن نتائج الحرب في غزة، ستُسفر عن واقع شرق أوسطي مختلف، مبني على نتائج المعركة الحالية، والتي قد تمتد إلى مواقع جغرافية أخرى في حال استمر التصعيد بهذه الوتيرة، وهنا تبدو سوريا منخرطة في أيّ تغيير قد يصيب المنطقة، لكن هل بقي لسوريا دور في صنع القرار.

أثبتت عمليات التصعيد في غزة وطريقة تعاطي دمشق معها، مدى نجاح القوى الدولية في عزل بشار الأسد عن المشهدَين الإقليمي والدولي، وذلك رغم الجهود العديدة التي بذلتها دمشق بدعم من روسيا لإعادة تعويم الرئيس السوري بشار الأسد، على المستويات الإقليمية والعربية والدولية، لكن واقع الأمر يثبت أن الأسد ما زال يعاني من العزلة الدولية.

موقف الدولة السورية

فالقيادة السورية في دمشق لم تجرؤ حتى على إدانة ما يحصل في غزة بشكل صريح وعلني، وهنا يؤكد محللون أن ردود الأفعال السورية توضح إلى أي مدىً أصبح القرار السوري رهينة الدول التي تدخلت في الحرب السورية على مدار السنوات الماضية، فهل تدفع العزلة السورية بشار الأسد إلى أعادة حساباته والقبول بحلٍّ سياسي شامل بهدف عودة سوريا لأخذ موقعها الطبيعي في الشرق الأوسط.

ليس واضحا بعد طبيعة المكان أو المكانة التي ستحظى بها سوريا، في الترتيبات المتوقّعة، لكن من المحتمل أن يجري ترتيب وضع سوريا بدون سوريين، وهو أمر يمكن تلمّس مقدماته، من الصوت السوري الخافت بشدة، وغير المهم ولا المؤثر نظاماً ومعارضة فيما يتصل بالحرب على غزة، خلافا لكل تاريخ سوريا في مسيرة القضية الفلسطينية.

التغيرات الناتجة عن نتيجة المعركة في غزة، بالتأكيد ستشمل سوريا لكن الغائب هنا هو القرار السوري، والغياب هذا بالطبع يمكن تبريره بالحرب التي استهلكت كل الأطراف السورية حكومةً ومعارضةً، وهنا تبدو كلّا من روسيا وإيران المستفيدَين الأبرز، كونهما مهيمنان بشكل واسع على القرار السوري نتيجة دعمهما المطلق لبقاء الأسد على كرسي السلطة.

قد يهمك: الوسيط بشار الأسد.. ما دلالات التعاون بين “فاغنر” و“حزب الله”

فالجانب الإيراني أكّد في عديد المناسبات أنه لن يكون طرفا في الحرب الدائرة بين “حماس” والقوات الإسرائيلية، وذلك بعد أن تلقّى تهديدات قاسية من الطرف الأميركي، وهو الذي بلور إلى حدّ ما موقف دمشق من الحرب، لكن ما زالت هناك مخاوف من إقدام إيران على استخدام الأراضي السورية في حال قررت التراجع عن تصريحاتها والانخراط في الحرب بلحظة قد تخرج فيها الأمور عن السيطرة.

هذا الارتهان السوري لإيران، يدفعنا للحديث عن إمكانية أن يساهم ذلك في إقناع بشار الأسد بضرورة المشاركة الجَدّية في الحل السياسي، في محاولة للتخفيف من مستوى ارتهان القرار السيادي في سوريا لأطراف خارجية.

بالتأكيد فإن دور سوريا الإقليمي لا يمكن له أن يتراجع، وذلك نتيجة موقع سوريا الاستراتيجي في الشرق الأوسط ووجود حدود مشتركة لها مع إسرائيل، لكن ما تراجع بالضبط هو القرار السوري الذي أصبح بيدٍ غير سورية، كما يوضح الباحث السياسي صدام الجاسر.

هل يقتنع بشار الأسد؟

الجاسر قال في حديث خاص مع “الحل نت”، إن الأحداث في غزة ونتيجة الحرب هناك ستؤثر بشكل مباشر على سوريا، كذلك الموقف الإيراني مما يجري، فطهران ستستخدم الأراضي السورية فيما إذا أرادت التدخل في الحرب، لكن الجانب الأميركي كان واضحا بأنه سيردّ بقوة على أي تحرّك إيراني بهذا الشأن.

بالعودة إلى احتمالية إقناع الأسد بضرورة التّوجه لحل سياسي شامل في البلاد، فإن الجاسر أكد على أن الملف السوري لم يعد ملف ذو أهمية على الصعيد العالمي، بل إن الملف السوري صار جزءا من ملف الشرق الأوسط، وهو الملف الذي تعمل الأطراف الدولية على حلحلته من جديد، وسوريا جزء من هذا الملف وليست مستقلّة عنه.

وفق الجاسر، فإن التوقعات لدور الجغرافية السورية في الفترة القادة يتمحور حول نقطتين أساسيتين؛ “حيث سيكون دور سوريا محصورا بالجانب الإيراني في حال نجحت جهود التهدئة في غزة، أو ستكون سوريا مرشّحة لتتحول إلى ساحة صراع ووصول شظايا الحرب إليها في حال امتداد التصعيد إلى خارج حدود غزة”.

إن عودة سوريا لأخذ موقعها، لا يتم بحسب ما أكد الجاسر إلا عَبر إنجاز حلّ سياسي شامل، وهذا الأمر لا يبدو قريب المنال في المرحلة الراهنة، خاصة وأن هناك لاعبينَ أساسيينَ في الملف السوري قد يتعارض هذا الأمر مع مصالحهم، وأبرزهم روسيا التي عرقلت في عديد المناسبات دفع العملية السياسية في البلاد.

هنا أوضح الجاسر قائلا، “روسيا لن ترغب بتدخل سوريا بحرب غزة، وذلك للحفاظ على العلاقة مع إسرائيل والاستفادة من الحياد الإسرائيلي في ملف غزو أوكرانيا، روسيا تعتبر أن نجاحها في منع تدخل الميليشيات في سوريا بالحرب، سيؤدي لوقف دعم إسرائيل لأوكرانيا”.

سوريا خارج نطاق التأثير

إن تهيئة الظروف للعملية السياسية في سوريا، قد يجعل من أمر توسيع الحرب في غزة أكثر تعقيدا لعدم توفّر الساحة المناسبة، إذ إن توافق القوى الدولية على توحيد أطراف الصراع في سوريا على خارطة طريق واحدة، سيقلّل من احتمالية وصول شظايا الحرب إلى البلاد، فهل طريق السلام في غزة يمرّ عبر سوريا.

في كافة الأحوال فإن سوريا اليوم حكومةً ومعارضةً، تبدو خارج مدى التأثير على مستقبل المنطقة وحتى مستقبل سوريا نفسها، إذ نلاحظ أن السلطة مرهونةً لداعميها من الدول ومرتبطة كذلك بخطوط حمراء مع إسرائيل، وكذلك المعارضة بكافة أطيافها تبدو هشّة على المستوى السياسي ولا تتوافق على أي رؤية سياسية من شأنها تقديمها لدمشق أو للمجتمع الدولي للمساعدة في دفع العملية السياسية في البلاد.

مع استمرار ارتهان القرار السوري لعدة دول خارجية، فإن اقتناع بشار الأسد من عدمه بضرورة التوجه لحل سياسي شامل يضمن استعادة سوريا لدورها الإقليمي، لا يبدو بتلك الأهمية، فالأهم الآن اقتناع هذه الدول بسيناريو الحل السياسي، وهو أمر يبدو بعيد المنال، فغياب الحل السياسي عن سوريا يضمن لإيران كما يضمن لروسيا استمرار سيطرتهما على القرار السيادي للدولة السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات