في ظل المتغيرات السياسية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، لا سيما مع بدء التصعيد في غزة بين القوات الإسرائيلية وحركة “حماس”، برزت مؤخرا الجهود الروسية لاستغلال هذا التصعيد والتدخّل أكثر في المنطقة والعبث بأوراق التحالفات في محاولة من موسكو توسيع نفوذها في المنطقة، وإشغال الغرب عن غزوها للأراضي الأوكرانية.

فلا عجب أنّنا وجدنا روسيا التي كانت من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل قبل أكثر من 70 عاما، تقف اليوم ضد القوات الإسرائيلية في تصعيدها ضد الفلسطينيين وحركة “حماس” في غزة، واليوم تستغل نفوذها في سوريا لتغذية هذا التصعيد وتحارب كافة الجهود الدولية للتهدئة ووقف نزيف الدماء.

روسيا تدعم “حزب الله”؟

في إطار سعيها لإشعال التوترات في المنطقة وزيادة تحالفها مع الميليشيات الإيرانية، فإن روسيا تسعى إلى تزويد هذه الميليشيات بمنظومات دفاع جوية، وذلك عبر جعل الرئيس السوري بشار الأسد، وميليشيا “فاغنر” كوسطاء بين روسيا وهذه الميليشيات، وبذلك تتنصل أمام المجتمع الدولي من تهمة دعم الميليشيات الإرهابية التي ستسعى إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة.

an armoured vehicle of the United Nations Interim Force in Lebanon patrols near a billboard with a portrait of Hassan Nasrallah, the head of Lebanon’s powerful Shiite armed group Hezbollah, in the southern town of Adaisseh, on August 30, 2023. UNIFIL was set up in 1978 to monitor the withdrawal of Israeli forces after they invaded Lebanon in reprisal for a Palestinian attack. It was beefed up in 2006 after Israel and Hezbollah fought a 34-day war, and the force, with more than 10,000 troops and naval personnel, is tasked with monitoring a ceasefire between the two sides. (Photo by Mahmoud ZAYYAT / AFP)

معلومات استخباراتية كشفت الخميس، عن تكليف ميليشيا “فاغنر” الروسية بإيصال نظام دفاع جوي إلى “حزب الله” اللبناني، وذلك وفق ما نشرت شبكة “سي إن إن” وصحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر مطّلعة على تقارير استخباراتية أميركية.

بحسب ما نقلت الصحيفة الأميركية، عن مسؤولين أميركيين استعانوا بتقارير استخباراتية. فإن منظومة “إس إي 22″، الذي تخطط المجموعة لإرسالها تستخدم صواريخ مضادة للطائرات ومدافع دفاع جوي لاعتراض الطائرات، وقال مسؤول أميركي إن واشنطن لم تؤكد إرسال النظام بعد، لكن المسؤولين يراقبون المناقشات بين “فاغنر و”حزب الله”، ويشكّل التسليم المحتمل مصدر قلق كبير.

وفق التقارير الأميركية، فإن عملية الإرسال ستكون عبر الرئيس السوري بشار الأسد، الذي سيلعب دور الوسيط في هذه العملية ما يطرح التساؤلات عن دور الأسد في تعزيز التحالف الروسي الإيراني، وانعكاسات ذلك على سوريا في ظل التوترات التي تعصف بالمنطقة، والمخاوف المتعلقة بأن تتحول سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.

دور بشار الأسد

محللون أكدوا أن موافقة بشار الأسد على الانخراط بهكذا عملية، ستكلّف سوريا الكثير خلال الفترة القادمة، فاستخدام “حزب الله” لهذه المنظومة ضد القوات الأميركية أو الإسرائيلية، سيعني فتح جبهات إضافية ضد دمشق، وذلك على اعتبار مشاركة الأسد في عملية تزويد المجموعات المصنّفة على قوائم الإرهاب بأسلحة نوعية، إضافة إلى انتشار هذه الميليشيات أصلا على الأراضي السورية.

الباحث المختص في العلاقات الدولية الدكتور عمر عبد الستار، رأى أن روسيا تسعى لتقوية تحالفها مع إيران عبر دعم الميليشيات الإيرانية في الشرق الأوسط، وذلك على اعتبار أن المعركة القادمة هي في هذه المنطقة بعد معركة أوكرانيا، مؤكدا أن ما تُقدِم عليه روسيا من تأمين غطاء للميليشيات الإرهابية هو مؤشر خطير على انخراط روسيا في الإرهاب الدولي.

لكن روسيا ومنذ بدء عمليات الغزو للأراضي الأوكرانية، كان واضحا أنها تحارب القانون والنظام الدوليين، ويجاريها بذلك منذ زمن النظام الإيراني المعروف بمشاريعه العِدائية في الشرق الأوسط ودعمه للميليشيات الإرهابية في المنطقة، لذلك فإن التحالف الروسي الإيراني لم يكن يوما مستغربا، لكن يبدو أن معالمه بدأت تتضح هذه الأيام عبر هذه العمليات.

قد يهمك: مشروع قانون يدين دعم المنظمات الإرهابية بواشنطن.. وبرلين تحظر “حماس”

حول ذلك أضاف عبد الستار، “بوتين بالنسبة للغرب منقلب على النظام الدولي وهذا ينسجم مع دول مثل إيران، فالتعاون يبدو منطقيا بين هذه الدول، وروسيا ستستخدم النفوذ الإيراني وبشار الأسد بغطاء فاغنر للوصول إلى حزب الله وتزيده بهذه المنظومات”.

أما عن تبعات المعلومات الواردة في التقارير الأميركية، فيبدو أنها ستتركز في سوريا، إذ إن هذه العملية من شأنها توريط روسيا في مواجهة أخرى مع الغرب والولايات المتحدة، وحتى إن حاولت دمشق التنصل من المسؤولية، فإن أي تحرك لـ”حزب الله” أو الميليشيات الإيرانية باتجاه القوات الأميركية أو الإسرائيلية سيقابله ردّ عنيف على المواقع الإيرانية في سوريا في أفضل الأحوال.

عبد الستار بدوره قلّل من أهمية تزويد روسيا لـ”حزب الله” بهذه المنظومات، معتبرا أن ذلك لن يحمي الميليشيات الإيرانية من الصواريخ الإسرائيلية والأميركية، واستشهد بحدث تزويد روسيا بمنظومة “إس 300” للقوات السورية، والتي بدورها لم تستطيع أبدا الحدّ من الغارات الإسرائيلية على سوريا، التي استهدفت مواقع تابعة للجيش السوري وأخرى تابعة للميليشيات الإيرانية على مدار السنوات الماضية.

حتى الآن لا يوجد تأكيد على إتمام عملية نقل المعدات العسكرية إلى مواقع “حزب الله” جنوبي لبنان، ولأن روسيا ستنفّذ هذه العملية بغطاء ميليشيا “فاغنر”، فإن الموقف الرسمي لـ “الكرملين” سيذهب بالتأكيد باتجاه النفي، حيث قال المتحدث باسم “الكرملين”، دميتري بيسكوف، إن “فاغنر” “بحكم الأمر الواقع” غير موجودة، وبالتالي فمثل هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة.

على الرغم من أن مجموعة “فاغنر” تأسست كمنظمة عسكرية خاصة، إلا أن “الكرملين” تحرّك للاستيلاء على العديد من أصولها منذ مقتل مؤسسها، يفغيني بريغوجين، في حادث تحطّم طائرته في آب/أغسطس الماضي، وفي سوريا، لعبت قوات “فاغنر” دورا مهما في دعم الرئيس السوري بشار الأسد، حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

تبعات التحالف الروسي الإيراني

مراقبون للتغيرات التي تحدث على الساحة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، أكدوا أن زيادة وتيرة التحالف بين روسيا وإيران، من شأنها أن تؤثر بدرجة كبيرة على جهود إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو الأمر ذاته الذي أشار له وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، عندما قال، إن “الصراعات في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط لها روابط واضحة”، مشيرا إلى أنه “منذ قطعنا الوسائل التقليدية لروسيا المستخدمة في تزويد جيشها، فقد تحولت أكثر فأكثر إلى إيران للحصول على المساعدة”.

وفق رؤية الباحث عمر عبد الستار، فإن روسيا تسعى للانخراط في قضايا الشرق الأوسط بشكل متزايد خلال الفترة القادمة، وأوضح ملامح هذا الانخراط قائلا، “أنا اعتقد أن هذه الخطوة تشييدٌ للتحالف بين روسيا وإيران، الذي بدأ إبّان الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، وذلك عبر تأمين غطاء للميليشيات في المنطقة، وهذا أمر خطير جدا تقدم عليه روسيا لرعاية الإرهاب، اليوم تدعم موسكو الميليشيات في لبنان وغدا ربما في العراق، ولكن ما الذي تفعله هذه المنظومات، أعتقد لا يمكن أن تفعل شيء، فعلى سبيل المثال منظومة الـ (أس 300) لم تحمي الميليشيات الإيرانية من الضربات الإسرائيلية في سوريا”.

بالعودة إلى تأثير هذه العمليات على سوريا، فإن الأيادي الروسية ستساهم في إعادة التوتر إلى الأراضي السورية، ضاربة بعرض الحائط كل الجهود الإقليمية لدفع العملية السياسية في البلاد، وقد برزت منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” المخاوف من تحوّل سوريا إلى ساحة حرب، بسبب انتشار الميليشيات الإيرانية في عديد المواقع السورية، كذلك اشتراك سوريا مع إسرائيل بالحدود من منطقة الجولان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات