منذ الأربعاء الفائت، تصاعدت حدّة الخطاب بين الصين وتايوان، بعد تأكيد بكين تهديدها باستخدام القوة العسكرية لوضع تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي تحت سيطرتها، وسط تهديد التدريبات العسكرية الصينية التي رفعت التوترات بين الجانبين إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات.

من جهتها، أكدت تايوان، أنها لن تتنازل عن قيم السيادة والديمقراطية والحرية، في إطار ردها على تهديد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بإمكانية استخدام “القوة” لضمها إلى بكين، وفق ما قاله المكتب الرئاسي في تايوان، أمس الأحد.

جاء البيان الصادر عن مكتب شؤون تايوان التابع لمجلس الوزراء وإدارة الأخبار التابعة له عقب قرابة أسبوع من إطلاق الصواريخ وتوغلات السفن الحربية، والطائرات الجوية الصينية في المياه والمجال الجوي التايوانيين، حيث أدت الإجراءات إلى تعطيل الرحلات الجوية والشحن، في منطقة حاسمة لسلاسل التوريد العالمية، مما أثار إدانة قوية من الولايات المتحدة واليابان ودول أخرى.

وهذا يترك السؤال مفتوحا حول ما إذا لدى الصين فعلا القوة التي تمكّنها من فرض ما تقوله أو أن ما تقوله ليس إلا مجرد مواقف دبلوماسية فارغة، أو أن القوات الصينية لا سيما البحرية ستواظب على تسيير دوريات مكثفة حول تايوان، والدفع باتجاه الخط الفاصل وبسط هيمنة طويلة الأمد على الممر المائي كآخر الحلول لديها، وهل سيدفع المجتمع الدولي الصين نحو التوحيد السلمي.

لماذا لن تغزو الصين تايوان؟

قبل عام من الآن، قال وزير الدفاع التايواني، تشيو كو تشنغ، إن الصين ستكون مستعدة لشن غزو واسع النطاق لتايوان بحلول عام 2025، واصفا التوترات حينها بأنها الأسوأ منذ 40 عاما، ولكن في آب/أغسطس الفائت، تصاعدت التوترات بشأن تايوان بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، وقد أدى ذلك إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين واشنطن وبكين.

كان الغزو الروسي لأوكرانيا بمثابة جرس إنذار لتايوان. ففي كل يوم تنتشر صور الدمار على شاشات التلفزيون التايوانية، وتعيد إلى الأذهان مستقبل تايوان المحتمل. فقد تحول مضيفو البرامج الحوارية التي تقام في وقت متأخر من الليل في العاصمة تايبيه، من مناقشة الحوارات السياسية إلى تحليل التكتيكات العسكرية والتكهن حول الكيفية التي سوف تنتهي إليها الحرب في أوكرانيا، ونتائجها في تهديد البقاء الذي يواجه تايوان.

يقول الخبير في العلاقات الدولية والسياسة الداخلية للصين، دانيال سي، لـ”الحل نت”، إنه على الرغم من رغبة بكين الطويلة في غزو واحتلال تايوان، وتحقيق “صين واحدة”، تفتقر الصين ببساطة إلى القدرة العسكرية والقدرة على شن غزو برمائي واسع النطاق لتايوان في المستقبل المنظور.

طبقا لحسابات سي، فإنه مع قوة دفاعية محتملة تبلغ 450 ألف تايواني اليوم، وباستخدام النسبة التقليدية من ثلاثة إلى واحد من المهاجمين إلى المدافعين الذين يتم تدريسهم في كليات الحرب للقيام بغزو، ستحتاج الصين إلى أكثر من 1.2 مليون جندي من إجمالي القوة النشطة التي تزيد عن 2 مليون يجب نقلها في عدة آلاف من السفن.

وعليه، سيُطلب إنزال كل تلك القوات عدة آلاف من السفن، وسيستغرق القيام بذلك أسابيع. في حين تمتلك الصين جزءا صغيرا من السفن اللازمة لتنفيذ عملية إنزال بهذا الحجم وتفتقر إلى القدرة على القيام بذلك في المستقبل المنظور. وبالتالي لا توجد أي خطط حالية تشير إلى أن الصين عازمة على شراء مثل هذه القوة، رغم أن ذلك قد يتغير.

في حين أن هناك تكهنات متزايدة بأن الصين قد تتخذ خطوة بشأن تايوان، إلا أنه برأي سي، توقيت وطبيعة مثل هذا الإجراء موضع نقاش، فوفقا لحديثه، فإن الصين وأميركا لا تريدان للحرب أن تندلع، وكذلك تايوان. الصين تريد ضم تايوان دون تحمل المخاطر العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والسياسية الهائلة، المرتبطة بشن غزو برمائي واسع النطاق عبر مضيق تايوان.

الإكراه العسكري والهجوم السلمي

نمط متذبذب من الإكراه العسكري والهجوم السلمي ميّز استراتيجية بكين لإعادة التوحيد الوطني مع تايوان. من خلال فحص التغيير في السياسة الداخلية للصين وتصور بكين للبيئة الدولية والسياسة الداخلية لتايوان. فإن هناك ديناميكية متأصلة وخطيرة يمكن أن تدفع العلاقات عبر المضيق إلى حلقة مفرغة من السلام والإكراه، إذا لم تستطع بكين وتايبيه، التفاوض وتحقيق الاستقرار في العلاقة عبر مضيق تايوان.

في نهاية أيلول/سبتمبر الفائت، قال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنه فقط عندما “يتم توحيد الصين بالكامل” يمكن أن يكون هناك “سلام دائم” عبر مضيق تايوان. جدد وانغ التأكيد على مبدأ “الصين الواحدة”، قائلا إنه أصبح معيارا في العلاقات الدولية.

رفض مجلس شؤون البر الرئيسي في تايوان، التعهد الذي قدمه المتحدث يي، وقال المجلس، إن الشعب التايواني فقط هو من يقرر مصيره، ولا يتضمن “أي تدخل على الجانب الآخر من مضيق تايوان”. مضيفا أن الصين تستخدم التدريبات العسكرية “غير القانونية” والانتقام القانوني والاقتصادي لإجبار الشعب التايواني على قبول سيادة بكين. ووصف المجلس السلوك بأنه “مقيت”.

من جانبها، رفضت جميع الأحزاب السياسية الرئيسية في تايوان مرارا، اقتراح الصين بإنشاء “دولة واحدة ونظامان”، على غرار هونغ كونغ. كما أن الاقتراح لا يحظى بتأييد عام تقريبا في تايوان، خاصة بعد أن فرضت بكين قانون الأمن القومي في هونغ كونغ، في عام 2020، بعد سلسلة من الاحتجاجات ضد الحكومة وضد الصين.

يقول دانيال سي، إنه ومع ذلك، فإن هذه التوترات هي في النهاية نتاج التغيرات في ديناميكيات العلاقة بين الصين وتايوان والولايات المتحدة، والأهم من ذلك، ميزان القوة العسكرية التي تقوم عليها تلك العلاقات، فمع نمو ثروة الصين وقوتها، كذلك نمت خياراتها العسكرية لغزو تايوان، إلا أن خيار التوحيد السلمي سيكون الأنجح لجميع الأطراف.

تأتي رؤية سي، الأخير حول التوحيد السلمي، من منطلق أن أي عملية عسكرية في مضيق تايوان، سيكون لها مخاطر جيوسياسية، إذ يمكن أن يكون لأزمة ممتدة في مضيق تايوان الذي يُعد طريق هام للتجارة العالمية تداعيات كبيرة على سلاسل التوريد الدولية في وقت يواجه فيه العالم بالفعل اضطرابات منذ جائحة فيروس “كورونا” والغزو الروسي لأوكرانيا، فعلى وجه الخصوص، تُعد تايوان مزودا مهما لرقائق الكمبيوتر للاقتصاد العالمي، بما في ذلك قطاعات التكنولوجيا في الصين.

استخدام القوة ضد تايوان في حالتين

على مدى السنوات السابقة، تدّعي بكين أن تايوان مقاطعة صينية وتعهدت باستعادتها بالقوة إذا لزم الأمر، وتتهم حكومتها المنتخبة ديمقراطيا بأنها انفصالية. تقول حكومة تايوان إنها دولة ذات سيادة وليست بحاجة لإعلان الاستقلال.

المتحدث باسم المؤتمر الـ 20 للحزب “الشيوعي” الصيني الحاكم، أكد السبت الفائت، أنّ بلاده لا تستبعد اللجوء إلى القوة لحل مشكلة تايوان، لافتا إلى أن “ذلك سيكون فقط في محاولة انفصال الجزيرة أو حدوث تدخل أجنبي فيها”.

وقال سون يلي، خلال مؤتمر صحافي قبل انطلاق المؤتمر “نحن لا نتعهّد بالتخلي عن اللجوء إلى القوة”، معقّبا “نحتفظ بإمكانية اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة ضد تدخل القوى الخارجية، وضد العدد الصغير للغاية من القوات الانفصالية المؤيدة لاستقلال تايوان وأنشطتها الانفصالية”، وفق تعبيره.

المسؤول الصيني أشار، إلى أن “هذا لن يكون موجها بأي حال من الأحوال ضد شعب تايوان، لأن هدف بكين هو الحفاظ على آفاق إعادة التوحيد السلمي للجزيرة مع البر الرئيسي الصيني”.

من جهتها، قالت رئيسة تايوان، تساي إينغ وين، منذ أيام، إن المواجهة المسلحة بين تايوان والصين، “ليست خيارا على الإطلاق”، مكررة استعدادها لإجراء محادثات مع بكين. وموضحة في الوقت ذاته، أنه “لن يكون هناك أي أساس لاستئناف التفاعل البناء عبر مضيق تايوان إلا من خلال احترام سيادتنا وديمقراطيتنا وحريتنا”.

وفي وقت سابق، وعد وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، بمساعدة تايوان على “تطوير قدرتها للدفاع عن نفسها أمام غزو صيني محتمل” بحسب تعبيره، لافتا إلى أنه لا يرى “تهديدا وشيكا بغزو صيني لتايوان، والنشاط العسكري في مضيق تايوان يظهر أن بكين تسعى لإقامة وضع طبيعي جديد”.

فهم نوايا الصين وقدراتها الحقيقية، هو الحل الأول والأكثر وضوحا عبر الاعتماد على تحليل موضوعي وغير متحيز وقائم على الحقائق لاحتمال حدوث غزو برمائي صيني، والتدابير اللازمة لردعه أو هزيمته، أو حتى إمكانية أن تمتثل الصين لحل التوحيد السلمي، ولذلك على تايوان فهم البيئة السياسية الصينية، وعلى صانعي السياسة والاستراتيجيين في تايبيه، أن يأخذوا في الاعتبار إخفاقات العقود العديدة الماضية وأن يدمجوا هذه الدروس في المناقشات حول ما يمكن أن ستتبعه الحرب مع الصين وكيف يمكن أن تنتهي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.