صدمات عنيفة تلقتها العائلات السورية هذا العام خلال الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان، خاصة مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي يرتفع معدل استهلاكها خلال هذا الشهر، كون أن الوجبات الرئيسية هي الإفطار والسحور، وتحتاج هاتان الوجبتان إلى مواد خاصة اعتاد السوريون على شرائها وتخزينها خلال الشهر.

“لم أستطع شراء ربع احتياجات عائلتي من مواد السحور”، يقول حسام معروف، وهو سائق سيارة أجرة يعمل في حلب لـ”الحل نت”، مؤكدا أن الأسعار قفزت قبل أيام من دخول شهر رمضان بنسب لا تقل عن 15 بالمئة، مقارنة بسعرها قبل أسابيع، الذي كان أصلا مرتفعة، ذلك ما حرم معظم العائلات من شراء كافة مستلزمات وجبة السحور التي اعتادوا عليها.

لكن ورغم انهيار الوضع المعيشي في سوريا، شهدت الأسواق حركة وصفها متابعون بـ”الجيدة”، لا سيما على المحال الخاصة ببيع الألبان والأجبان ومستلزمات السحور، ما يطرح السؤال حول أسباب الانتعاشة المحدودة في الأسواق رغم ارتفاع الأسعار واستمرار انحدار القدرة الشرائية للسوريين.

أسباب الانتعاشة

في الحقيقة أن أبرز أسباب هذه الانتعاشة النسبية للأسواق، هي رغبة الأهالي الشديدة في إضفاء ما اعتادوه من أجواء على وجبتي السحور والإفطار، ورغم اصطدامهم بواقع الأسعار التي لا تتناسب مع دخلهم، فقد كانت للحوالات المالية من السوريين المقيمين في دول اللجوء دورا مهما في تجاوز هذه العقبة.

بدون هذه الحوالات لم تكن لترى بعض العائلات السورية تتجول في المساء للحصول على بعض مستلزمات السحور، خاصة مع ارتفاع أسعار الألبان والأجبان والتمر وغيرها من أساسيات مائدة السحور، حيث بلغ سعر كيلو الحليب 3700 ليرة سورية وكيلو اللبن 4500 ليرة سورية، بينما وصل سعر كيلو اللبنة إلى 17 ألف ليرة، والجبنة يبدأ سعرها من 35 ألف ليرة ليصل إلى 50 ألف بحسب صحيفة “تشرين” المحلية.

سائق سيارة الأجرة حسام معروف، أشار إلى أن المواد الغذائية متوفرة في الأسواق السورية خلال الأيام التي تسبق دخول شهر رمضان لكن أسعارها مرتفعة للغالية، ولولا وصول حوالة مالية من ابنه الذي يعيش في ألمانيا لما استطاع شراء بعض مستلزمات مائدة السحور لعائلته.

معروف أضاف في حديثه مع “الحل نت”، “قبل يومين أخبرني ابني أنه سيرسل حوالة مالية لنا من أجل شراء مستلزمات رمضان، وبالفعل استلمت مئة يورو أي ما يعادل 750 ألف ليرة سورية، استطعت شراء بعض مستلزمات السحور من ألبان وأجبان وتمور، وسأشتري لاحقا بعض مستلزمات وجبة الإفطار”.

أسعار لا تناسب الدخل

الدخل الشهري لمعروف لا يسمح له بشراء هذه المواد، فهو في أفضل الأحوال يصل إلى 450 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 62 دولارا أميركيا، ويحتاج إلى تأمين مصاريف السكن والفواتير والخدمات الأساسية، وزاد قائلا “لولا مساعدة المغتربين لم نكن لنعلم من أين سنؤمن مستلزمات الحياة في سوريا، وهنا أيضا أريد أن أقول إن بعض العائلات لا تملك معيل لها في الخارج، وبالتالي أصبحت مستلزمات رمضان من الكمالية بالنسبة لها”.

الحوالات المالية انتعشت خلال الأيام القليلة الماضية، ففضلا عن قدوم شهر رمضان، كانت لمناسبة عيد الأم دور في تدفق الأموال من السوريين المقيمين في الخارج، إلى عائلاتهم في سوريا.

عن تأثير الحوالات المالية على حركة الأسواق لا سيما فيما يتعلق بالمواد الغذائية، توقّع عضو لجنة مربي الدواجن حكمت حداد، ارتفاع معدلات الطلب على لحم الدجاج خلال الأيام الأولى من شهر رمضان بنسبة 50 بالمئة الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع أسعاره في السوق، معتبرا أن هذا الارتفاع ناجم بالدرجة الأولى عن زيادة التحويلات المالية من خارج سوريا خلال الأيام الماضية.

قد يهمك: بين الفساد والعجز.. لماذا فشلت “التجارة الداخلية” السورية في السيطرة على أسعار السلع؟

ارتفاع الأسعار الناجم عن ازدياد معدلات الطلب، يوحي بأن حكومة دمشق لم تستعد لهذه الزيادة في معدلات الاستهلاك في شهر رمضان، وذلك رغم الوعود العديدة التي أطلقتها خلال الأسابيع الماضية، المتعلقة بتأمين كافة المواد الغذائية بأسعار مناسبة، لكن ارتفاع الطلب على بعض المواد أدى بالنهاية إلى ارتفاع أسعارها، وسط غياب أي خطة حكومية من شأنها ضبط الأسعار خلال الشهر القادم.

دور حكومي؟

كذلك فإن الحكومة تواجه اتهامات بعدم قدرتها على مساعدة المنتجين بما يسمح لهم بخفض تكاليف الإنتاج، الأمر الذي يفضي إلى بيع المنتجات النهائية بأسعار أقل، خاصة فيما يتعلق بتأمين المحروقات والتيار الكهربائي، الذي يسبب غيابهما ارتفاع إضافي في تكاليف الإنتاج.

حداد أكد في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، أن إنتاج الفروج قليل خلال الفترة الحالية نتيجة ارتفاع تكاليف التربية وقلة الإنتاج، متوقعا تحسنا في عملية الإنتاج خلال الأسابيع القادمة، مع عودة نسبة من المربين إلى الإنتاج نتيجة تحسن سعر صوص التربية على حد تعبيره، مستبعدا في الوقت ذاته أي دور لوزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، في خفض أسعار الفروج عبر استجرار كميات منه وبيعها بأسعار مدعومة.

بين مستلزمات السحور ومستلزمات الإفطار، تجد العائلات السورية تضيف مزيدا من المواد إلى قائمة “الكماليات”، فالارتفاع الحاصل في الأسواق السورية لم يوفر أيّا من المواد الغذائية التي اعتاد السوريون شراءها قبل شهر رمضان، من بقوليات ولحوم وغيرها من مواد المائدة الرمضانية.

بحسب تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، فقد سجّل سعر كيلو التمر من النوعية المتوسطة 11 ألف ليرة سورية، وأكثر من ٢٠ ألف ليرة للنوعية الجيدة، ولتر الزيت النباتي 19 ألف ليرة، حيث بلغت نسبة الارتفاع بشكل متوسط نحو 15 بالمئة، في وقت تقتصر فيه إجراءات وزارة “التموين” على الحديث عن تشديد الرقابة وتهديد التجار المخالفين للتسعيرات بالمخالفات والسجن.

أسعار اللحوم شهدت هي الأخرى ارتفاعات متفاوتة قبل دخول شهر رمضان بأيام قليلة، ما قد يحرم الشريحة الأكبر من السوريين، من إضفاء ما اعتادوه على مائدة رمضان، فوصل سعر كيلو هبرة الخروف في السوق ما بين 80 إلى 90 ألف ليرة سورية، والغنم المسوف تراوح ما بين 60 إلى 65 ألف ليرة، بينما بلغ سعر كيلو شرحات الغنم ما بين 80 إلى 100 ألف ليرة.

رغم التحسن النسبي للأسواق خلال الأيام الماضية، إلا أنه من النادر أن تجد عائلة تقيم في سوريا، وقادرة على إعداد مائدة سحور أو إفطار، كما اعتادت سابقا خلال شهر رمضان، تكون مليئة بالوجبات الخاصة للصائمين، فأقل وجبة إفطار على الطريقة الرمضانية يبلغ تكلفتها نحو 70 ألف ليرة على أقل تقدير.

حتى صحن “الفتوش” وهو من الأطباق الرئيسية في رمضان والأقل تكلفة، يبلغ تكلفته بحسب ما أفاد به معروف في حديثه لـ”الحل نت”، 15 ألف ليرة سورية، وذلك بعد ارتفاع أسعار معظم مكوناته الأساسية، فقد وصل سعر باقة البقدونس إلى 800 ليرة سورية، والنعناع إلى 1000 ليرة سورية، والبقلة والخيار 4500 ليرة سورية، فيما سجلت الأسواق سعر 20 ألف ليرة لليتر الواحد من زيت الزيتون.

لا يبدو أن حكومة دمشق لديها أي خطة من شأنها ضبط الأسعار ومنعها من التحليق خلال شهر رمضان، فيما تطلق الوعود والتحذيرات للتجار والبائعين بالتجزئة، في حين أن السوريين في الخارج، قدموا للأسواق ومستويات معيشة العائلات السورية ما لم تستطع حكومة دمشق تقديمه عبر التدفقات المالية التي يساهمون بها بشكل دوري وفي المناسبات كشهر رمضان والأعياد المختلفة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.