كانت الولايات المتحدة تتخذ خطوات لإعادة بناء قوتها العسكرية في الفلبين، بعد أكثر من 30 عامًا من إغلاق قواعدها الكبيرة في البلاد وتعزيز قوس من التحالفات العسكرية في آسيا في حقبة مختلفة تمامًا بعد الحرب الباردة، بعد أن ظهر التهديد الإقليمي للصين، حيث قالت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” يوم الأربعاء الفائت، إن البالون الصيني الذي أُسقط قبالة ساحل كارولينا الجنوبية كان جزءًا من برنامج مراقبة كبير تقوم به الصين “منذ عدة سنوات”.
في 2 شباط/فبراير الجاري، أعلن الحلفاء أنه سيتم منح دفعات متناوبة من القوات الأميركية حق الوصول إلى أربعة معسكرات عسكرية فلبينية أخرى بالإضافة إلى خمس قواعد محلية أخرى، حيث تسارعت وتيرة الإنشاءات التي تمولها الولايات المتحدة لبناء ثكنات ومستودعات ومباني أخرى لاستيعاب عدد كبير غير محدد بموجب اتفاق دفاعي وقع عام 2014.
الفلبين تتمتع بعلاقة جيوسياسية فريدة مع الولايات المتحدة والصين. اعتمد السياسيون الفلبينيون تاريخيا على الولايات المتحدة للحصول على الحماية العسكرية، نظرا لقدراتها العسكرية القوية وثروتها الاقتصادية. في غضون ذلك، سعت الصين إلى توسيع نفوذها الإقليمي وبدأت في اتخاذ موقف أكثر حزما بشأن القضايا في بحر الصين الجنوبي. ردا على العدوان الصيني الأخير، تتخذ الولايات المتحدة خطوة لتعزيز التزامها بالجيش الفلبيني ومواجهة الوجود الصيني في المنطقة. فكيف ستمنح موقع المعسكرات الفلبينية الجيش الأميركي الوجود الذي يحتاجه ليكون رادعا قويا ضد العدوان الصيني في بحر الصين الجنوبي، حيث توجد بكين والفلبين وأربع حكومات أخرى.
فضح برامج التجسس
إن التهديد المحتمل الذي تشكله سياسة الحزب “الشيوعي” الصيني على السيادة الفلبينية والدولية كبير. دخلت البلاد في نزاع بحري مع الصين في بحر الصين الجنوبي، حيث تقع العديد من حدودها الوطنية. استغلت بكين عدم وجود حدود واضحة وأجرت مشاريع بناء كبيرة في الأراضي الفلبينية. ومما زاد الطين بلة، اتُهمت الصين أيضًا بعسكرة الجزر المتنازع عليها، مما أثار قلقا عميقا في المجتمع الدولي.
أيضا التحليل الاستخباراتي اللاحق أوضح أنه عندما مرت بالونات مماثلة تابعة للصين فوق الأراضي الأميركية في أربع مناسبات خلال إدارتي ترامب وبايدن، لم تحدد الولايات المتحدة على الفور أنها بالونات مراقبة صينية، لكنه الآن سمح للولايات المتحدة بالتأكد من أنها جزء من جهود التجسس الصينية ومعرفة المزيد عن البرنامج.
الحزب “الشيوعي” الصيني عبر ممثليه يزعم أنه كان منطادا مدنيا يستخدم في أبحاث الأرصاد الجوية وانتقدت بشدة الولايات المتحدة لإسقاطها؛ إلا أن الجنرال بات رايدر السكرتير الصحفي لـ”البنتاغون”، أكد أن هذا لم يكن لأغراض مدنية، مضيفا “نحن واضحون بنسبة 100 بالمئة بشأن ذلك”.
وزير الخارجية أنطوني بلينكين من جهته بيّن أن الولايات المتحدة أطلعت عشرات الدول على البرنامج الذي قال مسؤولون إنه نشط في خمس قارات. فيما تطرق رئيس حلف “الناتو”، ينس ستولتنبرغ، إلى أنه “لم تكن الولايات المتحدة الهدف الوحيد”، وعليه تفرض بكين تحديات منهجية وتكتيكية على التحالف.
ستولتنبرغ وافق على طبيعة التهديد الصيني، قائلا إن حادث البالون يؤكد نمط السلوك الصيني، مشيرا إلى أن بكين استثمرت بكثافة في القدرات العسكرية الجديدة، بما في ذلك أنواع مختلفة من منصات المراقبة والاستخبارات. أيضا لم يتوفق الأمر حول ذلك، فقد لوحظ زيادة أنشطة المخابرات الصينية في أوروبا.
خطوة متقدمة للعودة
ردا على هذه التهديدات الأمنية، أعلنت القوات الأميركية عن خطط لتكثيف وجودها في المنطقة، وهو ما قد يشمل نشر مشاة البحرية من الفلبين إلى بحر الصين الجنوبي. وهذا من شأنه أن يمثل عرضا هاما للقوة من جانب الولايات المتحدة ويهدف إلى ردع المزيد من التوسع الصيني في المنطقة. قوبلت هذه الخطوة بترحيب من القادة الفلبينيين، حيث أشار رئيس البلاد فرديناند ماركوس، إلى أن مثل هذه الخطوة ستقوي الفلبين داخل المنطقة وتثبت لـلحزب “الشيوعي” الصيني أنه لن يُسمح له بالتعدي على السيادة الدولية.
كانت الولايات المتحدة تتخذ خطوات لإعادة بناء قوتها العسكرية في الفلبين بعد أكثر من 30 عامًا من إغلاق قواعدها الكبيرة في البلاد وتعزيز قوس من التحالفات العسكرية في آسيا في حقبة مختلفة تمامًا بعد الحرب الباردة عندما كان ينظر إليها على أنها جديدة. التهديد الإقليمي هو الصين العدائية بشكل متزايد.
الخبير في نزاعات بحر الصين الجنوبي، توماس بيرجر، أوضح لـ”الحل نت”، أنه تغير الكثير في المنطقة منذ رحيل القوات الأميركية عام 1992، على وجه التحديد صعدت الصين وسعت إلى تأكيد أسبقيتها في بحر الصين الجنوبي، مع بناء جيشها وتصعيد الخطاب حول إعادة التوحيد القسري مع تايوان.
إعلان 2 شباط/فبراير 2023، يأتي بحسب بيرجر في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة حشد الدول الأخرى إلى جانبها في إطار ما تعتبره معركة وجودية للنظام العالمي الحالي ضد الحزب “الشيوعي” الصيني، لا سيما وأن الرئيس الفلبيني الجديد يبدو مهتمًا بشكل متزايد بالتدخل الصيني في منطقة.
بحسب بيرجر، سيتم تجهيز القوات الأميركية المقرر نشرها في المنطقة بمجموعة من الأسلحة، بما في ذلك المدفعية والطائرات والسفن. وتهدف هذه الخطوة إلى إرسال رسالة واضحة إلى الحكومة الصينية مفادها أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي محاولات لانتهاك السيادة الدولية. علاوة على ذلك، يمكن أن يساعد الوجود الأميركي في بحر الصين الجنوبي في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، وتعزيز التحالفات العسكرية طويلة الأمد ومنع المزيد من الصراع بين البلدين.
تم الترحيب بالتدفق الأخير للقوات الأميركية إلى الفلبين من قبل المسؤولين في البلاد وحتى في حلف “الناتو”، وينظر إليه على أنه وسيلة مهمة لإثبات للصين أن الولايات المتحدة لن تخاف من التنازل عن التزامها تجاه المنطقة. من خلال تعزيز الاتفاقيات العسكرية الحالية وإظهار العزم في مواجهة التهديدات الخارجية، وبذلك ترسل الولايات المتحدة رسالة قوية إلى الحكومة الصينية مفادها أنه يجب عليها احترام سيادة دول المنطقة. وعليه من المؤكد أن هذه الخطوة سيكون لها تأثير على السياسة الإقليمية ويمكن أن تساعد في الحفاظ على استقرار وسلامة بحر الصين الجنوبي.
سرب من الخيارات
منذ الأول من الشهر الجاري، تتحرك الفلبين والولايات المتحدة بسرعة لبناء المواقع التي ستعمل منها القوات الأميركية، حيث استثمرت الولايات المتحدة بالفعل 82 مليون دولار لتحسين البنية التحتية على القواعد الخمس التي تقرر تواجد القوات فيها.
قام البلدان بالفعل بزيادة سرعة خطط البناء في المواقع الخمسة القائمة، ومن بينها توجد ثلاثة مواقع مثالية لاحتواء الصين وحماية المصالح الاقتصادية للفلبين في بحر الصين الجنوبي. فقاعدة “باسا” الجوية و”فورت ماجسايساي” تقعان في لوزون، وهي أكبر جزيرة في أقصى شمال الأرخبيل وتتاخم بحر الصين الجنوبي من الشمال والغرب.
حيث تعد “باسا” ضرورية للدوريات الجوية حول سكاربورو شول، وهي صخرة خالية من الهياكل في بحر الصين الجنوبي استضافت قوات خفر السواحل الصينية على مدار العقد الماضي. كما أن قاعدة “أنطونيو باوتيستا” الجوية الواقعة في بالاوان، وهي جزيرة تقع على بعد بضع مئات من الأميال من جزر سبراتلي المتنازع عليها، حيث أقامت الصين مواقع عسكرية.
في السنوات الأخيرة، تغير المشهد الجيوسياسي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ بشكل متزايد. لم يعد ظهور مرحلة جديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بعيد المنال. هذه المنطقة هي موطن لعدد من الدول ذات الاهتمامات المختلفة والتنوع الثقافي، ولكنها مرتبطة بروابط قوية عبر المحيطات والاقتصادات المعولمة.
نمت أهمية هذه المنطقة بشكل كبير من وجهة النظر الجيوستراتيجية والاقتصادية. ليس من المستغرب، على سبيل المثال، أن تتنافس دول مثل الولايات المتحدة واليابان والصين وأستراليا بنشاط على النفوذ داخل منطقة المحيطين الهندي والهادئ. هذه المنافسة على النفوذ مدفوعة إلى حد كبير بوفرة الموارد الطبيعية في المنطقة بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي بين أوروبا وإفريقيا والأميركتين. من المرجح أن يؤدي ظهور مرحلة جديدة في المنطقة إلى زيادة حدة هذه المنافسة، حيث تكافح البلدان للسيطرة على طرق التجارة مثل المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي.
من المقرر أن تؤدي الزيادة في العلاقات بين الأقاليم داخل منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى خلق عدد من التحديات الدبلوماسية وكذلك الأمنية. الحوار المفتوح والتعاون بين الدول المجاورة أمر ضروري للحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين. أدى الوجود المتزايد لأصحاب المصلحة الإقليميين مثل الصين والولايات المتحدة بالفعل إلى زيادة التركيز على قضايا الأمن الإقليمي مثل النزاعات البحرية وأمن الحدود. يمكن أن يساعد هذا التركيز المتزايد على قضايا الأمن الإقليمي في خلق بيئة أكثر أمانا وتعزيز تعاون أكبر بين الدول في المنطقة.
- المعارضة تدخل مدينة حماة.. والجيش السوري يؤكد خوض معارك في الريف الشمالي
- مستشار خامنئي: لم نتوقع أن تقع تركيا في “فخ” أميركا وإسرائيل
- فصائل المعارضة على تخوم مدينة حماة.. والجيش السوري يحصّن مواقعه
- وسط المعارك المستمرة.. روسيا قد تقوم بإخلاء سفنها البحرية من ميناء طرطوس
- سخرية واسعة من تصريحات مسؤولين سوريين حول معركة حلب
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.