هكذا يبدو الأمر، أن استعراض الصين لعضلاتها أمام تايوان، إلى جانب مواصلة تهديداتها، لم تبقَ خيارات أمام الأخيرة سوى اللجوء إلى تعزيز قوتها العسكرية تحسبا لأي تحركات عسكرية صينة ضدها، بحيث أعلنت حكومة تايوان، أمس الخميس، تخصيص 94.3 مليار دولار تايواني ما يعادل 2.97 مليار دولار أميركي، لشراء أسلحة تشمل طائرات مقاتلة لتعزيز دفاعاتها ضد الصين، خلال العام المقبل.

فإدارة الإحصاءات الحكومية كانت قد أعلنت بعد اجتماع لـ “مجلس الوزراء” لمناقشة الميزانية، أن حوالي نصف الإنفاق الإضافي البالغ 94.3 مليار دولار تايواني، سيُخصّص في شراء طائرات مقاتلة، بينما يُخصّص الباقي لتعزيز الدفاعات البحرية، بالإضافة إلى حصولها على دعم إضافي من نُظم التتبع لمقاتلات “إف 16” الأميركية.

ذلك بعد أن كانت رئيسة تايوان تساي إنج وين، قد أعلنت الإثنين الماضي، أن إجمالي حجم الإنفاق المقترح للدفاع في العام المقبل، يبلغ 606.8 مليار دولار تايواني إي 19 مليار دولار أميركي، بزيادة 3.5 بالمئة عن العام السابق، وهو ما اعتبره نائب وزير الدفاع التايواني بو هورنج هوي، في تصريحات صحفية، أن ذلك سيساعد على استهداف المقاتلة الشبح “جي 20” فوق “مضيق تايوان” في المستقبل، في إشارة إلى الجيل الجديد من الطائرات الصينية.

بو هورنج هوي، أشار إلى أن ذلك سيمكّن تايوان أيضا من ردع النشاط الجوي الصيني بشكل أكثر فعالية، بخاصة في ضوء ما أعلنته وزارة الدفاع التايوانية، اليوم الجمعة، أن 13 طائرة عسكرية صينية خرقت مجالها الجوي، وإن 5 سفن بحرية صينية تشارك في دوريات الاستعداد القتالي، مشيرة إلى أنها رصدت 22 طائرة صينية مقاتلة وقاذفات قنابل وطائرات للإنذار المبكر وطائرات بدون طيار دخلت 13 منها المجال الجوي لهذه الجزيرة.

تخصيصات تايوان تتطلب موافقات

إلى ذلك، يتعين على “البرلمان” التايواني، الذي يتمتع فيه “الحزب الديمقراطي التقدمي” الذي ترأسه تساي بالأغلبية، الموافقة على ميزانية الدفاع الجديدة، ويبلغ حجم الإنفاق الدفاعي لتايوان، العام المقبل، قرابة 2.5 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.

رئيسة تايوان تساي إنغ وين/ إنترنت + وكالات

توجه تايوان نحو تعزيز قدرات المسلحة، ليس بالأمر الجديد، فتساي كانت قد أشرفت على برنامج تطوير القوات المسلحة بهدف جعلها أكثر قدرة على مواجهة الصين، وشمل التطوير تحديث أسطول من الطائرات المقاتلة من طراز “إف 16″، وتطوير الغواصات، حيث كانت رئيسة تايوان تساي قد توقعت الاثنين الماضي، الكشف عن نموذج أولي لغواصة محلية، في أيلول/سبتمبر المقبل.

ذلك يأتي بينما انتهت تايوان من تحويل 141 طائرة من طراز “إف 16 أي بي”، إلى طراز “إف 16 في”، كما طلبت 66 طائرة جديدة من الطراز ذاته، والتي تتميز بتقنيات طيران وأسلحة وأنظمة رادار متقدمة، في وقت كانت الولايات المتحدة قد وافقت فيه، أول أمس الأربعاء، على صفقة محتملة بقيمة 500 مليون دولار، لبيع أنظمة بحث وتتبع بالأشعة تحت الحمراء لمقاتلات “إف 16” بالإضافة إلى معدات أخرى إلى تايوان.

وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، قالت في بيان، إن البيع المقترح لتلك المعدات وتقديم الدعم لن يغيّر التوازن العسكري الأساسي في المنطقة، مشيرة إلى أن 500 مليون دولار، هي الحد الأقصى للقيمة المحتملة للعقد وأن القيمة الدولارية الفعلية ستكون أقل، وذلك في وقت أعلنت فيه واشنطن عن حزمة مساعدات جديدة من الأسلحة إلى تايوان، بقيمة تصل إلى 345 مليون دولار، أواخر الشهر الماضي.

بالمقابل، من شأن الخطوة أن تُغضب بكين التي طالبت الولايات المتحدة -التي تعتبر المورد الأساسي لتايوان بالأسلحة- مرارا بوقف بيع الأسلحة لتايوان، وذلك في وقت كثّفت فيه ضغوطها العسكرية والسياسية على مدى السنوات الثلاث الماضية لتأكيد هذا الأمر الذي ترفضه العاصمة التايوانية تايبه بشدة.

وسط ذلك، طرحت خطوة تايوان بشأن تخصيص المليارات لتعزيز قوتها العسكرية تساؤلات عدة حول أسباب ذلك، وهو ما أوضحه الخبير الاستراتيجي علي الذهب، قائلا، إن ذلك يأتي نتيجة للضغوط الصينية التي تحاول من خلال التلويح بالقوة بجلب تايوان إلى الوحدة الصينية، حيث تعتبر الصين تايوان جزءا من سيادتها، وهو ما يدفع بتايوان لتعزيز قوتها العسكرية.

الذهب أوضح في حديث مع موقع “الحل نت”، أن الصين تستخدم التلويح بالقوة كوسيلة للضغط على تايوان، لدفعها للاستجابة لمطالب الصين، بيد أن الصين على أقل تقدير قد لا يمكنها تنفيذ أي تهديد عسكري خلال العام الحالي أو العام المقبل، ذلك لوجود الكثير من التحديات التي تواجهها حتى في ظل امتلاكها قوة تفوق قوة تايوان بأضعاف من حيث العدّة والوسائل.

ضغوطات الصين تحول جنوب شرق آسيا لمنطقة سباق تسلح

الذهب، أشار إلى أن احتساب القوة بين بكين وتايبيه، لا يكون على أساس فوارق القوة فحسب، بل على أساس الفواعل الخارجية الداعمة والتي على رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر تايوان جزءا من سياستها الخارجية، مبينا أن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك حضورا عسكريا قويا في منطقة بحر الصين، إلى جانب ما تمتلكه من الأسطول السابع في اليابان، وهو ما يشكل تحدّيا كبيرا للصين.

رئيسة تايوان إلى جانب جنود من الجيش التايواني/ إنترنت + وكالات

لكن على الرغم من استبعاد إمكانية اندلاع مواجهة عسكرية في العام الحالي والعام المقبل، إلا أن الخبير الاستراتيجي لفت إلى أن ما تشهده المنطقة والذي يدفع بتايوان إلى تعزيز قواتها المسلحة، نتيجة لتلويحات الصين بالقوة، جعل من منطقة شرق آسيا إلى منطقة سباق تسلّح، وذلك بسبب تحولها إلى واحدة من بؤر التوتر عاليما.

الذهب، اختتم، أنه في حال دفع الأمر وتحولت المنطقة إلى مواجهة عسكرية فإن ذلك سيكون له تداعيات اقتصادية كبيرة، وهو ما تخشاه القوى الغربية التي لا تريد حدوث ذلك، لذا أنها تعمل على دعم تايوان لأن تكون عنصر تحد كبير وحقيقي بوجه الصين، بحيث يمكنها أن تلعب دورا حاسما في أي مواجهة محتملة.

وسط هذا المشهد، من الواضح أن التهديدات الصينية لتايوان، ستأتي بنتائج عكسية وسلبية على الصين، حتى قبل أن تُقدم الصين على أي تحرك عسكري من غير المتوقع أن يحدث، خاصة إذا ما نظرت الصين إلى نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا، وما جلبه على روسيا من تدهور اقتصادي و قطيعة في العلاقات الدولية، ما سيجعلها تنظر في إعادة تفكيرها الاستراتيجي بالتعامل مع ملف تايوان وغيره من الملفات.

قصة الصراع القائم بين الصين وجزيرة تايوان بدأت في عام 1895، حين انتصرت اليابان في الحرب الصينية- اليابانية الأولى، واضطرت بكين في عهد حكومة تشينغ إلى التنازل عن جزيرة تايوان لليابان، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، استسلمت اليابان وتخلت عن سيطرتها على الأراضي التي استحوذت عليها من الصين، وبدأت جمهورية الصين، باعتبارها أحد المنتصرين في الحرب، في حكم تايوان.

لكن لم تأتي الرياح بما تشتهيه سفن بكين فبعد بضع سنوات من الانتصار اندلعت حرب أهلية في الصين، وهزمت قوات ماو تسي تونغ “الشيوعية” قوات الزعيم آنذاك تشيانغ كاي شيك ليهرب تشيانغ وبقايا حكومته إلى تايوان في عام 1949 ويجعلونها مقرا لحكومتهم، بينما بدأ “الشيوعيون” المنتصرون حكم البر الرئيسي باسم جمهورية الصين الشعبية، وقد اعتبر كلا الجانبين، آنذاك، إنهما يمثلان الصين كلها.

في تاريخ خلاف الصين وتايوان

بدأت العلاقات بين الصين وتايوان تتحسن في الثمانينيات وقد طرحت الصين صيغة تعرف باسم “دولة واحدة ونظامان” تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة توحيد الصين، وبالفعل تم إنشاء هذا النظام في هونغ كونغ لاستخدامه كعرض لإغراء التايوانيين بالعودة إلى البر الرئيسي، ورغم أن تايوان رفضت العرض، إلا أنها خففت من القواعد الخاصة بالزيارات والاستثمار في الصين.

الجيش التايواني/ إنترنت + وكالات

في عام 1991، أعلنت تايوان انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيسي وأجريت محادثات محدودة بين الممثلين غير الرسميين للجانبين، لكن بكين ظلت مصرة على أن حكومة جمهورية الصين التايوانية غير شرعية، ما تسبب في تعثر إمكانية عقد الاجتماعات بين الحكومات.

بعد ذلك، في عام 2000 عندما انتخبت تايوان تشين شوي رئيسا، شعرت بكين بالقلق؛ إذ أيد الانفصال التام والاستقلال، وعقب إعادة انتخاب تشين في عام 2004، أصدرت الصين “قانون مناهضة الانفصال”، والذي نص على حق الصين في استخدام “الوسائل غير السلمية” ضد تايوان حال حاولت “الانفصال” عن الصين.

خلف تشين شوي في الرئاسة ما يينج جيو، الذي سعى بعد توليه منصبه في عام 2008، إلى تحسين العلاقات مع الصين من خلال الاتفاقيات الاقتصادية، وبعد ثماني سنوات وفي عام 2016، انتخبت الرئيسة الحالية لتايوان تساي إنج ون التي تقود حزب “الديمقراطي التقدمي”، وهو حزب يميل نحو الاستقلال الرسمي النهائي عن الصين، لتسوء العلاقات مجددا بين الصين وتايوان بعد تولي تساي إنغ ون سدة الرئاسة في تايوان.

بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية لعام 2016 تعهدت الولايات المتحدة بتزويد تايوان بأسلحة دفاعية مشددة على أن أي هجوم من جانب الصين من شأنه أن يثير قلقا كبيرا، وطوال عام 2018، صعدت الصين من ضغوطها على الشركات الدولية، وأجبرتها على إدراج تايوان كجزء من الصين على مواقعها على الإنترنت، وهددت هذه الشركات بمنعها من ممارسة الأعمال التجارية في الصين إذا لم تمتثل لذلك.

يذكر أن تايوان البالغ عدد سكانها حوالي 23 مليون نسمة، يديرها منذ 75 عاما نظام لجأ إلى الجزيرة بعد سيطرة الشيوعيين على الحكم في الصين القارية بعد الحرب الأهلية الصينية، وتعتبر واشنطن أقوى حليف لتايوان ومزودها الأول بالأسلحة، لا بل إن الإدارة الأميركية ملزمة من قبل “الكونغرس” ببيع الجزيرة أسلحة لتمكينها من الدفاع عن نفسها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة