في ظل الجمود الذي يخيم على مسارات الحل السياسي، يجري الحديث عن إعادة “اللجنة الدستورية السورية” إلى واجهة الحل السياسي في البلاد، يتزامن ذلك مع تقدم الدور العربي في الملف السوري وتراجع الدور الأممي، خاصة في ظل تقارب عدد من الدول العربية مع دمشق، وعودة مقعد الأخير في “جامعة الدول العربية”.

منذ قرابة العام توقفت جولات “اللجنة الدستورية السورية” في جنيف، لأسباب عديدة أبرزها تتعلق بعرقلة روسيا انعقاد الجولة التاسعة لاجتماعات اللجنة، وبينما لم يطرأ أي جديد على عملها منذ تموز/يوليو الماضي، يجري الحديث الآن عن تغيير مكان انعقاد الاجتماعات إلى مدن أو عواصم عربية، الأمر الذي يطرح التساؤلات

الحديث عن نقل مكان انعقاد اجتماعات اللجنة الدستورية بدأ منذ أشهر، حيث تم طرح مدينتين رئيسيتين هما العاصمة المصرية القاهرة والعاصمة العمانية مسقط، إلا أن دمشق رفضت مؤخرا الطرح المتعلق بالقاهرة، بسبب موقف الحكومة المصرية المتعلق بشرط تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وتحديدا القرار 2254، كشرط للتواصل مع دمشق بشأن الحل السياسي.

نقل وشيك لمكان الاجتماعات؟

تقارير عربية أكدت أن الاتفاق على نقل مقر اجتماعات اللجنة بات وشيكا، حيث جرت مداولات واسعة بهذا الشأن في كازاخستان قبيل انطلاق الجولة 20 من مسار “أستانا”، بمشاركة الدول الضامنة ودمشق والمعارضة السورية، حيث تم طرح أسماء العديد من العواصم لاستكمال جولات اللجنة، إلا أنه كان هنالك رفض من دمشق للعاصمة المصرية، في وقت فإت مواقف الدول العربية التي تقاربت مع دمشق مؤخرا قد يكون لها تأثيرا واضحا على مكان استكمال الجولات التفاوضية للجنة.

نقل اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية” إلى مدن عربية، قد يمهد الطريق أمام دور عربي محتمل في الحل السياسي للملف السوري، لكن ماذا يمكن للدول العربية أن تقدم للملف السوري خلال المرحلة القادمة، تزامنا مع التقارب العربي مع دمشق.

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، رأى أن نقل اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية” من جنيف إلى إحدى العواصم العربية لن يقدم أي جديد يُذكر إلى ملف الحل السياسي في سوريا، مشيرا إلى أن المسار الذي يحاول العرب خلقه لدفع الحل السياسي في البلاد، لن يكون له فائدة لأن الدول العربية لا تملك الأدوات الكافية لدفع الحل في سوريا.

معراوي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “أنتجت روسيا اللجنة الدستورية  بعد اجتماعات سوتشي وفرضتها على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي كبند وحيد يمكن مناقشته في إطار حل المسألة السورية، وقبلت به الأمم المتحدة والدول المهتمة بالشأن السوري كنوع من إدارة الأزمة وليس حلّها ولإبقاء شرط وهدف وحيد أنه لا حل عسكري للمسالة السوري بل سياسي”.

قد يهمك: “لا علاقات مع سوريا”.. المتغيرات الإقليمية والدولية تهدد الاجتماع الرباعي؟

خلال الاجتماعات التي جرت على مدار السنوات القليلة الماضية للجنة، سعت روسيا إلى إفراغ حصيلة الجولات من أي نتائج مثمرة، فعرقلت جميع المحاولات الرامية لصياغة دستور جديد، أو التوصل إلى آلية حل من شأنه تنفيذ بنود قرار الأمم المتحدة 2254 المتعلق بالانتقال السياسي للسلطة.

مسارات جديدة؟

كذلك فإن روسيا سعت إلى خلق مسارات جديدة للحل في سوريا بعيدا عن الأمم المتحدة التي أصرت مرارا على بنود 2254، وضمان الانتقال السياسي للسلطة في سوريا، فحاولت طرح أو تحويل الحل السياسي من مسار اللجنة الدستورية إلى مسار “أستانا” برعاية الدول الضامنة.

أما المسار العربي الذي يجري الحديث عنه منذ أشهر ومع بداية التقارب العربي مع دمشق، فأوضح معراوي أن هذا المسار ربما هو المسار الأضعف لدفع الحل السياسي في سوريا، وذلك لأنه لا يتمتع بأي حضور على الأرض.

حول ذلك أضاف، “يمكن أيضا ألا يرقى لتسميته مسارا، بل محاولة بعض العرب للحضور الإقليمي على الطاولة السورية وعدم ترك الشأن للروس والأميركيين والإيرانيين والأتراك، ولا تستطيع الدول العربية وأظنها لا ترغب لو استطاعت، عرقلة تطبيق القرار الدولي وحدوث عملية الانتقال السياسي، حيث أن معظم دول الخليج الفاعلة كانت في الماضي من الداعمين للقوى العسكرية التي حاولت إسقاط الأسد وقبلت به كأمر واقع بعد عدم وجود نيّة أو إرادة دولية لاسقاطه مؤخرا”.

دمشق لم تقبل نقل الاجتماعات إلى القاهرة، بسبب الموقف المصري من مسار المصالحة العربية مع دمشق، حيث تذكر القاهرة دائما أن أي حل سياسي يجب أن يكون تحت مظلة القرار الدولي 2254، وهو ما يزعج دمشق، إذاً فدمشق تفضل بحسب معراوي مسقط، وذلك رد جميل للسلطنة التي لم تقطع علاقاتها يوما مع دمشق بل وكانت أول دولة عربية تستقبل الأسد بمراسم رؤساء الدول.

عمان تملك كل المؤهلات والخبرة لاستضافة هكذا اجتماعات، الا أن رفضا تركيا ومن وفد المعارضة عرقل الانتقال على مسقط حتى الآن، ومن المرجح أن تستضيف أستانا نفسها اجتماعات الدورة التاسعة للجنة الدستورية لعدم اعتراض كل الأطراف عليها.

دور الدول العربية

برأي معراوي فإن الدول العربية لا تستطيع تقديم أية إضافة للملف السوري، “لأنها لا تملك أدوات على الأرض، فضلا عن عدم وجود رغبة في تحدي الإدارة الأميركية والدول الغربية، وبتضافر هذان العاملان  لايمكن أن يتمكن العرب من أي إضافة، خاصة أنهم لم يتقدموا بمبادرة صريحة وواضحة ومكتوبة، بل مجموعة تصريحات وتمنيات على النظام أن يساهم بخلق بيئة تساعد في عودة اللاجئين”.

الدول العربية تدرك بحسب ما أوضح معراوي، أن التقارب مع دمشق “هو تقارب منزوع الدسم لاقتصاره على السياسة وعدم تطرقه للاقتصاد، وهو ما كان يرجوه النظام من الدول العربية الثرية، حيث لا أحد منهم بوارد تحدي عقوبات قانون قيصر، ومستقبلا قد يتم تجميد التقارب تماما عند مستوياته الدنيا الآن”

حتى الآن يبدو المشهد ضبابيا فيما يتعلق بجهود الحل السياسي في سوريا، فهناك آلية فشلت في تحقيق أي تقدم يُذكر عبر الأمم المتحدة وهي ما تزال مستمرة، وهناك جهود قادمة من الدول العربية لدفع العملية السياسية في البلاد، ما يطرح التساؤلات حول إمكانية انتهاء الدور الأممي، أو ظهور آلية مشتركة بين الأمم المتحدة والدول العربية لحل تعقيدات الملف السوري.

في ظل الصراعات الدولية العديدة التي ازدادت وتيرتها خلال السنوات الماضية، انخفض الاهتمام الدولي بالملف السوري إلى أدنى مستوياته خلال 12 عاما، وهو ما جعل الجهود الدولية تتوجه إلى ملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة للمجتمع الدولي على حساب الملف السوري، وهو ربما ما قصده بيدرسن في تصريحات سابقة عندما قال “إن المناخ الدولي يصعّب الحل الشامل في سوريا”.

فيما إذا أخذ العرب المبادرة الفردية من خلال عودة العلاقات مع دمشق، من أجل قيادة العملية السياسية في سوريا، فإن الحضور الأممي سيشهد تراجعا كبيرا في البلاد، لكن ذلك يتوقف على جدوى ما ستقترحه الدول العربية، وقدرتها على إقناع كافة الأطراف السورية بذلك.

لكن المساعي العربية تواجه بالدرجة الأولى عقبة أساسية، وهي مدى استعداد دمشق على تقديم تنازلات فيما يتعلق بالحل السياسي وتطبيق القرارات الأممية، خاصة وأن الأخيرة كانت السبب الأبرز في عرقلة كل الجهود الدولية سابقا، فضلا عن مدى قدرتها في التأثير على حجم نفوذ طهران على الأراضي السورية.

منذ أن أردك المبعوث الدولي تراجع الفائدة من اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية”، لا سيما بعد نتائج آخر جولة التي جاءت مخيّبة للآمال،  كانت هناك العديد من المبادرات الإقليمية والدولية، للبحث عن مسارات جديدة لدفع العملية السياسية في سوريا، وقد طالب المبعوث الدولي في آب/أغسطس الماضي، المجتمع الدولي بفتح مسارات جديدة للحل السياسي في سوريا، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن.

يبدو أننا على أعتاب مبادرة جديدة سيتم صياغتها في إحدى عواصم الدول العربية، ما يعني تجاهل الدور الأممي، الذي أنتج “اللجنة الدستورية السورية”، لكن يبقى التساؤل حول آلية المسار الجديد، وفيما إذا كان سيعتمد على آلية اللجنة الدستورية واستمرار اجتماعاتها سعيا للوصول إلى حل سياسي في البلاد خلال المرحلة القادمة وبمشاركة عربية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات