التقط “الحوثيون” الموقف الحكومي المرتبك وتعمّدوا إحراج السلطة الشرعية بإعلان صوري عن استعدادهم للمضي في مسار السلام وفق مقتضيات خارطة الطريق. فقد أعلنت جماعة “الحوثي”، الاثنين الماضي، جاهزيتها لتوقيع خارطة السلام في اليمن، ودعت “التحالف العربي” إلى اتخاذ خطوة مماثلة “لقطع الطريق أمام تجار الحروب”، وذلك بعد ساعات من تهديدها باستهداف الأراضي السعودية في حال سمحت الرياض باستخدام أجوائها لمرور الطائرات الأميركية والبريطانية لشن غارات على مواقع الميليشيا في اليمن. 

دعوة “الحوثي” لـ”التحالف العربي” إلى توقيع خارطة الطريق لا تخلو من حسابات سياسية تندرج ضمن استفزاز للسعودية، بعدما اشترط زعيم الجماعة ثلاثة اشتراطات لقبول مبادرة اتفاق خارطة الطريق لإحلال السلام في اليمن. 

خارطة “الحوثي” تتمثل في الإنهاء الكامل لما وصفه بـ”الحصار والعدوان والاحتلال” وتبادل الأسرى وتعويض الأضرار”. وهي شروط نفّذت الشرعية والتحالف أهمها وهو فتح المطارات والموانئ، فيما رفض “الحوثيون” المضي في مفاوضات الإفراج عن المعتقلين بعد دعوة الحكومة اليمنية الشرعية إطلاق سراح جميع الأسرى مقابل الجميع وهو ما رفضته الجماعة أيضا.

دوامة حرب جديدة

زعيم جماعة “الحوثي” في كلمة له عشية الذكرى التاسعة لانطلاق عمليات التحالف العربي في اليمن، الموافق 26 آذار/مارس 2015، تابع متخبطا حيث اتّهم كل من السعودية والإمارات بالاستمرار “في المماطلة الواضحة من استحقاقات السلام في ظل المرحلة الراهنة. 

عودة الحوثي لقوائم الإرهاب تكتيكات أميركية جديدة لردع إيران؟ (3)
رجل يمني يشاهد خطابًا بثًا للمتحدث العسكري الحوثي العسكري العميد العميد يحيى ساري على شاشة التلفزيون فيما يتعلق بالهجوم على سفينة زوغافيا في البحر الأحمر ، في 16 يناير 2024 ، في منزله في صنعاء، اليمن. (تصوير محمد حامود/غيتي)

وطالب الحوثي، “بسرعة الانتقال من مرحلة خفض التصعيد إلى استحقاقات السلام إذا كانوا يريدون فعلا السلام”. وفق وكالة “سبأ” التابعة للجماعة. 

وأشار زعيم “الحوثيين”، إلى أن “اليمن لا يمثّل خطراً على أحد، وكل من لديه مشكلة مع الجماعة يمكنه حلّها بالحوار”. 

في هذا الصدد، يرى الباحث المختص في الشأن اليمني، عبدالله المهدي، في حديثه مع “الحل نت”: أن ما يفعله “الحوثيون” بدايةً من التصريحات وحتى الهجمات ماهي إلا أجندة إيرانية بامتياز تم الاتفاق عليها بشكل مسبق. 

فإيران ترسم تحركات “الحوثيين” وتعمل على توجيه رسائل للغرب عن طريق الهجمات على السفن الدولية ، وإيران وهي تعترف بهذا وترى أن “الحوثيين” هم “محور المقاومة”؛ لهذا تعمل على استخدامهم كورقة رابحة في التفاوض مع الولايات المتحدة للحصول على المكاسب وكوسيلة مباشرة للضغط على السعودية ودول “التحالف الدولي”.

ويأتي هذا بالتزامن مع اختتم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانز جروندبرج، الاثنين، زيارة إلى مسقط، وإعلانه أمام مجلس الأمن الدولي، أنه يخشى من غرق اليمن في “دوامة حرب جديدة” وسط الهجمات المستمرة التي تشنّها ميليشيات “الحوثي” المدعومة من إيران ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن. 

يشنّ “الحوثيون” منذ 19 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، هجمات على السفن المبحرة عبر البحر الأحمر وخليج عدن، بدعوى أنهم يدعمون الشعب الفلسطيني في الحرب الإسرائيلية ضد غزة. 

وقد نفت الحكومة اليمنية الشرعية هذا الادعاء، قائلة إن “الحوثيين” ينفذون أجندة إيرانية. فيما عرقلت هجمات “الحوثيين” جهود السلام الأخيرة التي بذلها غروندبيرغ، إذ كان على وشك تحقيق انفراجة بشأن خارطة الطريق التي تشمل التدابير الإنسانية وإطلاق عملية سياسية شاملة.

تصريحات متناقضة لـ”الحوثيين”

يرى متابعو الشأن اليمني، أنّ التقلّب في مواقف “الحوثيين” يحيل على عدم جديّتهم في الدخول في مسار سياسي يفضي بالفعل إلى حلّ الأزمة اليمنية سلمياً، وما يقومون به مجرّد تلاعب بورقة السلام لكسب الوقت وتحصيل المزيد من المكاسب. 

جماعة الحوثي إيران اليمن
في هذه الصورة المنشورة التي قدمتها وكالة سبأ للأنباء التي يديرها الحوثيون، يلتقي الوفدان العماني والسعودي بمسؤولين حوثيين في 09 أبريل 2023 في صنعاء، اليمن. (وكالة سبأ للأنباء)

فضلا عن استغلالهم لارتباك خصومهم وتحديدا السلطة اليمنية المعترف بها دوليا بقيادة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي. وخرجت السلطة عن الخط المتوافق عليه مع السعودية والأمم المتحدة بشأن دعم جهود السلام والالتزام بالسير في نهجها، وذلك عندما أعلن رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك خلال اتصال مرئي أجراه مع سفراء اليمن في الخارج عن توقّف خارطة الطريق المعلن عنها. 

كما قال المتحدث باسم “الحوثيين” في مقابلة مع قناة “المسيرة” يوم 25 مارس/آذار، إن المتمردين “الحوثيين” في اليمن هددوا باستهداف المنشآت النفطية السعودية إذا سمحت البلاد للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة باستخدام مجالها الجوي لمواجهة هجمات الجماعة. 

وقال عضو المجلس السياسي الأعلى لجماعة “الحوثي”، محمد على الحوثي، “وجهنا رسالة إلى السعودية مفادها أنها ستكون هدفا إذا سمحت للمقاتلات الأميركية باستخدام أراضيها أو مجالها الجوي في عدوانها على اليمن”.

وقد كثّف “الحوثيون” هجماتهم على طول باب المندب، وهو ممر حيوي يتم من خلاله تداول 10 بالمئة من النفط العالمي منذ بداية الصراع بين إسرائيل و”حماس” في تشرين الأول/أكتوبر 2023، مما دفع العديد من سفن السفن العالمية إلى إعادة توجيهها عبر طريق رأس الرجاء الصالح الأطول. 

على الأرض، صعّد “الحوثيون” هجماتهم في محافظتي مأرب وتعز، مما أثار مخاوف من أنهم يسعون إلى إنهاء الهدنة الهشة واستئناف المعارك. كما استغل “الحوثيون” الحرب في غزة لتجنيد آلاف المقاتلين الجدد. 

وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، قال إن “الحوثيين” استخدموا الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في الهجوم على البلق الشرقي في مأرب، مؤكداً أن الميليشيات ستستمر في “استثمار تمثيليتها في البحر الأحمر و التعاطف الشعبي مع الشعب الفلسطيني”. وتجنيد المزيد من المقاتلين وجمع المزيد من الأموال لاستخدامها في تصعيدهم ضد المدن والقرى وقتل اليمنيين. 

المهدي في أثناء حديثه مع “الحل نت”، قال: “كيف يمكن أن يقول المشاط رئيس المجلس الأعلى السياسي للحوثيين إن الحوار هو طريق التفاهم في الوقت ذاته أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا إيرانيا على مدينة مأرب عندما كان الناس يفطرون في رمضان، أين هو التفاهم والحوار، أن الحوثيين لا يملكون من الأمر شيئا فهم مجرد أداة خراب في أيادي إيرانية”.

السعودية تتمسك بالحلّ السلمي

على الرغم من الضغوط التي تمارسها جماعة “الحوثي” خلال التصريحات المستفزة والتهديد باستهداف المنشآت النفطية السعودية، إلا أن الرياض لم تلقي لهم بالاً لأنهم في نهاية مجرد كومبارس في رواية إيرانية أوهمتهم أنهم فيها أبطال. 

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان (على اليمين) يلتقط صورة مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان. (تصوير متين قاسمي/ بورنا نيوز)

وأظهرت السعودية خلال لقاءٍ جمع مؤخّرا بين وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان ورئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك، مجدّدا اهتمامها بجهود السلام في اليمن. وقالت وكالة الأنباء السعودية، إنّه جرى خلال اللقاء بحث “الجهود القائمة لدعم سير العملية السياسية بين الأطراف اليمنية ومسار السلام لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن”. 

كما أشار الأمير خالد عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا)، إلى أن محادثاته مع بن مبارك شملت “مساعي استكمال تنفيذ خارطة الطريق برعاية الأمم المتحدة”. ويظهر إصرار الرياض على مواصلة جهود السلام في اليمن رغم التعقيدات الكبيرة التي طرأت عليها مع انخراط جماعة “الحوثي” في استهداف حركة الملاحة في البحر الأحمر. 

فضلا عن عدم استعداد السعودية للتفريط في ما تمّ تحقيقه من تقدّم ضئيل باتجاه الحلّ السلمي في اليمن، وذلك بفضل ما أبدته المملكة من مرونة إزاء جماعة “الحوثي” تجلّت في دخولها في محادثات مباشرة معها وإيفادِ ممثلين لها إلى صنعاء، واستقبال ممثلين للجماعة في الرياض. 

ولهذا تغاضت المملكة العربية السعودية عن الخطاب المتشائم لكل من الأمم المتّحدة والحكومة اليمنية بشأن مصير جهود السلام في اليمن وأعلنت مواصلتها العمل على إيجاد حل سياسي للصراع في البلاد. كما لعبت السعودية فيما سبق بشكل كبير دورا هاما في محاولة تقريب وجهات النظر بين المتحاربين في اليمن على وقع علاقاتها مع إيران الداعم الأكبر لـ”الحوثيين”. 

يشهد اليمن، منذ نحو عامين، تهدئة من حرب بدأت قبل نحو 9 سنوات بين القوات الموالية للحكومة الشرعية مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، وقوات “الحوثيين” المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات ومدن بينها صنعاء منذ أيلول/سبتمبر 2014. 

ومع هذا فقد صرّح محمد على الحوثي عضو المجلس السياسي للجماعة بلغة أكثر حدّة وأقلّ مهادنة للأطراف المعنية بتحقيق السلام في اليمن: إنّ “الحاصل بين جماعته والسعودية هو خفضٌ للتصعيد وليس هدنة”، موجّها نقده للمملكة بالقول “قائدة العدوان بعد أميركا (وفق تعبيره) المراوغة ليست في صالحها”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة