لقاءات جمعت قادة حركة “حماس” وميلشيات “الحوثي” المدعومة من إيران، لجهة “تنسيق أعمال المقاومة” ضد إسرائيل، وفق ما نقلت “وكالة الصحافة الفرنسية” عن مصادر فلسطينية، وذلك بما يؤشر إلى درجة التنسيق التي تقوم بها تلك الفصائل المسلحة. 

بل إلى أكثر من ذلك، هو ارتباطاتها المباشرة والعضوية بإيران على مستوى حركي تنظيمي وسياسي هائل، يترتب عليه محاولة فرض مقاربتهم الإقليمية، وتحقيق مصالح طهران المباشرة من خلال التصعيد أو التهدئة. حيث إنها باتت كتلة تنظيمية في قبضة “الولي الفقيه” تتحرك بناءً على أجندتها الجيوسياسية.

المنطقة مهددة بهيمنة إيرانية

أحد هذه المصادر الذي طلب عدم الكشف عن هويته لـ”الوكالة الفرنسية”، قال إن “اجتماعاً مهمّا عُقد الأسبوع الماضي شارك فيه قادة كبار من حركتي حماس والجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع حركة أنصار الله اليمنية”. 

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل (وسط) والقيادي البارز في حماس إسماعيل هنية (يسار). (تصوير أحمد جاد الله – رويترز)

وتابع: “تمّت مناقشة آليات التنسيق بين هذه الفصائل بشأن أعمال المقاومة في المرحلة المقبلة”. فيما نقلت الوكالة ذاتها عن مصدر ثانٍ طلب هو الآخر عدم الكشف عن هويته قوله، إن “حركة أنصار الله أكدت خلال اللقاء أنّها ستواصل عملياتها في البحر الأحمر ضدّ السفن المتّجهة لإسرائيل، لإسناد المقاومة الفلسطينية”. 

ومن بين ما تم مناقشته بالاجتماع “تكاملية دور الحوثيين مع الفصائل الفلسطينية، خصوصاً مع احتمال اجتياح إسرائيل لرفح”.

وتزامن مع هذا الاجتماع إعلان زعيم “الحوثيين”، عبد الملك الحوثي، توسيع نطاق الهجمات على السفن المرتبطة بإسرائيل لتشمل تلك التي تتجنب العبور في البحر الأحمر وتبحر في المحيط الهندي عبر رأس الرجاء الصالح في أقصى جنوب القارة الإفريقية. 

وفي إطار مواجهة عسكرة “الحوثي” للملاحة الدولية، وتهديد الممرات المائية الدولية بما يهدد مصالح الغرب وواشنطن، لا تتوانى القوات الأميركية والبريطانية منذ الثاني عشر من شهر كانون الثاني/يناير عن القيام توجيه ضربات على مواقع تابعة لـ”الحوثيين” في اليمن. 

وعلى خلفية ذلك، تشنّ ميلشيات “الحوثي” هجمات ضد السفن الأميركية والبريطانية معتبرينَ أن مصالح هذين البلدين أصبحت “أهدافاً مشروعة”.

لقاءات سرّية في عُمان

في سياق آخر لافت، كشفت مصادر إيرانية ومسؤولون أميركيون مطّلعون أن إيران وأميركا أجرت محادثات سرّية وغير مباشرة في سلطنة عُمان مؤخّراً، على الرغم من نفي طهران لهذا الأمر. 

عودة الحوثي لقوائم الإرهاب تكتيكات أميركية جديدة لردع إيران؟ (3)
رجل يمني يشاهد خطابًا بثًا للمتحدث العسكري الحوثي العسكري العميد العميد يحيى ساري على شاشة التلفزيون فيما يتعلق بالهجوم على سفينة زوغافيا في البحر الأحمر ، في 16 يناير 2024 ، في منزله في صنعاء، اليمن. (تصوير محمد حامود/غيتي)

وأوضحت المصادر أن الجانبين ناقشا التهديد المتصاعد الذي يشكله “الحوثيون” على عمليات الشحن البحري في البحر الأحمر، فضلاً عن هجمات الفصائل المسلحة بالعراق وسوريا التي طالت قواعد أميركية، بحسب ما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية. 

وترأس الوفد الإيراني علي باقري كني، نائب وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين النوويين، أما الوفد الأميركي فكان برئاسة بريت ماكغورك، منسّق الرئيس بايدن لشؤون الشرق الأوسط. كما كشف مسؤولون أميركيون أن طهران هي من ألحّت على بلد الوساطة العُمانيين بشأن عقد الاجتماع.

وبحسب المسؤولين، فقد طلبت واشنطن من طهران كبح جماح وكلائها ووقف هجمات “الحوثيين”، واستهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا. وفي المقابل، طلب الجانب الإيراني من إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، التوصّل إلى وقف إطلاق نار في قطاع غزة.

يشير الدكتور كمال الزغول، الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الأميركية، إلى أن الاجتماع السري الذي جرى بين طهران وواشنطن هو تمثيل للاستراتيجية الأميركية التي لا ترغب في حرب شاملة في الشرق الأوسط. 

وأردف قائلاً في تصريحاته لـ”الحل نت”، أن ذلك جاء بعد تنفيذ المليشيات الإيرانية عدة ضربات ضد القواعد الأميركية في العراق والأردن وسوريا، حيث سعى قائد “فيلق القدس”، العميد إسماعيل قاآني، إلى تقليل حجم الرد بعد هجوم قاعدة “التنف” الذي نفذته حركات مدعومة من إيران.

في هذا الصدد، يبدو أن هناك تنافسا واحترافية بين طهران وواشنطن في تبني “الدبلوماسية المكثفة” عبر تبادل الرسائل في ما بينهما مع الإبقاء على نوع من التأثير الإيراني على حركات ما تسمى “المقاومة”. وبنفس الوقت الحفاظ على النفوذ المحقق في المنطقة لإيران والمصالح الأميركية في الشرق الأوسط.

كمال الزغول، الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الأميركية

ويقول الزغول: “الاجتماع يبدو أنه بيان إيراني للولايات المتحدة وإرسال رسالة بأن المنطقة معرّضة للاشتعال، إذا لم تتوقف الحرب في غزة؛ لأنها تدرك أن المعنى الحقيقي لاقتحام رفح وإنهاء حُكم حماس، في غزة اليوم التالي للحرب هو يعنى إنهاء حزب الله في لبنان”.

“حزب الله” أهم من غزة

اجتماع حركة “حماس” و”الحوثيين” السري في اليمن يبدو أنه نقطة تحول وضغط على المجتمع الدولي للضغط على الحكومة الإسرائيلية بعدم اجتياح رفح، لضمان توقف هجوم “الحوثيين” على السفن التجارية الدولية.

نائب رئيس “حماس” في غزة خليل الحية وممثلها في لبنان أسامة حمدان يتحدثان إلى الصحافيين بعد لقائهما مع نصر الله – رويترز

من الواضح جداً أن إيران باتت تسعى لإيجاد حل لمشكلة الأسرى في غزة ووقف الحرب كمسار أساسي نحو التهدئة؛ لأن المعضلة لا تتعلق فقط في غزة وإنما تخص توسع مسرح العمل في كل المنطقة، وهنا القصد “حزب الله”. 

أصبحنا نرى أن إيران أرادت إرسال رسالة مفادها أن حركات “المقاومة” ستقوم بالتصرف لوحدها. لذلك؛ نرى التنسيق الخفي بين حركات “المقاومة” نفسها مما سيزيد التعقيدات في حل المسألة؛ لأنها حركات لا يمكن التفاوض معها بدون وسطاء مؤثرين كإيران أو غيرها. 

بدوره يصف السياسي الفلسطيني زيد الأيوبي، موضوع المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية في سلطنة عُمان خلال شهر كانون الثاني/يناير، بأنه قديم جديد.

ويتابع الأيوبي تصريحاته لـ”الحل نت”، بقوله إن ما تداولته وسائل الإعلام والمصادر بكون تلك المفاوضات هي “من أجل تسوية بعض المسائل التي لها علاقة بجماعة الحوثيين ونشاطاتهم بالبحر الأحمر فضلاً عن تسوية سقف الصراع في النقاط الساخنة والتي تعد طهران ركناً أصيلاً فيها عبر جماعاتها الوظيفية وميليشياتها سواء في لبنان أو اليمن والعراق؛ وبالتالي وضع حد لتصاعد الخلافات”.

في اعتقادي، والحديث للسياسي الفلسطيني، أن النظام الإيراني في طهران يستثمر ما جرى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وتداعياته، في كافة مسارح الأحداث التي أشعلتها جماعات طهران، خاصة في البحر الأحمر، مما يعني استهداف الأمن الملاحي، وتهديد الاقتصاد العالمي، كأعمال تكتيكية لهدف استراتيجي، وهو الجلوس مع واشنطن لتنظيم سيناريو الشرق الأوسط وتراتبية التأثير والنفوذ.

ويتابع المحلل السياسي الفلسطيني، بقوله إن ذلك كله يشي بيقين أن هذا المشهد بعد مضي نحو ستة أشهر على انطلاقه، يدل على أن ما عُرف بـ”طوفان الاقصى” جاء بترتيب منظم في ما بين حركة ” حماس” ونظام طهران، بهدف تحقيق مصالح إيران وليس من أجل تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني.

ويرجّح تبعاً لذلك، أن تواصل إيران العمل على الاستثمار في ذلك، وربما ذلك يبدو متّسقا مع ما تم تداوله في الأيام الماضية عن قيام الولايات المتحدة باتخاذ قرار بالإفراج عن مليارات محتجزة لها علاقة أو مملوكة لإيران، منها ما هو موجود في بنوك قطرية ومنها ما هو موجود في بنوك أوربية وغيره.

رسائل مبطّنة

بناءً على ما سبق، يبدو أن التنظيم الذي أنتجه ولاية الفقيه في طهران يحصد “وحيداً ثمار الهجمات المباغتة لحماس على إسرائيل، ومهدت الطريق لطهران حتى يبدو متاحاً لها المجال للتفاوض والتموضع السياسي والإقليمي على هامش المتغيرات التي تعصف بالوضع الإقليمي والدولي، وكل ذلك على حساب الشعب الفلسطيني”.

سيكولوجية القتلة عن سلوك الميليشيات الإيرانية والعنف في سوريا (4)
لوحة إعلانية ضخمة في ساحة انقلاب، تصور قاسم سليماني وهو يسلم الأسلحة إلى حماس. بالنص: هذا الرجل ملأ جيوب الفلسطينيين. في 20 يناير 2024 في طهران، إيران. (تصوير ماجد سعيدي/ غيتي)

أما ما يتعلق باجتماعات لفصائل فلسطينية مع جماعة “الحوثي”، يرى الأيوبي أن ذلك “مرتبط تماماً بالمباحثات الجارية بين تنظيم الملالي وواشنطن. لأنه هناك بعض الترتيبات التي من الممكن أن تتفق عليها إيران مع أميركا لابد من تنفيذها. وبالتالي هذا الاجتماع له علاقة بإصدار تعليمات من مرشد إيران لوكلائهم و أذرعهم في المنطقة العربية سواء كان حماس الجهاد الإسلامي وحزب الله وجماعة الحوثي وغيرهم، وأنه يتعين عليهم الالتزام بأي اتفاق يتم تكريسه بين طهران وبين واشنطن”.

وفي ذات الوقت هذه التنظيمات تجتمع اليوم من أجل وضع خطة جديدة لما بعد الحرب على غزة؛ بل تفكر في النمط الذي ستكون عليه “حماس” بعد انتهاء الحرب على مستوى قطاع غزة، وكذا على مستوى فلسطين، خصوصا وأنه هناك جزء كبير من “حماس” موجود في بعض المخيمات الفلسطينية ولديهم تحالفات مع “حزب الله” وجماعة “الحوثي”، وفق الأيوبي.

من جانبه يرجّح طارق الشامي، الكاتب المختص بالشؤون الأميركية، في حديثه لـ”الحل نت”، أن تسريب خبر اجتماع “حماس” و”الحوثيين” في بيروت وتزامنه مع كشف خبر اجتماع سلطنة عُمان كان مقصوداً من أجل تأكيد فكرة أن إيران لم ترضخ لواشنطن، خاصة مع تزامن تصريحات “الحوثيين” بامتلاكهم صاروخ جديد متوسط المدى وتهديدهم باستهداف سفن إسرائيل التي تتجه إلى رأس الرجاء الصالح حول إفريقيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات