منذ بدء حرب أوكرانيا، أكد عدد متزايد من المسؤولين الأميركيين على الضرورة الملحّة لردع العمل العسكري الصيني ضد تايوان، وعززت تعليقات الرئيس الصيني شي جين بينغ، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي من هذا الرأي عندما أعلن أن الصين مستعدة لاتخاذ جميع التدابير اللازمة ضد التدخل الأجنبي في الجزيرة وأن عجلات التاريخ تتجه نحو إعادة توحيد الصين معها، فيما حذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين، من أن بكين قد تنوي الاستيلاء على تايوان في إطار جدول زمني أسرع بكثير مما كان يُعتقد سابقا.

بالنظر إلى التهديد المتزايد بالغزو، فإن ردع الصين سيتطلب نهجا أكثر استباقية، ويجب على تايوان إعادة تصميم الطريقة التي يتم بها تنظيم وتسليح ونشر قواتها حتى تتمكن من حرمان الصين من تحقيق نصر سريع في الوقت نفسه، وتحتاج واشنطن إلى تطوير سياستها الخاصة لتوضيح أن الدعم العسكري المباشر متاح لتايوان اليوم وسوف يتم تعزيزه إذا حدث غزو قبل كل شيء، من خلال الأفعال والاستعدادات، كما يجب على الولايات المتحدة وتايوان السعي بشكل كبير إلى إثارة حالة عدم اليقين في ذهن شي، حول ما إذا كان العمل العسكري ضد الجزيرة سينجح، ويجب على الولايات المتحدة ضمان عدم فشلها في تايوان، كما حدث في أوكرانيا عندما غزتها روسيا حيث لم يكن هناك نظام ردع استباقي.

هذه الاستراتيجية المطلوبة، تثير تساؤلات حول، الفرق بين الحالة الصينية التايوانية والروسية الأوكرانية في المواجهة، والخطوات التي يجب على واشنطن اتخاذها لدعم تايوان بشكل سريع حيال أي تحرك صيني ضد الجزيرة، و ما هي آليات الردع الاستباقي لتايوان في مواجهة الصين سواء عسكريا أو من قِبل حلفاء تايوان حتى من الناحية السياسية.

الفرق بين الحالتين الأوكرانية والتايوانية

الغزو الصيني لتايوان، لن يشبه الصراع في أوكرانيا حيث تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من فرض عقوبات اقتصادية وتزويد أوكرانيا بأسلحة قوية بشكل متزايد على مدى عدة أشهر، وذلك بالنظر إلى موقع تايوان على بعد 100 ميل فقط من البر الرئيسي الصيني و5000 ميل من مقر قيادة الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ في هاواي، فلن يكون لدى واشنطن الوقت لإعداد رد بمجرد بدء الغزو.

الجيش الصيني

وإذا قامت الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان دون تخطيط كاف، فقد تكون النتيجة كارثية، وإذا دخلت الصين والولايات المتحدة في الحرب، فسيكون هناك القليل من الفُرص لأي من الجانبين للتراجع ومسارات عديدة للتصعيد السريع، مع احتمال نشوب صراع مدمر تاريخيا، لذلك فإن ضمان الردع الفعّال هو التحدي الأكثر أهمية للأمن القومي للولايات المتحدة في آسيا والأكثر إلحاحا إلى حدّ بعيد.

اقرأ: الصين تسرّع جدولها الزمني.. ما هي “خطة بكين” في تايوان؟

حازم الضمور، الخبير الاستراتيجي ومدير مركز “ستراتيجيكس للدراسات والبحوث الاستراتيجية‏” يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الفرق الرئيسي بين الحالتين التايوانية والأوكرانية، يتمثل في اختلاف ميدان الصراع؛ بينما ترتبط روسيا وأوكرانيا بحدود برية مُشتركة، التي عَبَرت من خلالها القوات الروسية لمقاطعات الشرق الأوكراني، فإن تايوان تُعد جزيرة، وأي حرب تشهدها تتطلب قوة مشاة وسلاح بحرية.

لذلك كثفت الصين في السنوات الأخيرة من تدريباتها و مناوراتها البحرية، وتخطّط لمضاعفة حجم مشاة البحرية بنسبة 400 بالمئة وصولا إلى 100 ألف جندي، مع ذلك أظهرت المناورات الصينية حول تايوان إبّان زيارة رئيسة “مجلس النواب” الأميركي السابقة نانسي بوليسي، أن الحصار البحري للجزيرة أمر ممكن، حيث أُجبرت تايوان على وقف رحلاتها الجوية والبحرية لا سيما التجارية منها.

من جهته، الدكتور إسماعيل تركي، الخبير في العلاقات الدولية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه بالنظر إلى التداعيات الخطيرة التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية استطاعت الصين أن تتعلم الدرس وتكون أكثر هدوءا وتتعامل مع المسألة بنوع كبير من ضبط النفس والاحتواء الإيجابي وذلك لعدد كبير من الاختلافات بين الحالتين، فالصين ليست روسيا رغم وجود أهداف استراتيجية تتمثل في عدم رضاهم على طبيعة النظام الدولي ورغبتهما في تغييره وأن يصبح نظاما دوليا متعدد الاقطاب تحترم فيه مصالحهما، إلا أن هناك فرقا كبيرا في القدرات والإمكانات الاقتصادية والعسكرية لكل منهما، فمن الناحية الاقتصادية تحتل الصين المركز الثاني من حيث أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم، كما أن النمو الاقتصادي الصيني يمضي بوتيرة أكثر استدامة من النمو الاقتصادي الروسي.

أيضا على الجانب العسكري تحتفظ روسيا بأكبر ترسانة نووية في العالم، من حيث عدد الرؤوس الحربية النووية وقوة تقليدية، خصوصا قوتها البرية وتعتبر أوكرانيا في الأساس مسرحا للقوات البرية الروسية، حيث تستطيع روسيا إظهار قوتها أكثر مما هو عليه الحال في المسرح البحري، أما الجيش الصيني، على الرغم من أنه يشهد تحديثا سريعا فإنه لايزال متأخرا بعقود عن الولايات المتحدة ولم تبدأ الصين في تحديث قواتها البحرية والجوية الا بعد أزمة مضيق تايوان عام 1996، ومثل روسيا، كانت القوات البرية الصينية تقليديا أقوى من قواتها البحرية والجوية.

كما أنه يضاف إلى ذلك أن تايوان تعتبر هدفا أكثر تعقيدا للصين في حالة الهجوم على الجزيرة، صحيح أن مضيق تايوان ضيق عرضه أقل من 100 ميل في أضيق جزء منه، وقد نشرت الصين عددا كبيرا من الصواريخ الموجهة الى تايوان على طول ساحلها، ولكن حتى في غياب التدخل العسكري المباشر من قبل الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي لا يمكن التأكد منه، فلن يكون من السهل على الصين أن تستولي على تايوان، بالنظر إلى الأعداد الكبيرة من أنظمة الأسلحة المتقدمة التي تستوردها تايوان من الولايات المتحدة، حسب تركي.

كيف يمكن أن تدعم واشنطن تايوان؟

من حيث المبدأ، يجب أن تبدأ أي استراتيجية ردع فعّالة ضد الصين بدفاعات تايوان الخاصة، وتحتاج الولايات المتحدة إلى إرسال إشارة لبكين إلى أن تايوان ستقاوم أي غزو بنفس القوة والإبداع كما فعلت أوكرانيا، ولكي تكون ذات مصداقية يتعين على تايوان مضاعفة نسبة ميزانيتها المخصصة للدفاع ومضاعفة قوامها الحالي البالغ 169 ألف جندي في الوقت الحاضر وتنفق تايوان حوالي 19 مليار دولار على الدفاع، وهو رقم يتضاءل بالمقارنة مع 293 مليار دولار في الصين.

أيضا على الرغم من أن تايوان لن تكون قادرة على سد الفجوة مع الجيش الصيني، إلا أنها تستطيع زيادة الردع بشكل كبير بجيش أقوى وأكثر استعدادا، لكن يجب أن يكون الهدف هو منع الوصول السهل إلى الجزيرة وفي نفس الوقت يجب إلحاق أضرار جسيمة بالقوات الصينية المهاجمة، وكسب الوقت للولايات المتحدة وحلفائها لتقديم المساعدة.

في هذا السياق، يرى الضمور أن الأزمة الأوكرانية شكّلت فرصة مواتية للصين من أجل استكشاف ما وراء استراتيجية الغموض الأميركي في المسألة التايوانية، فقد تابعت بكين واختبرت رد الفعل الأميركي وأدواتها في تغيير مسار الأزمة الأوكرانية.

 لكن تبقى هناك اختلافات رئيسية، أهمها أن القوات الأميركية تحيط في البر الرئيسي الصيني، وتجهز واشنطن على المستوى الاستراتيجي للاستجابة لأي عمل عسكري صيني يستهدف مضيق أو جزيرة تايوان، حيث تُشير “استراتيجية المارينز”، خطط وزارة الدفاع الأميركية لتحقيق الانتشار والتنقل السريع بين جزر المحيط الهادئ، لقوات المارينز وللصواريخ الباليستية والطائرات دون طيار المضادة للسفن وأدوات الحرب الإلكترونية، بهدف مضايقة وحصار السفن العسكرية الصينية وسفن الإمداد اللوجستي في بحر الصين الشرقي.

مع ذلك يُمكن لتطورات القوة البحرية والصاروخية للصين أن تغير من قواعد اللعبة تماماً على مُستوى استراتيجيتها المعروفة بـ”حظر الوصول” والتي تهدف لمنع العدو من تحقيق انتشار سريع في منطقة العمليات الصينية، حسب الضمور.

تركي يرى أن أهم الخطوات التي يجب أن تتخذها واشنطن لدعم تايوان بشكل سريع هي التنسيق مع الحلفاء في المنطقة، خاصه اليابان وتزويد تايوان بأنظمة دفاعية متطورة وصواريخ قصيرة المدى قادرة أن تصد أي هجوم صيني لحين وصول الدعم الأميركي من القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في المنطقة وتهديد الصين بالدخول مباشرة في الحرب لدعم تايوان في حالة الاعتداء عليها.

آليات الردع الاستباقي

في مواجهة هذا التفاوت الكبير في القوة، يمكن لتايوان أن تكون بموقع دفاعي استباقي جيد، حيث يمكن للحكومة التايوانية، على سبيل المثال شراء البيانات كخدمة “داس” من الأقمار الصناعية التجارية المخصصة والتي يمكن أن توفر صورا لعدد القوات الصينية التي تحشد لتقديم أكبر قدر ممكن من الإنذار المبكر.

الجيش التايواني

أيضا يمكن للطائرات بدون طيار والسفن المستقلة تحت البحر أن تساعد في إحباط خطط الغزو الصينية، يجب على تايوان أيضا بناء شبكة اتصالات مرنة من خلال نظام فضاء أرض لضمان توفر الاتصالات دون انقطاع أثناء الغزو، بالإضافة إلى ذلك يجب على تايوان استثمار المزيد من الموارد في كل من الدفاعات الإلكترونية لحماية بنيتها التحتية الحيوية وبمساعدة القيادة الإلكترونية الأميركية، والقدرات الهجومية السيبرانية لتعطيل عمليات الجيش الصيني أثناء الهجوم.

أيضا هناك طريقة أخرى لتايوان لتعزيز ردعها تتمثل في الحصول على المزيد من الأنظمة العسكرية غير المأهولة، وتتضمن هذه التكنولوجيا المستقلة طائرات صغيرة بدون طيار يمكنها التحليق في الهواء والتي تعمل بالطاقة الشمسية للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، والتي يمكنها جمع المعلومات الاستخبارية أو اعتراض سفن العدو، لذلك فإن مزيجا من هذه الأنظمة من شأنه أن يمنح تايوان معلومات استخباراتية أكثر شمولا، وربما القوة لاعتراض السفن عبر المحيط الهادئ وهي القدرات التي تفتقر إليها حاليا.

الضمور يشير إلى أن الولايات المتحدة تعمل من خلال تحالفاتها على مواجهة التمدد الصيني في الإندوباسيفيك، وقد أعلنت اليابان مؤخرا عن تحولها في استراتيجيتها الدفاعية نحو زيادة التسلح والتجهيز لامتلاك قوة عسكرية كبيرة، حيث تخشى اليابان من سيطرة الصين على ممرات الشحن البحرية الخاصة بها في حال نجاحها بالسيطرة على تايوان، هذا إلى جانب انخراط الولايات المتحدة في تحالفات مُتعددة، مثل تحالف “أوكوس” الذي يضم أستراليا وبريطانيا، وأيضا تحالف “كواد” الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند.

من الواضح أن لدى الصين نية أعلنت عنها أكثر من مرة بضم تايوان إليها وذلك لن يكون سوى عبر الغزو، لكن في الوقت نفسه فإن الصين باتت تتوقع أن الولايات المتحدة والغرب لن يقف مكتوف الأيدي حيال أي غزو، حيث لن يكتفي بدعم تايوان عسكريا، بل هناك العقوبات والحصار الاقتصادي الذي يمكن أن يؤثر سلبا على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
اقرأ أيضا: استخدام “القوة” لضم تايوان.. الصين بين خيارات متزعزعة ونتائج غير مضمونة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة