في تطور لافت على مستوى الأزمة اليمنية، بدأ وفد من جماعة “الحوثي” المدعومة إيرانيا والمسيطرة على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى في اليمن، زيارة نادرة إلى السعودية، في خطوة طرحت العديد من التساؤلات حول ما وراء هذه الزيارة، وأهمية الدور الإقليمي والدولي فيما يخصّها، لاسيما في ضوء ما يشهده الملف اليمني من زخم أممي يهدف إلى التقريب بين أطراف الصراع بغية التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب المستعرة منذ أكثر من ثمانية أعوام.

الزيارة النادرة جاءت نتيجة وساطة عمانية، حيث كان وفد من سلطنة عمان -التي تلعب دورا محوريا في عملية المفاوضات بين السعودية والمجتمع الدولي و”الحوثيين” حول التوصل لاتفاق لإنهاء حالة الاقتتال- قد وصل صنعاء أمس الخميس، والتقى خلال زيارته مهدي المشاط رئيس “المجلس السياسي الأعلى” التابع لـ “الحوثيين”، الذي قال في إعلان مثير، بأن الوفد الوطني سيتوجه برفقة الوفد العماني إلى الرياض لاستكمال المشاورات مع الجانب السعودي.

كل ذلك جاء في أعقاب زيارة خاصة أجراها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى سلطنة عمان الاثنين الماضي، ومن المفترض بحسب علي القحوم عضو المكتب السياسي لجماعة “الحوثي”، أن الزيارة ستكون على متن طائرة عمانية إلى المملكة العربية السعودية لاستكمال اللقاءات السابقة بين الطرفين.

ملفات في جعبة الوفد “الحوثي” الزائر إلى السعودية 

القحوم، أشار أيضا إلى أن الزيارة تأتي لاستكمال اللقاءات التي تمت في مسقط لأكثر من مرة مع الوفد السعودي وقبلها في صنعاء لفترتين سابقتين، وكذلك زيارة الوفد السعودي خلال شهر رمضان الماضي، والتي كانت زيارة معلنة، مشيرا إلى أن “التفاؤل ما زال قائما” بشأن نجاح الوساطة والجهود العمانية لتحقيق السلام في اليمن.

يشار إلى أن هذه الزيارة التي يُجريها الوفد “الحوثي” إلى السعودية، هي أول زيارة علنية منذ بدء الحرب في اليمن عام 2015، كما تأتي بعد نحو 5 أشهر على زيارة وفد سعودي إلى صنعاء، التقى خلالها الفريق المفاوض عن “الحوثيين” بحضور الوفد العماني الوسيط، قبل أن تأتي بعد ذلك جولة المبعوث الأميركي الخاص باليمن تيم ليندركينغ، التي دفعت إلى جانب جهود “الأمم المتحدة”، بشكل كبير الملف اليمني.

إلى ذلك، وبينما يلتزم الجانب السعودي الحديث عن زيارة الوفد “الحوثي”، والملفات التي ستتم مناقشتها، أشار المسؤول “الحوثي” إلى أن المواضيع التي ستتم مناقشتها في الرياض بجهود ووساطة عمانية، ستركز على “الملفات الإنسانية”، وعلى رأسها صرف مرتبات موظفي حكومة “الحوثيين” غير المعترف بها دوليا عن طريق السلطة اليمنية، إضافة إلى تدشين وجهات جديدة من مطار صنعاء الذي ظل مغلقا لسنوات قبل أن يسمح “التحالف العربي” بقيادة الرياض، العام الماضي بفتح أجوائه للطائرات إلى الأردن ومصر.

كذلك سيتم مناقشة ملفات “الأسرى والمعتقلين وخروج القوات الأجنبية وإعادة الإعمار”، وفق القحوم، الذي لفت إلى أن، هدف الزيارة هو عقد جولة مفاوضات والتوصل “لاتفاق نهائي بشأن تفاصيل الملفّين الإنساني والاقتصادي”، بعد أن كانت عمان التي يقيم فيها مسؤولون “حوثيون” بينهم المتحدث الرسمي باسم الجماعة محمد عبد السلام؛ قادت جولات سابقة من مفاوضاتٍ عدة مهّدت إلى هذه الزيارة.

حول ذلك يقول رئيس مركز “إبعاد للدراسات والبحوث”، عبدالسلام محمد، إن زيارة “الحوثيين” تأتي كامتداد لاستكمال المشاورات بين السعودية و”الحوثيين”، التي كانت قد بدأت بزيارة السفير السعودي إلى صنعاء في نيسان/أبريل الماضي، كما أنها تمثّل استكمالا للوسائل لتكملة الحوار الذي بدأ في المدينة السعودية ظهران الجنوب عام 2016.

قناعة أطراف الصراع

محمد وفي حديث لموقع “الحل نت”، يرى أن هذه الزيارة هي جزء من الحوارات التي تمت في العاصمة العمانية مسقط، فإن تلك المفاوضات أدت إلى نوع من التفاهمات التي يمكن أن تمضي في إطار معالجة الملفات الإنسانية، ومراعاة جوانبها، لاسيما فيما يتعلق بمسألة الرواتب وحركة الموانئ والمطارات، بيد أنها قد لا تكون كافية لإنهاء مرحلة الحرب باتفاق سياسي في الوقت الحالي.

وفد حوثي يزو السعودية/ إنترنت + وكالات

لكن مع ذلك، يعتقد رئيس مركز “إبعاد للدراسات والبحوث” المختص بالشأن اليمني، أنه بالرغم من أن هذه التحركات قد لا تنتهي باتفاق سياسي ينهي حالة الحرب، إلا أنها قد تمهّد إلى لعمليه سلام خلال الفترة القادمة، لافتا إلى أن الزيارة تمثل تغييرا نوعيا بين طرفي الصراع المتمثل من جهة بالـ “الحوثيين” ومن ورائهم إيران، والسعودية من جانب آخر.

فالسعودية، بحسب محمد، بدأت تتفهّم كثيرا من القضايا التي تتعلق بمصالحها في اليمن، ولذلك أرادت أن تحلّ بعض الإشكاليات بشكل دبلوماسي، بعد أن وجدت أن الحرب غير مُجدية، وفي المقابل أن إيران شعرت بضغط كبير من قبل المجتمع الدولي، وبالتالي أن استمرار تعنّتها بالملف اليمني خلال الفترة القادمة لن يحقق لها شيئا، بل أنها شعرت بأن هذا الملف سيتحول إلى عبء عليها، في حين أنها تريد الاستثمار وجني المكاسب من خلاله في إحداث تجارب بينها وبين السعودية، وهو ما ساعد هذه التطورات الأخيرة.

الباحث والمختص بالشأن اليمني، يرى أن السعودية وإيران وذراعها في اليمن، قد توصلوا إلى قناعة بأن مصلحتهم تتمثل في اللجوء إلى الحوار، والتفاوض خلال المرحلة الحالية، وهو ما أدى إلى النتائج التي نراها في الوقت الحالي في جلسات التفاوض والمشاورات والتجارب في صنعاء والرياض.

حاليا، يعيش اليمن في هدنة غير معلنة منذ انتهاء مدّتها الرسمية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد تجديدها لمرتين منذ نيسان/أبريل الماضي، لذلك أنها هدنة يمكن أن تنفجر في أي وقت، وهو ما تأمل الأطراف الدولية والإقليمية السيطرة عليها وتجاوزه بمعية جميع الأطراف المحلية والإقليمية، وذلك لأن “الحوثيين” ما زالوا يواصلون هجماتهم وانتهاكاتهم من حين لآخر ولم يلتزموا بأي حلول يقترحها الوسطاء.

في سياق الأزمة 

في خضم ذلك، فإنه منذ اتفاق الصلح بين السعودية وإيران في آذار/مارس الماضي، كانت الرياض أول من يتحرك بدبلوماسية نشطة لإيجاد حلول للملف اليمني، دون أن تدّخر جهدا في الاستعانة بكل الأطراف المؤثرة مثل الولايات المتحدة الأميركية أو “الأمم المتحدة” أو حتى الأطراف الإقليمية التي تمتلك علاقات بأطراف الصراع، مثل سلطنة عمان.

“الحوثيون” والسعودية يبدأون جولة مفاوضات متقدمة/ (رويترز)

اليمن يعاني حربا بدأت عقب سيطرة “الحوثيين” على العاصمة صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014، بإسناد من قوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي قُتل في 2017 بمواجهات مع مسلحي “الحوثي”، إثر انتهاء التحالف بينهما.

فمنذ ذلك الحين بدأ النزاع في اليمن، وتصاعد في آذار/مارس 2015، في أعقاب تدخل “التحالف العربي” بقيادة السعودية، لإسناد قوات الحكومة الشرعية في مواجهة “الحوثي” المدعومة إيرانيا.

تلك الأحداث الدامية، أدت حتى نهاية 2021 بحياة 377 ألفا، وكبّدت اقتصاد اليمن خسائر تُقدّر بـ 126 مليار دولار، وفق “الأمم المتحدة”، وبات معظم سكان البلاد البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة يعتمدون على المساعدات، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات