وسط حراك دولي وإقليمي يسعى لوقف الحرب اليمنية القائمة منذ ثمانية أعوام، وفي وقت تجري فيه أطراف يمنية حراكات سياسية استعدادا لحالة ما بعد الحرب، مستفيدة من مصالحة أبرز طرفين إقليميين فاعلين في المشهد اليمني، السعودية وإيران، تأتي تحركات جماعة “الحوثي” في محاولة لنسف تلك الجهود، والعودة إلى دائرة الاقتتال، الأمر الذي فتح باب السؤال عن المصلحة الإيرانية في ذلك.

 إذ تكثف الجماعة المدعومة إيرانيا من تحركاتها العسكرية نحو محافظات جنوب اليمن، وهو ما يؤشر على ساحة المعركة القادمة التي ينوي “الحوثيون” افتعالها، حيث دفعت بآلاف المقاتلين إلى جانب أرتالٍ من الآليات العسكرية باتجاه مدينة الضالع، وذلك بالتزامن مع تعزيزات أخرى وصلت إلى محافظة تعز البوابة الأخرى لمحافظات جنوب البلاد.

تلك الاستعدادات صاحبها إعلان رسمي من قبل “الحوثيين”، بأنهم أصبحوا مستعدين للمعركة القادمة ضد القوات الحكومية اليمنية، حسبما أعلنه محمد العاطفي، وزير دفاع الميليشيا في حكومة الجماعة غير المعترف بها دوليا، والتي تتخذ من صنعاء مقرا لها، قائلا إن قواته وصلت إلى نسبة كبيرة من الاكتفاء الذاتي؛ بدءا من ذخيرة بنادق “الكلاشنكوف”، وصولا إلى الصواريخ الباليستية الاستراتيجية ذات المديات البعيدة. 

“الحوثيون” يهددون من حدود الضالع

ذلك الإعلان جاء خلال زيارة العاطفي لعناصر في حدود الضالع السبت الماضي، ما أكد أن إطلاق هذه التهديدات التي رافقتها رسائل شديدة اللهجة إلى دول “التحالف العربي” الذي تقوده السعودية؛ بأن الجنوب اليمني -الذي يشهد حراكا سياسيا واسعا خلال الفترة الحالية عبر تشكيل تكتلات سياسية يبدو أنها تستعد إلى ما بعد الحرب- هي الجبهة القادمة التي يسعى “الحوثيون” لإشعالها.

“الحوثيون” يعززون قواتهم على جبهات المحافظات الجنوبية/ إنترنت + وكالات

العاطفي هدد مجددا بحرب مفتوحة في حال استمرار رفض شروط “الحوثيين” في المفاوضات، محذرا “التحالف العربي” المساند للحكومة بأن؛ الهدنة حسب رغباتهم لن تبقى قائمة، وسيكون لـ “القوات المسلحة اليمنية” تحركها المدروس والذي سيعيد للمنطقة توازنها، مشيرا إلى أن الحل ليس بأيدي من وصفهم بـ “تحالف العدوان”، وإنما هم مكرهون على أن يكون الحل بأيديهم، فإن أرادوها سلما فسيرتاحون وإن أرادوها حربا فسنجعلها حربا مفتوحة.

يشار إلى أن اليمن يشهد هدنة هشة غير رسمية منذ إعلان الأمم المتحدة في 2 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عدم توصل الحكومة و”الحوثيين” إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة التي استمرت لمدة 6 أشهر برعاية أممية، وبدأت في 2 نيسان/أبريل 2022، وبينما تبذل الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وعمان جهودا حثيثة لتجديدها أملا في التوصل إلى اتفاق سلام شامل، غير أن “الحوثيين” يرفضون ذلك، ما لم يتم الموافقة على شروطهم التي وصِفت بغير المعقولة.

وسط ذلك، نقلت صحيفة “العربي الجديد” عن مصادر يمنية مطّلعة، أن جماعة “الحوثي” عززت خلال اليومين الماضيين، قدراتها البشرية واللوجستية في مناطق بالقرب من خطوط التماس في مديرية قعطبة ومريس، شمالي محافظة الضالع، وذلك ضمن دفعات من التعزيزات بدأتها الجماعة منذ نحو أسبوعين.

في خضم المشهد العسكري، كشفت وسائل إعلام يمنية نقلا عن وكالة “تسنيم” الإيرانية، أن شخصيات قَبلية واجتماعية من أبناء المحافظات الجنوبية، ستعلن عن تشكيل تحالف سياسي قَبلي جديد، يرفع شعارات يشجع “الحوار اليمني اليمني” ويطالب بخروج قوات “التحالف العربي” من البلاد.

بيد أن هذه الشخصيات القَبلية التي تعتزم تشكيل هذا التحالف السياسي، كانت وفقا لـ “تسنيم”، ضمن الوفد القَبلي من أبناء محافظة أبين، والمحافظات المجاورة، الذي زار قبل نحو شهر صنعاء الخاضعة لسيطرة “الحوثيين”، للمطالبة بالإفراج عن اللواء فيصل رجب، الذي أطلق “الحوثيون” سراحه بعد القبض عليه عام 2015، كما أنها (الشخصيات) تتمتع باتصالات مع قيادات سياسية موالية لـ “الحوثي”.

المصالح الإيرانية من مهاجمة الجنوب اليمني

في حين أن المطالب السياسية التي يرفعها هذا الكيان السياسي الجديد، وفق الوكالة الإيرانية، “تلتقي مع مبادئ الحوثيين في صنعاء، التي تطالب بخروج كافة القوات وتدعو إلى حوار بين المكونات اليمنية دون تدخل الخارج” على الرغم من ارتباطاته الخارجية بإيران.

وزير الدفاع “الحوثي” محمد العاطف يعلن جاهزية قواته قبل هجوم متوقع على محافظات الجنوب اليمني/ إنترنت + وكالات

بمقابل ذلك، أوضح الخبير في الشأن اليمني محمد شجاع، أن “الحوثيين” يعدّون لمعركة عسكرية وفكرية طويلة الأمد، بيد أن هذه المعركة ستقتصر على الداخل اليمني من دون التعرض إلى المصالح السعودية، نظرا إلى خصوصية تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران مؤخرا، وباستثناء إذا ما شنّ “التحالف العربي” غارات جوية.

شجاع وفي حديث مع موقع “الحل نت”، أشار إلى أن دلالات المشهد واضحة، لاسيما في ظل تعثر محاولات العملية السياسية للخروج بأي نتائج تنهي حالة الحرب، حيث يستعد “الحوثيون” لخوض معارك وليس معركة واحدة، وذلك بالنظر إلى تحركات نقل الصواريخ التي كانت مخزنة في جبال صنعاء ومعسكراتها إلى محافظة الجوف التي تُعدّ أكبر منابع النفط اليمني، وإلى بعض المحافظات الحدودية مع السعودية، مشيرا إلى أن المناطق الحدودية ستظل فيها بؤر مواجهات بالرغم من أن الرياض تحاول إنهاء حالة الحرب والتفرغ لمشروع “رؤية السعودية 2030”.

كما يسعى “الحوثيون” من خلال مهاجمة الجنوب اليمني، بدعوى أنه محتل من قبل السعودية والإمارات، إلى تحقيق هدفهم وهو إيقاف عملية تصدير النفط، ليظهروا للمجتمع الدولي قوتهم، ليستمر التعامل معهم على أنهم طرف سياسي وسلطة أمر واقع وليس ميليشيا وجماعة إرهابية، كما بيّن شجاع، ولفت إلى أنه بالإضافة إلى تلك الأهداف فهناك هدف مشروع الإمامة المدعوم من إيران الذي يحتم على “الحوثيين” أن يكون هدفهم اليمن بأكمله.

الخبير في الشأن اليمني بيّن أن “الحوثيين” يتحركون طائفيا ويدركون مسبقا أن هناك ممن يدّعون “الهاشمية أو الانتماء لآل النبي” سيشكّلون حاضنة لهم، فضلا عن نقطتين مهمتين يعملون عليها وهي استغلال ضعف الشرعية والانقسام الحاصل واستغلال العداء للسعودية والإمارات من بعض المكونات، مؤكدا أن “الحوثيين” يسيرون باستراتيجية خطيرة في هذا المسار.

أمّا فيما يخص الأجندة الإيرانية في ذلك، أشار شجاع إلى أن إيران تقدم نفسها صاحبة مشروع تاريخي تسعى من خلاله استعادة “إمبراطوريتها، مبتكرة لذلك غلاف ديني كوسيلة ناجعة من خلال التسويق لآل البيت وغيرها من الخرافات”، لافتا إلى أنها لم تتخلى عن صراعها مع السعودية رغم تطبيع العلاقات، وأن المشهد الحالي يندرج تحت ذلك.

مواجهات عسكرية تستبق استهداف المحافظات الجنوبية

شجاع لفت إلى أن إيران حاضرة في الجنوب اليمني من زمن بعيد، إذ إن رئيس “المجلس الانتقالي الجنوبي” عيدروس الزبيدي، قد سافر إلى أكثر من مكان تقريبا منها الضاحية الجنوبية في لبنان التي تمثل عمقا لإيران، كما أن هناك مشتركات قد لا تكون مباشرة في ضوء المتغيرات الأخيرة خلال 8 سنوات.

“الحوثيون” يستغلون الهدنة الإنسانية وجهود السلام بشن هجمات في الضالع/ إنترنت + وكالات

بالمقابل، تشهد مختلف جبهات القتال في الضالع هجمات متفرقة يشنّها “الحوثيون”، مستعينين بقصف الطيران المسيّر، مما أوقع قتلى وجرحى من القوات المشتركة، المكونة من قوات الجيش الحكومي وأخرى تابعة لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” الانفصالي.

إذ أعلن “المجلس الانتقالي” الجمعة الماضي، أن قواته تمكّنت من صد هجوم “حوثي”، في وقت نقلت وسائل إعلام مقربة من “المجلس”، أن وحدات من القوات المرابطة في قطاع الثوخب، شمال شرقي مديرية الحشاء، تصدت لعملية تسلل وهجوم من قبل “الحوثيين” نحو المواقع المتقدمة للقوات المشتركة.

ذلك جاء بينما حاولت مجموعات من “الحوثيين” تنفيذ عملية تسلل نحو مواقع شعب أحمد وحبيل ناجي والساحلة، حسبما أوضحته وسائل الإعلام، وأكدت أنه تم استهداف تلك الجماعات “الحوثية” بمواجهات مباشرة عند وصولها إلى منطقة الاشتباك، وتم تحصينها وسط هجوم من جميع الجهات وتكبيدها خسائر كبيرة.

فيما استمرت المواجهات المتقطعة في قطاعي الثوخب والفاخر، والتي وقعت بعد وصول تعزيزات لـ “الحوثيين” من جنود وأسلحة ومع زيارة وزير دفاعهم إلى الجبهة، وبعد يوم من مواجهات عسكرية شنّتها الجماعة الموالية لإيران على جبهات الفاخر والمشاريح غرب الضالع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات