تفاؤل حذر يخيّم في الأفق حول إتمام اتفاقية جديدة بشأن الملف النووي الإيراني، وذلك بعد أن قدم الطرف الأوروبي مسودة لإبرام اتفاق نووي جديد مع إيران، والأطراف المتفاوضة. وتباينت التوقعات والتكهنات بين المحللين والسياسيين حول إمكانية توصل أطراف الاتفاق النووي إلى اتفاق ما في هذه الجولة من المفاوضات، خاصة بعد الحديث عن موافقة مبدئية لطهران، وواشنطن على المقترحات الأوروبية

لكن، في المقابل هناك توقعات بأن الرد الإيراني، على النص الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي، لإحياء الاتفاق النووي لن يكون على الأرجح قادرا على إرضاء الأطراف الأخرى لا سيما واشنطن، ذلك لأن إيران، تصر على الضمانات الاقتصادية والتي تتضمن استفادة طهران من المزايا الاقتصادية لإحياء الاتفاق النووي، إضافة إلى إلغاء العقوبات الدولية.

وإذا ما فشلت المفاوضات هذه المرة، فإنه سيخلق “أزمة خطيرة”، حيث إن جمود المفاوضات على مدار فترات أطول، سوف يؤدي إلى امتلاك إيران لقنبلة نووية، التي أصلا باتت على مقربه منه.

لذلك، يجدر التساؤل عن احتمالات نجاح وقبول الأطراف المفاوضة غير المباشرة (إيران وأميركا) للمقترحات الأوروبية المطروحة، والنتائج المتوقعة إذا تم بالفعل إبرام اتفاق جديد بشأن الملف النووي، خاصة العواقب المتوقعة على المنطقة وسوريا.

احتمالات النجاح

إيران، أعلنت أنها قدّمت ردها المكتوب على مقترح قدمه الاتحاد الأوروبي بشأن إحياء الاتفاق النووي، وأكدت طهران، إنه سيتم استئناف الاتفاق النووي، إذا كان الرد الأميركي “واقعيا ومرنا”، بحسب وكالة “إرنا” الإيرانية، فجر اليوم الثلاثاء.

وقال الاتحاد الأوروبي اليوم الثلاثاء، إنه “يدرس” رد إيران، على مسودة الاتفاق المقترح. وأضاف المتحدث باسم جوزيف بوريل، مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي نسّق المحادثات لإعادة إيران، والولايات المتحدة إلى اتفاق 2015، إن الاتحاد تلقى الرد الإيراني، في وقت متأخر من يوم الإثنين. وأضاف “ندرس الرد ونتشاور بشأنه مع المشاركين الآخرين في خطة العمل المشتركة الشاملة (اتفاق 2015)، والولايات المتحدة بشأن المضي قدما”.

ولم تفصح وكالة “إرنا”، عن تفاصيل بشأن الرد، لكنها أفادت بأن نقاط التباين المتبقية “تدور حول ثلاث قضايا، أعربت فيها أميركا عن مرونتها اللفظية في حالتين، لكن يجب إدراجها في النص”، في حين ترتبط الثالثة “بضمان استمرار تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة (الاسم الرسمي للاتفاق)، والتي تعتمد على واقعية أميركا لتأمين (التجاوب مع) رأي إيران”.

ضمن هذا الإطار، يرى الأكاديمي والباحث في الشأن الإيراني، مسعود إبراهيم حسن، أن هناك ردود فعل إيجابية من الأطراف المفاوضة سواء من الجانب الأميركي، أو الإيراني تجاه الاقتراح الأوروبي، والجانب الأوروبي قدّم العديد من الامتيازات لإيران، وتنازلت الأخيرة بدورها في هذا الإطار، بما في ذلك التنازل عن شطب “الحرس الثوري الإيراني” من قائمة الإرهاب.

ووفق اعتقاد حسن، الذي تحدث لموقع “الحل نت”، هناك ملفات أخرى لم تظهر للنور، أهمها الوجود الإقليمي لإيران، وملف الصواريخ الباليستية، وهذين الملفين مهمان للغاية بالنسبة لإيران.

وأردف حسن، في حديثه، أن إسرائيل ترفض رفضا قاطعا لإتمام الاتفاق النووي الإيراني، لأن هذا الاتفاق يعطي شرعية وقوة لإيران لتنفيذ مشاريعها الإقليمية، وتوسعها في المنطقة. لذلك تسعى إسرائيل، وفق رأي حسن، بكل جهودها لإفشال هذه المفاوضات ووقف رفع العقوبات عن طهران، لأن تل أبيب تسعى لإضعاف طهران، ورفض منحها الشرعية لتوسعها الإقليمي في المنطقة.

ومع ذلك، إذا كانت هناك شروط قوية في الاتفاقية الجديدة تحد من قدرات إيران، وتحجم توسعها بالمنطقة، فإن إسرائيل ستسعى للتكيف مع الأمر، تماما كما فعلت إسرائيل، دائما وأبدا وحتى بعد اتفاق 2015 تركت الباب مفتوحا أمام العمليات العسكرية مع إيران، من خلال عمليات صغيرة، مثل اغتيالات العلماء النوويين الإيرانيين، أو العمليات السيبرانية ضد المفاعلات النووية، لذلك حتى بعد توقيع اتفاقية جديدة حول الملف النووي، ستبقي إسرائيل الباب مفتوحا لمواصلة عملياتها العسكرية ضد إيران،  سواء في الأراضي الإيرانية أو في الداخل السوري، على حدّ تعبير الباحث في الشأن الإيراني.

قد يهمك: الفرصة الأخيرة أمام إيران.. تَوافُق مفاجئ على الاتفاق النووي؟

التبعات المتوقعة

فيما يتعلق بالتبعات المتوقعة، وفق تقدير حسن، فإنه بعد عام 2015، لم يضع الجانب الأميركي، وضع تحركات إيران الإقليمية ضمن الاتفاقية، ولهذا مارست إيران وضعها الإقليمي جيدا خلال هذه المرحلة، لكن مع استمرار التهديدات الإيرانية لدول المنطقة، كانت هناك ضغوط من بعض الدول الأوروبية ودول الخليج للضغط على واشنطن، لإدراج ملف التوسع الإيراني، في المنطقة ضمن الاتفاقية الجديدة إن حصلت.

لكن، نتيجة للحرب في سوريا، تمكنت إيران من الاستيلاء على العديد من المناطق في سوريا، وإقامة قواعدها التي تقدر بنحو 133 قاعدة عسكرية، بالإضافة إلى وضع العديد من الميليشيات التابعة لها، مثل “حزب الله” و”الزينبيون” و”الفاطميون” وآخرون، إضافة إلى تنفيذ إيران، للتغيير الديموغرافي في سوريا، من خلال استقدام عائلات شيعية سواء من أفغانستان أو إيران.

والمفارقة، أن وجود إيران في سوريا كانت بإرادة ورغبة الحكومة السورية، وهذا ما يمنحها القوة للتوسع الآن وفي المستقبل، خاصة بعد انتخاب بشار الأسد، مرة أخرى للحكم في سوريا، وبالتالي وجهة إيران للتعامل مع الغرب، هو الأسد والملف السوري بشكل عام، وفق اعتقاد حسن لموقع “الحل نت”.

لذا، فإن التحرك الإيراني في المنطقة، وخاصة في سوريا، لم ولن يتغير حتى لو تم التوقيع على اتفاقية جديدة بخصوص الملف النووي. على العكس من ذلك، ستسعى لتوسيع أطماعها في المنطقة أكثر. لذلك لن تخاطر الولايات المتحدة الأميركية، وتوقع الاتفاقية ضمن كل الشروط التي ذُكرت أعلاه، ما لم تكن هناك رؤية لواشنطن للسيطرة على تحركات إيران في المنطقة، وذلك عبر إسرائيل.

وضمن السياق، تشير تقارير غربية، إلى أن الاتفاق النووي سيؤدي إلى رفع مؤقت للعقوبات، ضمن فترة تمتد لغاية 2025 لاختبار امتثال إيران للاتفاق، وهذا من شأنه تحرير ما يزيد عن 100 مليار دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة، وبالتالي سيظل الموقف الإيراني من مفاوضات فيينا رهن الخطوات التي تضمن لطهران الخروج من أزمتها الاقتصادية الراهنة.

الشروط الإيرانية صعبة؟

تشير المعلومات التي تلقتها قناة “إيران إنترناشيونال” إلى أن الرد الإيراني المكتوب على النص الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي لإحياء الاتفاق النووي لن يكون على الأرجح قادرا على إرضاء الأطراف الأخرى لا سيما الولايات المتحدة.

وبحسب هذه المعلومات، وافقت إيران على الحل المقترح فيما يتعلق بقضايا الضمانات، لكنها ما زالت تصر على الحصول على ضمانات اقتصادية، وتضيف ذات المصادر إنه إذا رفضت إيران الحل الأوروبي في هذا المجال، فإن فشل المفاوضات مؤكد.

وهناك مطلبين رئيسيين لإيران فيما يتعلق بالاتفاق النووي، وهما يتعلقان بقضايا أمنية تتعلق بالأبعاد العسكرية المحتملة للبرنامج النووي الإيراني وضمانات اقتصادية لصالح إيران من إحياء الاتفاق النووي.

فقد أصر المفاوضون الإيرانيون أولا على أن حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن يجب أن تضمن عدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق مرة ثانية. ولكن بعد أن قوبل هذا المطلب برد سلبي من الولايات المتحدة، أرادت طهران ضمان تمتعها بالمزايا الاقتصادية لإحياء الاتفاق النووي.

وطالبت طهران الغرب بضمان أنه في حالة الانسحاب المحتمل للحكومة الأميركية المستقبلية من الاتفاق النووي، فيجب أن تكون الشركات الأجنبية المتعاقدة مع إيران محصنة من العقوبات المستقبلية المحتملة، لكن، هذا الطلب أيضا تم رفضه لأن إدارة بايدن لا تستطيع ضمان سلوك الحكومات الأميركية المستقبلية تجاه طهران.

وتقول مصادر “إيران إنترناشيونال” إن هذا البند أدرج في نص الاتفاق بحيث يضمن لإيران، أنه طالما إدارة بايدن في البيت الأبيض، إذا تم إيقاف تنفيذ الاتفاق النووي لسبب ما، فإن الشركات الأجنبية المتعاقدة ستتمتع لمدة ثلاثة أشهر بعد تعليق الاتفاق بالحصانة من العقوبات الاقتصادية؛ وبإصرار طهران زادت هذه الفترة إلى ستة أشهر وأخيرا إلى عام واحد، وأن هذا النص نهائي وغير قابل للتفاوض بالنسبة للجانب الغربي.

لكن، الأنباء تشير إلى أن إيران لم تقبل هذا البند في ردها على الاتحاد الأوروبي وطالبت بمزيد من الضمانات، ولم يتضح بعد إلى أي مدى تعارض طهران هذا البند، لكن وفقا لمصادر غربية مطلعة، إذا كانت لدى إيران معارضة أساسية له، فيجب اعتبار مفاوضات الاتفاق النووي فاشلة.

قد يهمك: هل تتقصد إيران تعطيل الاتفاق النووي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.