يبدو أن الصين في طريقها نحو تفرد رئيسها الحالي شي جين بينغ، بحكمها والسيطرة على قرارها، لتنتقل بكين من الحزب الحاكم نحو الفرد الحاكم، بالتزامن مع قرب انعقاد مؤتمر “الحزب الشيوعي” الصيني العام بعد غد الأحد.

المؤتمر الذي يُقام كل 5 أعوام، سيُعقد هذه المرة في الذكرى المئوية لتأسيس “الحزب الشيوعي” الصيني، ويسعى بينغ، من خلال المؤتمر الذي ينتخب فيه أعضاء الحزب الحاكم قياداته، إلى ترسيخ مكانته والتّرقي إلى أقوى زعيم شهدته الصين منذ عقود.

شهد المؤتمر العام لـ “الحزب الشيوعي” الحاكم خلال أربعة عقود ماضية انتقالا منظما للسلطة، فالاتفاق يقوم على إتمام زعيم الحزب الأعلى لمدتيه الرئاسيتين، ثم تسليم عصا الحكم إلى خليفته المنتخب بعناية، لكن بينغ، رفض ذلك، وفي طريقه نحو ولاية ثالثة وربما إلى أجل غير مسمى حتى.

بينغ، ينوي تجاوز هذه السابقة المستقرة، والسعي إلى ولاية ثالثة في منصب الأمين العام لـ “الحزب الشيوعي”، ومن ثم الدفع بالصين إلى حقبة جديدة يهيمن عليها حكم “الرجل القوي” ويسودها الغموض بشأن موعد انتقال السلطة إلى زعيم آخر، وكيفية حدوث ذلك بعد أن يفرض رجل واحد سيطرته على الحكم مدة طويلة، وفق تقرير لموقع “سي إن إن”.

نحو استبداد بينغ

“الحزب الشيوعي” الصيني، المتهم بالدكتاتورية مم قبل الدول الغربية، قلل منذ نهاية السبعينيات انفراد الزعيم بالصلاحيات وخلق انتقالا سلِسا للسلطة عبر انتخابات داخلية في الحزب، لكن الرئيس بينغ، أصبح مختلفا عن أي رئيس سابق حكم البلاد خلال آخر 40 عاما؛ فهو ينوي تحويل الصين من استبداد الحزب لاستبداد الفرد.

شي جين بينغ

لكل تلك الأسباب، فإن المؤتمر الـ 20 لـ “الحزب الشيوعي” هذا العام، يأتي بين أبرز اجتماعاته وأكثرها متابعة وأولاها بالاهتمام منذ عقود، فهو يكشف الكثير عن اتجاه ثاني أكبر اقتصاد في العالم خلال السنوات الخمس المقبلة، بحسب موقع “عربي بوست“.

في ندوة نظمها “معهد بروكينغز”، قال الكاتب الصيني بصحيفة “نيويورك تايمز” تشنغ لي، مدير برنامج الدراسات الصينية بالمعهد، إن الرئيس الصيني شي جين بينغ، سيخرج أكثر قوة بعد هذا المؤتمر بما تستمر معه السياسات المتشددة التي يمارسها تجاه تايوان.

منذ صعود بينغ للقيادة عام 2013، تم تعديل الدستور الصيني وإلغاء القيود المفروضة على مدة ولايته، كي يُسمح بتمديدها لأكثر من فترتين كل منهما 5 سنوات، ويتهيأ حاليا لمنحه فترة حكم ثالثة.

من الواضح عدم وجود أي تحدٍّ جاد أمام هيمنة بينغ، في المؤسسة الصينية والحزب الحاكم، إذ بحسب تشنغ، توجد معارضة فكرية ومجتمعية وأكاديمية لبعض أفكار الرئيس الصيني، لكن ذلك لم ينتقل للنخبة السياسية لعدة أسباب، منها أن بينغ اعتمد خلال فترة رئاسته الأولى على الحلفاء السياسيين، وفي الثانية على حاشيته المباشرة ممن عيّنهم خلال فترة حكمه الأولى، ومن هنا يغيب أي تحدٍّ سياسي له داخل النخبة الحاكمة.

سيشهد مؤتمر “الحزب الشيوعي” الصيني، حركة تعيينات واسعة في مناصب قيادية مختلفة، لتنفيذ أجندة الرئيس بينغ المحلية والخارجية على مدى السنوات الخمس المقبلة، ولا يُنتظر أن يسمي بينغ خليفة له خلال المؤتمر، إذ لا يرغب في شخص آخر يزاحمه.

سيمثّل 2296 مندوبا من “الحزب الشيوعي”، أعضاءه الذين يُقدر عددهم بنحو 100 مليون، وسيشهد المؤتمر الذي يستمر لمدة أسبوع، انتخاب اللجنة المركزية، وفي اليوم الأخير، ستُعقد جلسة عامة توافق فيها هذه اللجنة على تشكيل عضوية المكتب السياسي ولجنته الدائمة، وهما أقوى هيئة لصنع القرار فيه.

عادة ما تكون مؤتمرات “الحزب الشيوعي” الصيني، نقطة تحوّل في سياسات بكين الداخلية والخارجية، ولعل أبرز المؤتمرات التي كانت علامة فارقة في تاريخ الصين الحديث، ذلك الذي عُقد عام 1956، والذي شهد إقرار الخطة الخمسية الثانية التي تستهدف تحويل البلاد من الزراعة إلى الصناعة، والتي تسبّبت في كارثة إنسانية “مجاعة” أودت بحياة نحو 30 مليون شخص.

تقليص أعضاء اللجنة الدائمة

مؤتمر الحزب التاسع الذي عُقد عام 1969، هو الآخر يعتبر مؤتمرا محوريا؛ نظرا لانعقاده في ذروة الثورة الثقافية التي اندلعت في منتصف ستينيات القرن الماضي. وصادق المجتمعون خلاله على التطهير السياسي للطبقة البرجوازية في “الحزب الشيوعي”، ما أدى إلى دخول البلاد في حقبة من الفوضى والدمار والفلتان الأمني، لم تنتهِ إلا بموت ماو تسي تونغ، عام 1976.

عُقد أول مؤتمر لـ “الحزب الشيوعي” الصيني في تموز/يوليو 1921 في شانغهاي، واتخذ الحزب من الماركسية اللينينية عقيدة له، ونجح في استمالة الشباب على الرغم من أن الشيوعية كانت آنذاك الأيديولوجية الأقل تأثيرا بين المذاهب السياسية والاجتماعية.

كانت مؤتمرات الحزب تُعقد بصورة غير منتظمة، نظرا لمرور الصين بأحداث وحروب متباينة، مثل الحرب الصينية اليابانية الثانية (1937-1945)، والحرب الأهلية بين “الحزب القومي” و”الحزب الشيوعي” (1927- 1949). ولم تنتظم إلا بعد المؤتمر التاسع الذي عُقد عام 1969، حيث باتت منذ ذلك الحين تُعقد مرة كل 5 سنوات.

مؤتمرات “الحزب الشيوعي” مثّلت مراحل ومحطات مفصلية في تاريخ الصين، كانت فيها عقيدة الحزب الثابت الوحيد، لكن المؤتمر المقبل سيشهد أول خرق لدستور الحزب منذ تأسيسه قبل 100 عام، على اعتبار أن تمديد ولاية الرئيس بينغ، لفترة ثالثة يخالف ما اعتاد عليه حكّام البلاد، وهو الحكم لولايتين، بحسب حديث الباحث في “معهد تسيونغ كوان” للدراسات والأبحاث في هونغ كونغ، تشو يونغ، لصحيفة “العربي الجديد”.

المؤتمر المقبل سيكون إعادة لإحياء فكرة القيادة الفردية التي تميزت بها حقبة ماو تسي تونغ، وذلك بعد عقود من القيادة الجماعية التي ظهرت ملامحها في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وفق تشو يونغ، الذي أردف أن أعضاء اللجنة الدائمة (7 أفراد) في الحزب، كانوا يمثلون هرم السلطة، وكان منصب الرئيس أقرب إلى القيادة الشرفية، لكن بينغ، جاء ليستأثر بجميع السلطات.

تشو يونغ، توقّع أن يقلّص الرئيس الصيني خلال المؤتمر المقبل، عدد أعضاء اللجنة الدائمة إلى 5 أفراد يكونون من الموالين له، مما يضمن له هيمنة مطلقة، باعتباره الأمين العام للحزب ورئيس اللجنة العسكرية، والأمين العام للجنة المركزية، إلى جانب منصبه كرئيس لجمهورية الصين.

تتنوع قائمة المندوبين الذين سيشاركون في مؤتمر “الحزب الشيوعي”، لتشمل شخصيات من كبار مسؤولي الأقاليم وضباطا عسكريين ومتخصصين من مختلف القطاعات، ومن يُسمون ممثلي القواعد الشعبية مثل المزارعين وعمال الصناعة، وتشير البيانات الصادرة عن المؤتمر هذا العام، إلى أن نسبة المشاركين فيه من النساء تبلغ ما يزيد على الربع بقليل، وتصل نسبة المشاركين من الأقليات العرقية بالبلاد إلى 11 بالمئة.

قائمة الحضور تضم أيضا، مسؤولين من مختلف درجات الهيكل العام لـ “الحزب الشيوعي” الصيني، الذي يُعد من بين أكبر الأحزاب السياسية في العالم، وتتدرج مراكز القوى في هذا الهيكل الهرمي للحزب إلى 3 دوائر مختلفة: نحو 400 من مندوبي المؤتمر الوطني من المنتمين إلى اللجنة المركزية العليا للحزب، والتي تصادق بدورها على أفراد المكتب السياسي المكون من 25 عضوا، ثم “اللجنة الدائمة”، وهي أقوى هيئة لصنع القرار في الصين، وتتألف عادة من 5 إلى 9 رجال، يقودهم الأمين العام للحزب.

إدراج أفكار الرئيس بالدستور

أعضاء المكتب السياسي في الغالب هم من الذكور، وينتمون إلى عرقية الهان المهيمنة في الصين، ويتولون المناصب المهمة في الحكومة. ويضم المكتب الحالي امرأة واحدة فقط، ويتناول المؤتمر العام مختلف شؤون “الحزب الشيوعي”، ويشيع النظر إلى عملية التصويت في مؤتمر الحزب، نظرةَ “الإجراء الشكلي”، وليس بكونها عملية انتخابية حقيقية.

يُدلي المندوبون خلال المؤتمر بأصواتهم لانتخاب اللجنة المركزية الجديدة، وهي الهيئة الرئيسية لقيادة الحزب المكونة من نحو 200 عضو منتظم، وقرابة 200 عضو بديل، وتجتمع بانتظام وتتولى مسؤولية اختيار أعضاء المكتب السياسي رسميا، وبمجرد اختتام المؤتمر تجتمع اللجنة المركزية المشكَّلة حديثا في أول جلسة عامة لها، لاختيار أعضاء المكتب السياسي ولجنته الدائمة.

أستاذ الدراسات السياسية في “جامعة جينان” الصينية، شياو لونغ، قال في حديث مع “العربي الجديد”، إن أهمية مؤتمرات “الحزب الشيوعي”، تكمن فيما شهدته عبر التاريخ من قرارات وأحداث لا تزال تترك أثرا كبيرا على حياة الصينيين، ولفت إلى أن ما أضفى هذا الاهتمام الشعبي والرسمي، الظروف التي أحاطت بنشأة الحزب حين كانت البلاد مرتعا للغزاة، قبل أن يأتي الشيوعيون لينقذوا البلاد من براثن الاستعمار.

بحسب لونغ، فإن التضحيات التي قدّمها قادة الحزب بدءا من مسيرة “الجيش الأحمر” عام 1934، مرورا بدحر المستعمر الياباني عام 1945، وإعلان الدولة عام 1949، جميعها كانت عوامل ساهمت في “إضفاء شيء من القداسة على مؤتمرات الحزب”، إضافة إلى ما تخلل هذه المحطات من أحداث دموية، ورافقتها أيضا في اتجاه آخر حالة من الحذر والترقّب، وتلك العوامل تفسر الاهتمام الذي يحظى به المؤتمر المقبل، والذي يتزامن انعقاده مع توترات أمنية شديدة بين بكين وتايوان.

القرارات المتعلقة بشاغلي المناصب العليا، تُتخذ خلال شهور من المفاوضات التي تجري في الكواليس بين كبار قادة “الحزب الشيوعي”، إذ تتقدم فيها فصائل السلطة المختلفة بمرشحيها، ويستقر الاتفاق على المختارين قبل مدة طويلة من انعقاد المؤتمر العام، وفق موقع “عربي بوست”.

تمكن الرئيس الصيني إلى حد كبير، من إقصاء منافسيه وإضعاف أصحاب النفوذ من كبار السن، الذين جرت العادة أن يكون لهم قدر كبير من النفوذ في اتخاذ قرار زعامة “الحزب الشيوعي”، فطوال أكثر من عقدين كان الأعضاء يختارون أمينا عاما جديدا في كل مؤتمر، لكن بعد انعقاد المؤتمر الأخير في 2017، أومأت تصرفات بينغ، إلى عزمه على إحكام قبضته على جميع ركائز القوة الثلاث في الصين، وهي السيطرة على الحزب والدولة والجيش، وذلك يتضح عندما خالف بينغ، في مؤتمر عام 2017 التقاليد المعتادة، ولم يُرقِّ خليفة محتملا له في اللجنة الدائمة.

مع أنه لا يوجد تحديد رسمي لمدد تولي شخصٍ ما لمنصب الأمين العام للحزب، فإن بقاء بينغ، في هذا المنصب يقتضي منه تجاوز قاعدة أخرى غير مكتوبة، وهي القاعدة غير الرسمية بألا يتجاوز كبار المسؤولين في الحزب سنا معينة، إذ تقضي هذه القاعدة بأن كبار المسؤولين الذين يبلغون من العمر 68 عاما أو أكثر في وقت انعقاد المؤتمر العام، يتقاعدون من تلقاء أنفسهم، لكن بينغ، يخالف هذه القاعدة ببلوغه الآن سن الـ 69 وهو لا يزال في السلطة.

في عام 2017، أصبح بينغ، أول زعيم منذ مؤسس الدولة الصينية، ماو تسي تونغ، تُدرج أفكاره في الدستور أثناء وجوده في السلطة، ويتوقع مراقبون أن يُمعن الرئيس الصيني في ترسيخ أفكاره ومبادئه الرئيسية بالدستور هذه المرة أكثر، والموافقة عليها هي علامات على مدى النفوذ الذي بات بينغ، يحظى به داخل الدوائر العليا لـ “الحزب الشيوعي” الحاكم، ليتقدم إلى ولاية ثالثة في رئاسة الصين، تتجاوز القواعد المتعارف عليها، وهو ما يعني “دكتاتورية” جديدة، عبر حكم الفرد الأوحد بدل الحزب الحاكم في بكين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.