كل يوم، تزداد نقمة اللبنانيين على هيمنة “حزب الله” في لبنان واحتكاره لقرار السّلم والحرب، ويبدو أن فتحه لجبهة الجنوب اللبناني منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، سبّب خسائر عديدة للبنان المنهك اقتصادياً ومعيشياً. 

لكن التطوّر الذي حصل منذ أيام قليلة في رميش، البلدة الجنوبية المسيحية شكّل ما يُشبه انتفاضة لمسيحيي الجنوب ضد المغامرات غير المسؤولة التي يقوم بها عناصر “حزب الله” متذرعاً بنصرة غزة، فيما هو ينفّذ رغبات مرجعيته الإيرانية في ما يُسمى “محور المقاومة”، علماً أن تصرفات “الحزب” وإطلاقه الصواريخ من الأماكن المأهولة يُعرّض سكّان البلدات والقرى الجنوبية لخطر القصف الإسرائيلي.

واللافت أن ما حصل في رميش، يحصل في كل البلدات الجنوبية، إلا أن رميش وعين أبل والقليعة والقوزح ودبل وعيتا الشعب وغيرها ليست بيئة حاضنة لـ”حزب الله”، ولا تخاف من سلاحه وبطشه، وبالتالي ترفض أن تكون ساحاتها وأراضيها وبيوتها منصات لإطلاق الصواريخ، لتأتي إسرائيل وتقصفها من دون أي مراعاة لوجود مدنيين!

انخراط مجبر في الحرب

ما حمى هذه القرى والبلدات حتى اليوم أن سكّانها المسيحيون لم ينزحوا منها، بل قرروا الصمود، وربما هذا الأمر أزعج “حزب الله” الذي يريد أن يستبيح كل شبر من الجنوب ليقوم بعملياته العسكرية.

سحابة من الدخان تتصاعد بعد قصف مدفعي إسرائيلي على مشارف عيتا الشعب، على طول الحدود الجنوبية للبنان مع شمال إسرائيل في 12 نوفمبر 2023، (تصوير وكالة فرانس برس)

والمفارقة أن أهالي رميش الذين يتبعون التقويم الغربي احتفلوا بعيد الشعانين يوم الأحد، كالعادة، وأظهرت الصور حشوداً كثيفة في الكنائس وفي ساحات البلدة، ما دفع الجيش الإلكتروني لـ”حزب الله” إلى انتقادهم، معتبراً أن هذه المظاهر لا تتناسب مع أجواء الحرب والضحايا التي تسقط، علماً أن “الحزب” هو المسؤول الأساسي عن سقوط هذه الضحايا بعدما اختار أن يواجه إسرائيل انطلاقاً من الحدود اللبنانية الجنوبية، فيما بقيت كل الجبهات المحيطة بإسرائيل هادئة كالأردن ومصر وسوريا!

رئيس مركز حزب “القوات اللبنانية” في رميش، غابي الحاج، ذكر لـ”الحل نت” ما حصل منذ أيام قليلة: “قبل أيام من وقوع الحادثة الأخيرة شاهدنا دخول سيارة بزجاج داكن إلى البلدة، متوغلة في أزقة البلدة، وقد حاول أهالي البلدة الاستفسار من صاحب هذه السيارة عن سبب زياراته المتكررة”. 

كان الجواب بحسب الحاج: “نحن من المقاومة ولا أحد يقترب منا”، وقد حصل سجال معه. إلا أنه يوم 25 آذار/مارس شوهدت مجموعة من “حزب الله” قرب منزلين لعائلتين مهاجرتين، وكانت تريد نصب راجمة لإطلاق صواريخ من هناك. 

لكن صهر العائلة شاهدهم، وطلب عدم ضرب الصواريخ كي لا تردّ إسرائيل وتدمر المنزلين، فأجابوه: “بيوتكم مش أحلى من بيوتنا”، فتلاسنا، عندها أطلقوا النار فوق رأسه.

ويلفت الحاج إلى أن صهر العائلة توجّه نحو ساحة البلدة ودقّ جرس الكنيسة، فتجمّع الأهالي وذهبوا جميعاً إلى المنزلين ليمنعوا المجموعة من إطلاق الصواريخ، إلا أن عناصر “حزب الله” غادروا، وأطلقوا صاروخين من مكان آخر، فاستعان الأهالي بالجيش اللبناني.

استيلاء متعمّد

رئيس بلدية رميش، ميلاد العلم، أكّد لـ”الحل نت”، أن البلدة مكتظة بالسكّان ويقيم فيها ما لا يقل عن 7000 نسمة، وإذا أطلق “حزب الله” أي صاروخ من البلدة فسيؤدي إلى خسائر مادية وبشرية كبيرة.

في هذه الصورة الأرشيفية التي قدمها المكتب الصحفي للحكومة الإسرائيلية (GPO)، نساء لبنانيات يمررن تحت أنقاض موقع مسلح مدمر خلال حملة “سلام الجليل” العسكرية الإسرائيلية في تموز (يوليو) 1 تشرين الأول 1982 في عين الحلوة في لبنان. (تصوير يعقوب ساعر/غيتي)

لم يحاول العلم أن يتصل بـ”حزب الله”، ويوضح أن “مرجعيتنا هي الدولة والجيش اللبناني، وقد تواصلنا معه ولبّى طلبنا وسيطر على الوضع. المشكلة انتهت هنا بالنسبة إلينا، وهدفنا أن نحمي أهلنا فقط، ونحن نعيش مع جيراننا في القرى المجاورة بسلام، لكن البعض يبدو أنه لا يتقبّلنا، وبالتالي هذا شأنه”.

ولا بدّ من التذكير بأن الإشكالات ما بين أبناء رميش وجمعية “أخضر بلا حدود” التابعة لـ”حزب الله” تعود إلى العام 2016، إذ تقوم هذه الجمعية بالاعتداء على أراضي أهل البلدة وأملاكهم حيث تقوم هذه القوى بجرف مساحات واسعة من الأراضي واقتلاع أشجار وإقامة إنشاءات، واستعمال معدات ثقيلة للحفر في أحراش تعود ملكيتها لأهالي رميش.

لكن ما حصل في رميش منذ أيام قليلة ويحصل كل يوم في القرى والبلدات المسيحية الجنوبية يُذكّر بكلام سابق للبطريرك الماروني، بشارة الراعي، الذي قال: إن “أهالي القرى الحدوديّة في الجنوب يرفضون أن يكونوا رهائن ودروعاً بشريّة وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة، وفي حرب لا شأن للبنان فيها، ولثقافة الموت التي لم تجرّ على لبنان سوى الانتصارات الوهميّة و الهزائم المخزية”.

لكن الراعي بعد كلامه هذا، تعرّض لحملة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل مناصري “حزب الله”، اتهمته “بخدمة إسرائيل” بهذا الخطاب. علماً أن  مواقف أبناء القرى المسيحية الحدودية، تنسجم مع مواقف البطريرك الراعي والزعماء المسيحيين الذين عبّروا بوضوح، عن رفضهم جرّ البلد إلى الحرب نصرة لغزة والفلسطينيين.

ولا شك في أن مواقف البطريرك والزعماء المسيحيين لا تأتي من العدم إنما بسبب شكاوى رعاياهم المسيحيين وحتى الكثير من الشيعة الذين يعيشون في قرى تتعرض على مدار الدقائق للقصف والتهجير، بسبب رعونة بعض من يطلقون على أنفسهم صفة “مقاومين”. 

عناصر “حزب الله” يتجولون بين أحياء القرى ويطلقون قذائفهم بلا هوادة من بين البيوت والأزقة الضيقة، فيردّ عليهم الإسرائيليون بقصف أعنف وتدمر البيوت والممتلكات، من دون تحقيق أي هدف حربي أو “انتصار” كما يدّعون دائماً.

عبء “حزب الله”

مصادر في المعارضة اللبنانية تعتبر أن موقف أهالي رميش منطقي وطبيعي، لأن اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً يرفضون أن يقرر “حزب الله” الحرب، فلو كان الجيش اللبناني يقاتل ضدّ إسرائيل بقرار من الحكومة لكان أهالي رميش وكل أهالي القرى الجنوبية كلهم وقفوا خلف جيشهم. 

زعيم حزب الله حسن نصر الله يلقي خطابا متلفزا في خربة سلم بجنوب لبنان في 14 يناير 2024، بمناسبة مرور أسبوع على مقتل القائد الميداني وسام الطويل. (تصوير محمود الزيات/وكالة الصحافة الفرنسية)

ولكنهم لن يقفوا خلف حزب شعاره “المقاومة الإسلامية” (والمقصود الشيعية الإيرانية) لا اللبنانية، ويقاتل “على طريق القدس” وليس على طريق سيادة لبنان وكرامة شعبه، ويصادر قرار الدولة ويتّخذ قرار الحرب بطلب إيراني. 

ليس ذلك فحسب، بل ويرفض تسليم سلاحه ويمنع انتخاب رئيس للجمهورية ويعطِّل المؤسسات الرسمية، ويُبقي الشعب اللبناني في انقسام ما بعده انقسام بسبب سلاحه ودوره.

و ردّة فعل أهالي رميش الرافضة استخدام بلدتهم لإطلاق الصواريخ ذكّرت بحوادث سابقة شبيهة حصلت في شويا وخلدة وعين الرمانة والكحالة، أي الوحدة الوطنية المسيحية-الإسلامية الرافضة للسلاح خارج الدولة، ولا يستطيع السلاح غير الشرعي المرفوض من قبل اللبنانيين أن يستخدم أي بلدة لبنانية لا تشكّل بيئة حاضنة لهذا السلاح في سياق حربٍ تخدم المشروع الإيراني لا اللبناني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات