زيارة سريعة، بدأت صباح الأمس وانتهت مساء ذات اليوم، قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والوجهة هي الخليج. الصباح في الإمارات والمساء في السعودية، فما أهداف هذه الزيارة، وما المراد منها؟ أسئلة نحاول الإجابة عليها بالتفصيل عبر السطور التالية.

في صباح الأربعاء، التقى بوتين برئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في مقر إقامته بقصر الوطن في العاصمة أبو ظبي، قائلا في تغريدة عبر منصة “X”، إنه بحث مع بوتين تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، مردفا أن الإمارات حريصة على بناء جسور التعاون التنموي مع مختلف دول العالم، ودعم كل ما يحقق الاستقرار والازدهار للجميع.

الرئيس الروسي من جانبه قال، إن الإمارات هي أكبر شريك لروسيا في العالم العربي، فيما أشار إلى أن مباحثاته مع بن زايد شملت الوضع الراهن في بؤر التوتر الساخنة، وخاصة على الساحتين الفلسطينية والأوكرانية، موضحا أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفع في العام الماضي بنسبة 67.6 بالمئة، وفي سبيله إلى الازدياد هذا العام، خاصة بعد تعزيز التعاون في النفط والاستثمارات والصناعة.

هنا انتهت التصريحات الرسمية الدبلوماسية فيما يخص زيارة أبو ظبي، وعند الانتقال إلى الزيارة المسائية للرياض، فإن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قال التالي: “نتشاطر اليوم الكثير من المصالح والكثير من الملفات التي نعمل عليها سوياً لمصلحة روسيا والمملكة العربية السعودية والشرق الأوسط والعالم أيضاً”.

هدف اقتصادي للتحايل على العقوبات

في الإطار، نقلت وكالة “تاس” الروسية للأنباء عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، قوله، إن بوتين وبن سلمان بحثا التعاون في إطار “أوبك +”، فيما نقلت وكالة “إنترفاكس” للأنباء عن بيسكوف قوله التالي: “الطرفان متفقان على أنّ بلدينا يتحمّلان مسؤولية كبيرة في التفاعل من أجل الحفاظ على سوق الطاقة الدولية عند المستوى المناسب، وفي حالة مستقرة يمكن التنبؤ بها”.

واقعيا، فإن المملكة العربية السعودية هي الشريك الرئيسي لروسيا في “أوبك +”، في حين أصبحت الإمارات العربية المتحدة، المركز الدولي الرئيسي للشركات الروسية وطريقا مهما للتحايل على العقوبات الغربية، وفق تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.

في سياق الحديث عن الإمارات، فإنها لا يخفى على أحد، تعد شريكا اقتصاديا رئيسيا لروسيا في منطقة الخليج، خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار، حجم التبادل التجاري بين البلدين، إذ يزيد عن نصف حجم إجمالي التبادل التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي قاطبة.

من زيارة بوتين إلى الرياض ولقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان – إنترنت

أما بشأن الرياض، فإن علاقة موسكو معها خاصة؛ لأنها بحسب وكالة “فرانس برس”، تشكل ضمانة لاستقرار منظمة “أوبك +” وأسواق النفط العالمية، وفي هذا الصدد، يعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية غازي فيصل آل سكوتي، أن ملف النفط هو من بين أهم الملفات التي يناقشها بوتين مع بن سلمان.

هدف موسكو من ذلك بحسب حديث آل سكوتي مع “الحل نت”، هو تعزيز تخفيض إنتاج النفط واعتماد سعر معقول من قبل “أوبك +”، بعكس رغبة واشنطن الساعية لزيادة الإنتاج، لأن خفض الإنتاج واعتماد سعر متفق عليه بين الرياض وموسكو سيساهم أكثر بتجنب تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية والأميركية المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا. 

بوتين وكسر طوق العزلة الدولية

بوتين يحاول من خلال زيارته، كسر طوق عزلته الدولية المفروضة عليه من قبل الدول الأوروبية وأميركا بسبب غزوه لأوكرانيا، لأن الحرب قد تتوسع وفقا لفيصل آل سكوتي، الأمر الذي يهدد الأمن الأوروبي والدولي، وهنا الخشية من احتمالية الانزلاق إلى حرب عالمية ثالثة، قد تكون نووية، وهنا لم يجد بوتين خيارا أفضل من الخليج للخروج من عزلته الدولية.

ما يمكن ذكره هنا، أن الرئيس الروسي بوتين، حدّ من رحلاته الخارجية منذ شهر آذار/ مارس الماضي، عندما أصدرت “المحكمة الجنائية الدولية” مذكرة اعتقال بحقه فيما يتعلق باختطاف أطفال من أوكرانيا، لكن الإمارات والسعودية تمثل بالنسبة إلى بوتين “دولا آمنة”، كونهما لم توقعان على المعاهدة، حسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية.

بحسب حديث فيصل آل سكوتي، فإن الزيارة تشكل تحديا للعقوبات الأميركية المفروضة على موسكو من جهة، وتحديا للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط من قبل الإمارات والسعودية، خاصة وأن علاقة البلدين تتطور بشكل ملحوظ مع روسيا، رغم أن الرياض وأبو ظبي لهن علاقات وطيدة مع واشنطن، لكن يبدو أن الدولتين الخليجيتين تسعيان للانفتاح بعلاقتها على الجميع بشكل متوازن.

في السياق ذاته، أشار تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، إلى أنه بالنسبة لدول الخليج العربية، التي تستضيف آلاف القوات الأميركية وتشتري أسلحة أميركية بمليارات الدولارات، تعد زيارة بوتين جزءا من عملية توازن دقيقة تهدف إلى تنويع علاقاتها الدولية وانتزاع أكبر فائدة ممكنة من جميع شركائها الأجانب.

لكن الصحيفة تشير بناء على حديث خبراء ومحللين، إلى أن “بوتين الذي يبحث من خلال الزيارة الحصول على الأسلحة والحلفاء لمواصلة تنفيذ حربه في أوكرانيا، هو يسعى لدق إسفين بين الإمارات والسعودية وبين الولايات المتحدة الأميركية”.

موسكو ومحاولة استعادة الدور بالمنطقة

الجدير بالذكر، أنه لم تتخذ الرياض ولا أبو ظبي موقفا واضحا داعما لموسكو أو لكييف في الحرب المستمرة من قبل روسيا ضد أوكرانيا، إلا أن السعودية كانت قد رفضت التجاوب مع طلب أميركي لزيادة إنتاج النفط الذي ارتفعت أسعاره بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

زيارة بوتين إلى الإمارات والسعودية أتت بعد مرور شهرين على حرب إسرائيل في قطاع غزة، فيما جاءت خطوته أيضا بعد تقارير رصدت “تراجعا لأهمية موسكو في المنطقة” وضعف نفوذ موسكو فيها، خاصة في الواقع السوري، بسبب الحرب التي تقوم بها في أوكرانيا، بالتالي فإن هذه الزيارة، فيها مسعى لمحاولة استعادة دور موسكو في المنطقة، مستغلة انزعاج دول المنطقة من الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل في غزة.

جانب آخر يلفت أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية غازي فيصل آل سكوتي من الزيارة، يتمثل بالتسليح الروسي إلى إيران، إذ لا يستبعد أن الرياض طلبت من بوتين إيقاف هذا التسليح الذي يذهب من طهران صوب الحوثيين الذي يستهدفون السعودية، أو أن يقوم بوتين بمحادثة إيران وقف أي تهديد للرياض. 

محمد بن زايد آل نهيان يستقبل بوتين في أبو ظبي – إنترنت

هنا لا بد من الذكر، أن بوتين في جدول أعماله لقاء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في العاصمة الروسية موسكو مباشرة بعد جولة الإمارات والسعوديى، وبالفعل حدث اللقاء اليوم في الكرملين، ولم يخرج عنه سوى تصريحات دبلوماسية تتعلق بتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، أما الكواليس فتحمل الكثير، وربما ملف دعم الحوثيين من بينها.

بالمحصلة، فإن زيارة الرئيس الروسي إلى الخليج، هدفها، إرسال رسالة بأن موسكو غير معزولة دوليا وأنها موجودة على الساحة أولا، ومحاولة سد ضعف نفوذها في المنطقة بعد غزو أوكرانيا ثانيا، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع أبو ظبي وخفض إنتاح “أوبك +” بالاتفاق مع الرياض لتحجيم آثار العقوبات الاقتصادية الغربية والأميركية على روسيا ثالثا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات