في خضم ما يواجهه الاقتصاد الصيني لمجموعة من التحديات والأزمات منذ مطلع العام الجاري، حذّر أحد الاقتصاديين البارزين، الذي قدَّم المشورة لحكومة الرئيس الصيني شي جين بينغ، من أن معدل بطالة الشباب المتزايد في الصين قد يؤدي إلى مشكلات سياسية، إذا لم يجرِ التعامل معها بشكل صحيح.

هذا الحديث جاء في معرض تقرير حديث لوكالة “بلومبرغ” الأميركية للأنباء، حيث قال الخبير الاقتصادي والمستشار الحكومي ليو يوان تشون، إنه من المرجح أن تستمر أزمة بطالة الشباب، خلال العقد المقبل، وتستمر في التفاقم على المدى القصير، حيث ارتفاع معدل البطالة في الصين لمستوى قياسي غير مسبوق، وصل إلى 20.8 بالمئة في أيار/مايو الماضي.

ارتفاع معدل البطالة في الصين

نحو ذلك، ذكر تشون، في تقرير نُشر، الأسبوع الماضي، من قِبل “منتدى الاقتصاد الكلي الصيني”، مفاده أنه إذا لم يجرِ التعامل مع هذه الأزمة بشكل صحيح، فإنها ستثير مشكلات اجتماعية أخرى خارج الساحة الاقتصادية، حتى إنها ستصبح حافزا لمشكلات سياسية، حسبما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” يوم أمس الإثنين.

ارتفاع معدل البطالة بين الفئة الشابة في الصين- “إنترنت”

هذا وجرت مشاركة لقطات من التقرير، المكوّن من 110 صفحات، على موقع “ويبو” الصيني، الشبيه بموقع “تويتر”، حيث تناقش المستخدمون حول المخاطر السياسية المحتملة التي أشار إليها تشون.

بحسب الخبير الاقتصادي البارز، فإن ارتفاع معدل البطالة في الصين ناتج عن تباطؤ الاقتصاد وركود القطاع الخاص نتيجة قيود الإغلاق الناتجة عن تفشي “كورونا”. وخلُص التقرير إلى الحاجة لمزيد من الانتعاش الاقتصادي القوي وتعافي سوق العمل.

بعض الخبراء يرون أن أزمة البطالة تعود للمشاكل البنيوية الهيكلية في الاقتصاد الصيني، أولها أن الصين أصبحت دولة “عجوزة”، أي أنها كانت تواجه زيادة سكانية كبيرة، “تضخم سكاني”، وقد واجهت هذه المعضلة بسياسة “الطفل الواحد” التي لها تأثير كارثي طويل الأمد، وحاليا الصين وصلت لهذه المرحلة وصارت في خضم هذه الكارثة.

بمعنى أن الهرم الديموغرافي الصيني، الذي يتميز بارتفاع عدد السكان، وزيادة نسبة الشيخوخة نتيجة تطبيق سياسة “الطفل الواحد” لأربعة عقود، انقلب رأسا على عقب، مما أدى إلى وصول الصين لهذا التدهور الاقتصادي وتدهور الأيادي العاملة، ولهذا السبب قامت الصين اليوم بتغيير سياستها الكارثية هذه، تجنبا لوقوع أزمات جمّة مستقبلية.

كما أن مسألة ارتفاع معدل البطالة يمكن ربطها بمعدلات الاستثمار الجديدة داخل الصين، حيث باتت لا تلبي الاحتياجات الوطنية لخلق فرص عمل جديدة، فضلا عن أن قطاع العقارات الصيني أصبح يقترب من الانفجار أيضا، نظرا لأن التوجيه الاستثماري الضخم الذي ضُخّ لهذا القطاع، يعاني اليوم من أزمة ركود خانقة.

بالتالي فإن الصين لن تكون قادرة على رفع معدلات النمو لديها، وهو ما سيلحق بها أضرار كبيرة في الفترات المقبلة، وهذا الأمر من شأنه أن يقلل من نفوذها وحضورها الاقتصادي المهيمن بالمنطقة.

الصين كانت قد فرضت بعضا من أقسى ضوابط مكافحة الوباء في العالم، واتبعت سياسة “صفر كوفيد”؛ لكبح انتشار فيروس “كورونا”، والتي شملت عمليات إغلاق صارمة، مما أثارت احتجاجات غير مسبوقة وعرقلت الأعمال في البلاد. ونما اقتصاد الصين بنسبة 3 بالمئة فقط، العام الماضي، في أبطأ وتيرة له منذ 4 عقود.

ضعف الاقتصاد الصيني

في المقابل، تقول بعض التقارير الصحفية إن استمرار ضعف النمو بالاقتصاد الصيني يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة تفعل ما يكفي لتغيير الوضع القائم. فقد قالت “وكالة الإحصاءات الرسمية الصينية” إن قطاع التصنيع الصيني انكمش للشهر الثالث على التوالي في حزيران/يونيو الماضي، وتراجع القطاع غير الصناعي، مع انخفاض الطلبيات الجديدة لكليهما، كما انخفض التوظيف في كلا القطاعين الواسعين، مما يشير إلى أن النقص المزعج في الوظائف، خصوصا للشباب، يزداد سوءا.

في هذا الصدد عقّبت المتخصصة الصينية في “أكسفورد إيكونوميكس” لويز لو، ومقرها سنغافورة، لصحيفة “وول ستريت جورنال”، على هذا الموضوع وقالت إنه من المرجح أن تدفع البيانات المسؤولين إلى توفير مزيد من التيسير للاقتصاد، مضيفة “لقد تدهور المكون التجاري للاقتصاد بالفعل”.

بكين تواجه اليوم جملة من التحديات التي حذّر اقتصاديون من أنها قد تهدد إمكانات النمو على المدى الطويل في غياب إصلاحات جذرية، وتشمل هذه التحديات عبء الديون المتزايد وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وانتعاشا قصير الأجل في سوق العقارات المحاصرة.

في غضون ذلك، دفعت التوترات السياسية المستمرة مزيدا من الشركات المصنّعة إلى تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها، وهو اتجاه من المرجح أن يؤدي إلى تآكل دور الصين كمركز لصناعة العالمية.

إلى ذلك، تشير الأرقام الصادرة حديثا إلى أن الانتعاش الاقتصادي في الصين لا يزال على أرض هشّة بعد أشهر من تخلي بكين عن قيود “كوفيد-19” الصارمة وسط تباطؤ الطلب العالمي على السلع مع ارتفاع التضخم في أماكن أخرى من العالم، في وقت يفقد فيه الانتعاش المحلي المدفوع بالإنفاق الاستهلاكي قوته.

اقتصاد بكين فَقَد قدرا كبيرا من ثقة المستثمرين فيه، نظرا للإغلاقات الوبائية التي امتدت لفترات طويلة، والتي أعقبت فترة لا بأس بها من الإجراءات التنظيمية والحملات التي شنّتها حكومة الصين على قطاعات الاقتصاد الكبرى، والتي كانت أكبرها تنظيمات قطاع التكنولوجيا والإنترنت وكذلك التعليم وسوق العقارات، وهو ما دفع الاستثمار بالقطاع الخاص إلى التراجع بشكل كبير، حتى أصبح ضعيفا للغاية بالنسبة لحجم اقتصاد الصين، وفق “جولدمان ساكس”.

هذا فضلا عن تراجع وتيرة الاستثمار الخاص في البلاد، نظرا لإحجام رواد الأعمال عن المشاركة وفتح الأعمال الجديدة خوفا من الحملات التنظيمية وتراجع مستوى الاستهلاك.

بالتالي فإن ضعف الطلب الخارجي والداخلي على الإنتاج الصيني يعود لتراجع الدول الخارجية عن المنتجات الصينية ولا سيما شركة الاتصالات “هواوي”، وفي الفترات المقبلة تشير التوقعات إلى أن الصين ستواجه مشاكل أخرى، مثل مشكلة ضرائب الكربون التي تتمحور ضمن إجراءات حماية المناخ وتشمل واردات كثيرة من الخارج، وهو الأمر الذي قد يضر العديد من البلدان وخاصة الفقيرة، ولذلك لم تطبّقها الولايات المتحدة الأميركية بعد.

لذلك إذا ما طُبّقت إجراءات حماية المناخ من ضرائب الكربون فإن المنتجات الصينية ستفقد ميزتها النسبية، وهي أن منتجاتها تتسم برخص ثمنها مقابل قلّة جودتها، على حد قول الخبراء.

تراجع القطاع الصناعي

في سياق متّصل، انكمش المؤشر الفرعي للتوظيف إلى 48.2 نقطة الشهر الماضي للشهر الرابع على التوالي، وهو ما يضغط على سوق العمل بشكل مستمر، حسبما نقله موقع “اندبندنت” مؤخرا.

على رغم جهود صانعي السياسات للحفاظ على ريادة الصين في التجارة العالمية من خلال تقديم تخفيضات ضريبية للمصدرين والسماح لعملتها بالانخفاض، يستمر الطلب من الخارج في الانخفاض، إذ استمر عنصر طلبات التصدير الجديد في مؤشر مديري المشتريات التصنيعي لشهر حزيران/يونيو الماضي في الانخفاض إلى أدنى مستوى له في خمسة أشهر عند 46.4 نقطة فيما ظل مؤشر الطلبات الجديدة بشكل عام في حالة انكماش عند 48.6 نقطة.

كما تراجعت الأنشطة في قطاع الخدمات، وهو المحرك الرئيس لانتعاش الصين بعد تفشي الوباء، بشكل أكبر الشهر الماضي إلى 52.8 نقطة من 53.8 نقطة في مايو السابق له، في أدنى قراءة منذ كانون الثاني/ديسمبر الفائت، عندما ألغت بكين فجأة القيود المتعلقة بـ”كوفيد”، والتي عرقلت السفر الداخلي وحصرت قطاعات من سكان المدن في المنزل من وقت لآخر على مدار السنوات الثلاث الماضية.

مؤشر التوظيف في القطاع غير الصناعي جاء عند 46.8 نقطة، مسجلا انكماشا للشهر الرابع على التوالي، كما أظهر مؤشر الطلبات الجديدة، عند 49.5 نقطة انكماشا للشهر الثاني على التوالي وفقا لمكتب الإحصاء.

من جانب آخر، تزايَد تراجع نشاط التصنيع في معظم أنحاء آسيا في حزيران/يونيو، إذ أدى ضعف اقتصاد الصين إلى تراجع الطلب على سلع المنطقة. نشاط المصانع ظل منكمشا في الاقتصادات المجاورة مثل كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، وفق مؤشرات “مديري المشتريات الصناعية” التي نشرتها “إس آند بي غلوبال” و”أو جيبون بنك” يوم أمس الإثنين.

بالتالي يُتوقع في الفترات القادمة حدوث مشاكل اقتصادية في دول أخرى في آسيا الوسطى وهو ما سيخلّف أضرارا كبرى للاقتصاد الصيني، أي سيدخل لدوامة قاتمة يصعب الخروج منها على المدى القريب على أقل تقدير. والصين غير مؤهلة لأن تصبح قوة عظمى، ولن تصبح في خضم كل ذلك وفق تقدير العديد من الخبراء الاقتصاديين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات