خلال المؤتمر العشرين للحزب “الشيوعي” الأسبوع الماضي، أكد الرئيس الصيني الذي اعتلى رئاسة الحزب للمرة الثالثة شي جين بينغ، أن بكين ستبذل قصارى جهدها لتحقيق إعادة التوحيد السلمي مع تايوان، لكنها لن تستبعد استخدام القوة، ما أثار موجة من التحذيرات من أن غزو البر الرئيسي لتايوان يمكن أن يحدث في أقرب وقت هذا العام.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قال خلال مقابلة تلفزيونية أمس الأربعاء، نشرت وزارة الخارجية نسخة منها يوم الخميس، إن الصين تسرّع جدولها الزمني للاستيلاء على تايوان وترفض الوضع القائم بحكم الأمر الواقع منذ فترة طويلة، مضيفا أن الوضع القائم منذ 4 عقود والذي تعترف فيه الولايات المتحدة بحكومة بكين فقط، لكنها تزوّد الجزيرة بأسلحة للدفاع عن نفسها، قد “ساعد في ضمان عدم اندلاع نزاع بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان”.

وفي حديث لصحيفة “بلومبيرغ نيوز”، قال بلينكن، “ما تغيّر هو التالي، قرار اتخذته الحكومة في بكين بأن الوضع القائم لم يعد مقبولا، وأنهم يريدون تسريع العملية التي سيواصلون من خلالها إعادة التوحيد”. بهذه التصريحات المتعاقبة، يبدو أن تايوان في طريقها لأن تصبح نقطة مشتعلة كما يحدث في الغرب مع أوكرانيا، ولكن ما الخطة التي تتبعتها الصين للتوحيد الجديد، وما أسباب تحولها السريع للسيطرة على تايوان، وعليه كيف سيكون شكل التجارة في شرق آسيا.

الجدول الزمني لتايوان في بكين

في العام الماضي، قال فيليب ديفيدسون، وهو أميرال متقاعد كان حينها رئيس القيادة الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ، إن جيش بكين قد يحاول توحيد تايوان مع الصين القارية “في غضون السنوات الست المقبلة”، فالصين لا تعترف بالجزيرة كدولة مستقلة، لكن واشنطن تعارض أي محاولة للاستيلاء على الجزيرة بالقوة.

البر الرئيسي للصين وتايوان انقسم في عام 1949 بعد حرب أهلية انتهت عندما هزم الحزب “الشيوعي” قوات الحزب القومي الصيني “الكومينتانغ” التي فرت إلى تايبيه وتحكمها الآن، تعتبر بكين عودة الجزيرة إلى السيطرة على البر الرئيسي “مصلحة وطنية جوهرية لها”.

الخبير في العلاقات الدولية في شرق آسيا والسياسة الخارجية الصينية، ديفيد كانج، يقول لـ”الحل نت”، إن بكين تتطلع إلى تسريع جدولها الزمني للسيطرة على تايوان حتى عام 2027، وهو ما يثير مخاوف حلفاء تايبيه، حيث تشير تقديرات البحرية الأميركية إلى أن هذا العام الذي تريد فيه الصين امتلاك القدرة على الاستيلاء على تايوان.

وفق حديث كانج، استثمرت الصين الكثير من الأموال في التحديث العسكري وقد سرعت بالفعل جدولها الزمني للوصول إلى التعبئة الكاملة في عام 2027، وحتى يكون لـ”جيش التحرير الشعبي” الصيني القدرة على الاستيلاء على تايوان، حيث تسعى لتعزيز أسطولها البحري بما يقارب 820 سفينة حربية.

حتى على المستوى السياسي، كان هناك تغيير في النهج من بكين تجاه تايوان في السنوات الأخيرة. وطبقا لما قاله كانج، فإنه بدلا من التمسك بالوضع الراهن الذي تم إنشاؤه بطريقة إيجابية، فإن القرار الأساسي في بكين بأن الوضع الراهن لم يعُد مقبولا وأنها مصممة على متابعة إعادة التوحيد وفقا لجدول زمني أسرع بكثير، و”إذا لم تنجح الوسائل السلمية، فستستخدم وسائل قسرية، وربما إذا لم تنجح الوسائل القسرية، ستنتقل للوسائل القوية لتحقيق أهدافها، وهذا هو ما يخل بشكل عميق بالوضع الراهن ويخلق توترات هائلة”.

أسباب التغييرات في بكين

فيما يتعلق بقضية تايوان، أوضح وزير الخارجية الأميركية، أنه كان هناك “تفاهم أساسي” لسنوات عديدة على أنه “أيا كانت الخلافات القائمة بين بكين وتايوان سيتم حلها سلميا”، لكن بكين مستعدة لمتابعة الهدف “من خلال الإكراه والضغط، وربما بالقوة إذا لزم الأمر”.

طبقا لتقديرات كانج، فإنه في ظل هذه الظروف، هناك فرصة ضئيلة لأن تشن الصين أي شكل من أشكال الهجوم على تايوان، أو تدخل في حرب شاملة معها في أي وقت قريب. لكن هذا لا يعني أنها ستنهي ما يسمى بحرب “المنطقة الرمادية” التي بدأت قبل زيارة رئاسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي.

يمكن للصين الضغط أو احتلال أي من الجزر المئة التابعة لتايوان، وخاصة الجزر المأهولة بالسكان في مضيق تايوان مثل ماتسو وكينمن وبنغو، وهما أول جزيرتان تقعان على بعد 10 كيلومترات فقط من الساحل الصيني. بحسب حديث كانج.

كما يمكن أن تقطع من وقت لآخر حركة المرور الجوية والبحرية، في محاولة لخنق تدفقات البضائع. وفي الحالات القصوى، قد تحاول محاصرة تايوان، وتقييد وصولها إلى الطاقة المستوردة التي تلبي حوالي أربعة أخماس طلب الجزيرة على الطاقة، والغاز الطبيعي المسال الذي يوفر معظم الكهرباء في تايوان.

والهدف من ذلك، بنظر كانج هو إجبار الحكومة التايوانية على التنازل بطريقة ما عن الحكم الذاتي للحزب “الشيوعي” الصيني. لا سيما مع اقتراب الانتخابات التايوانية المحلية في وقت لاحق من هذا العام، والانتخابات الوطنية في عام 2024، التي تراها بكين أنها ستؤدي إلى تعزيز العمود الفقري للبلاد، وتبعث برسالة إلى شي جين بينغ، بأن التصعيد والإكراه يقودان الصين إلى طريق مسدود.

ماذا لو ذهب شي وأمر بشن هجوم على الجزيرة؟

على الرغم من أن اللجنة الدائمة للمكتب السياسي المكونة من سبعة أفراد التي انتُخبت الأسبوع الفائت خلال مؤتمر الحزب “الشيوعي” الصيني، ستتخذ القرار النهائي بشأن أي عمل تايواني، فإن اللجنة العسكرية المركزية ستضع خطة المعركة وتنفذها، كما يعتقد العديد من الملحقين العسكريين الآسيويين والغربيين.

إذا ما عزمت بكين نيتها في شن حرب على تايوان، فإن حركة التجارة العالمية ستتأثر بشكل كبير، إذ يقدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “الأونكتاد” أن ما يقرب من 80 بالمئة من التجارة العالمية من حيث الحجم، و70 بالمئة من حيث القيمة يتم نقلها عن طريق البحر.

من هذا الحجم، يمر 60 بالمئة من التجارة البحرية عبر آسيا، حيث يحمل بحر الصين الجنوبي ما يُقدّر بثلث الشحن العالمي. وتعتبر مياهه ذات أهمية خاصة بالنسبة للصين وتايوان واليابان وكوريا الجنوبية، وكلها تعتمد على مضيق ملقا، الذي يربط بحر الصين الجنوبي، والمحيط الهادئ بالمحيط الهندي.

بالنسبة للعديد من أكبر الاقتصادات في العالم، يُعد بحر الصين الجنوبي مفترق طرق بحري أساسي للتجارة، حيث عبر أكثر من 64 بالمئة من التجارة البحرية الصينية الممر المائي في عام 2016، في حين أن ما يقرب من 42 بالمئة من التجارة البحرية اليابانية عبرت بحر الصين الجنوبي في نفس العام.بالنسبة للعديد من أكبر الاقتصادات في العالم، يُعد بحر الصين الجنوبي مفترق طرق بحري أساسي للتجارة، حيث عبر أكثر من 64 بالمئة من التجارة البحرية الصينية الممر المائي في عام 2016، في حين أن ما يقرب من 42 بالمئة من التجارة البحرية اليابانية عبرت بحر الصين الجنوبي في نفس العام.

الخبير في العلاقات الدولية في شرق آسيا، يقول، قد يؤدي أي اضطراب قصير الأجل في وقت السلم إلى إجبار السفن إما على الانتظار حتى يتم إعادة إنشاء آلية وصول جديدة أو التفكير في استخدام طريق بديل، في حين قد يكون للاضطراب طويل الأجل عواقب بعيدة المدى على تريليونات الدولارات من البضائع التي تعبر بحر الصين الجنوبي كل عام.

كما قد يؤدي الصراع بين الصين وتايوان إذا ما اندلع، إلى نقص كارثي في أشباه الموصلات في العالم، إذ تصنع تايوان ما يقرب من 50 بالمئة من جميع أشباه الموصلات في العالم.

وزير الخارجية الأميركي، خلال مقابلته الأخيرة شدد على أن الوضع القائم سمح أيضا بازدهار تايوان التي أصبحت قوة مهيمنة عالميا في مجال تصنيع أشباه الموصلات الحيوية لصناعة السيارات والأجهزة الإلكترونيات، و”إذا تعطل ذلك لأي سبب من الأسباب، فسيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي”.

واختتم بالقول، إن ممارسة الضغوط على تايوان “يجب أن يكون مصدر قلق ليس فقط للولايات المتحدة أو دول المنطقة، بل أيضا في جميع أنحاء العالم”.

إذن، في كل لحظة، تخاطر الصين بتكبد مزيد من النكسات الاقتصادية والسياسية من خلال ممارسة المزيد من الضغط على تايوان. كما هو الحال الآن، بدأت الشركات العالمية في إعادة النظر في هياكل سلاسل التوريد والاستثمارات في الصين، ومن شأن تعمق أزمة تايوان أن يخلق مشاكل استراتيجية كبرى للشركات الأجنبية. لا تريد أي شركة الوقوع في مرمى النزاعات والعقوبات وتكاليف التأمين المرتفعة والمواقف القانونية المتضاربة.

وبعيدا عن الغزو المباشر، لا يبدو أن بإمكان الصين شن أي حملة من شأنها إجبار تايوان على الاستسلام. وعلاوة على ذلك، مع كل خطوة لتصعيد التوتر، ستواجه بكين معارضة سياسية وتجارية وربما حتى عسكرية منخفضة المستوى، وعواقب اقتصادية كبيرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.