يبدو أن الانكماش الصيني اقتصاديا بات يتضح أكثر فأكثر، ولعل التقرير الأخير لوكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، خير دليل على ذلك، لدرجة أن بكين اعترضت عليه وهاجمته، وهذا إن دل على شيء فهو بدل على المأزق الذي تمر به الدولة ذات النظام الشيوعي، لكن لماءا تعترض الصين على الحقيقة؟

وكالة “موديز”، خفّضت توقعاتها لتصنيف الصين الائتماني من “مستقر” إلى “سلبي” على خلفية مديونية ثاني أكبر اقتصاد في العالم، موضحة في مذكرة، أن “قرار تغيير التوقعات إلى سلبي يعكس مؤشرات متزايدة بأن الحكومة والقطاع العام عموما، سيقدّمان دعما ماليا لسلطات المناطق وللشركات العامة المتعثرة ماليا”.

“موديز” أردفت، أن هذا الأمر “يطرح مخاطر كبرى على متانة الصين المالية والاقتصادية والمؤسساتية”، مشيرة إلى نمو اقتصادي “أضعف” وصعوبات في القطاع العقاري يواجه بكين.

الصين تهاجم “موديز”

الصين لم تقتنع، وهاجمت توقعات “موديز”، إذ عبرت وزارة المال الصينية عن “خيبة أملها” حيال هذا القرار، مؤكدة في بيان، أن الصين لديها القدرة على التصدي للمخاطر والتحديات”، منددة بـ”المخاوف غير المبررة” التي أبدتها الوكالة.

وسائل الإعلام الصينية، هي الأخرى، وصفت وكالة “موديز” بأنها “منحازة” بسبب توقعاتها المستقبلية السلبية لتصنيف الصين.

صحيفة “غلوبال تايمز” القومية التابعة إلى “الحزب الشيوعي”، نشرت مقالا نقلا عن خبراء اقتصاديين، قالوا إن قرار “موديز” كان “متحيزا وغير مهني، لأنه بالغ بشكل كبير في المخاطر والتحديات أو افتعلها”.

اليوم الأربعاء، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن الصين قادرة على تعميق الإصلاحات والتصدي للتحديات التي تواجهها، وإنها ترحب “بجميع الأصدقاء” من “جميع أنحاء العالم” للاستثمار في اقتصادها.

أزمة القطاع العقاري

في المقابل، فإن العديد من المحللين قالوا، إن رد الفعل الرسمي للحكومة الصينية كان أكثر تحفظا، مما يشير إلى مخاوف بكين بشأن ارتفاع الديون، أي ما يعني صحة توقعات وكالة “موديز” بطريقة أو بأخرى.

ما يجب ذكره، أن القطاع العقاري يعد دعامة أساسية للنمو في الصين، حيث شكل لفترة طويلة مع قطاع البناء ربع إجمالي الناتج المحلي، لكن أزمة هذا القطاع تشكّل اليوم عقبة رئيسة بوجه الانتعاش الاقتصادي.

ولا تزال الصعوبات المالية التي تواجهها مجموعات عقارية كبرى مثل “إيفرغراند” و”كانتري غاردن” وغيرهما، تعزز ريبة الصينيين الذين يحجمون عن شراء مساكن على خلفية المباني غير المكتملة وانخفاض أسعار المتر المربع من البناء، بحسب وكالة “فرانس برس”.

إجمالي الناتج المحلي الصيني، حقق العام الماضي نموا بنسبة 3 بالمئة، بفارق كبير عن الهدف المحدد بنسبة 5,5 بالمئة، مسجلا بذلك وتيرة كانت من الأضعف خلال 4 عقود.

تقلص حصة الصين الاقتصادية

هذا العام، حددت الصين هدفا، يتمثل بتسجيل نمو بنحو 5 بالمئة، وهو ما قد يصعب تحقيقه من دون خطة إنعاش ضخمة برأي بعض خبراء الاقتصاد، في وقت تتجه بكين بحسب “فرانس برس”، إلى إقرار تدابير محددة الهدف.

الصين التي ارتفعت حصتها في الاقتصاد العالمي بنحو 10 أضعاف من أقل من 2 بالمئة في عام 1990 إلى 18.4 بالمئة في عام 2021، وفي الوقت الذي لم يسبق لأي دولة أن حققت ارتفاعا في النمو بهذه السرعة خلال 3 عقود فقط، باتت تعيش تراجعا في النمو منذ العام المنصرم، والمتوقع أن يستمر هذا التراجع في العام المقبل والأعوام التي تليه.

فعلى سبيل المثال، القطاع العقاري في الصين، كان قد سجّل نموا ملفتا منذ تحرير سوق العقارات عام 1998، لكن السلطة اعتبرت في السنوات الأخيرة، أن مستوى ديونه الطائل يطرح خطرا كبيرا على الاقتصاد والنظام المالي الصينيين.

في العام الماضي، تقلّصت حصة الصين في الاقتصاد العالمي قليلا، لكن الحصة تقلصت بشكل ملحوظ هذا العام، لتصل إلى 17 بالمئة، وهذا الانخفاض البالغ 1.4 بالمئة لمدة سنتين هو الأكبر منذ الستينيات.

الديون ترتفع

التقارير الاقتصادية، تتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بمقدار 8 تريليونات دولار ما بين 2022 و2023 ليصل إلى 105 تريليونات دولار، لكن المفارقة هي أنه مع هذا النمو، لن تحصل الصين على أي من هذه المكاسب، إذ ستمثل الولايات المتحدة الأميركية نحو 45 بالمئة، والدول الناشئة الأخرى 50 بالمئة، بحسب تقرير لموقع “أويل برايس”.

إلى ذلك، عمدت بكين تدريجيا منذ 2020 إلى تشديد شروط حصول المجموعات على اعتمادات، ما حدّ من مصادر تمويل الشركات المثقلة بالديون بالأساس.

يضاف إلى كل ذلك، أن المستثمرين باتوا يسحبون أموالهم من الصين بوتيرة قياسية، مما يزيد من الضغوط على العملة الصينية، فضلا عن تراجع وتيرة استثمار الأجانب في المصانع الصينية والمشاريع الأخرى بمقدار 12 مليار دولار في الربع الثالث من هذا العام.

أخيرا، ووفقا لموقع “أويل برايس”، فإن حكومة “الحزب الشيوعي” المتفرد بالقرار، أصبحت أكثر تدخلا في الاقتصاد على امتداد العقد الماضي، وأصبحت ديونها مرتفعة تاريخيا بالنسبة لدولة نامية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات