في الوقت الذي تتعرض فيه إيران لضغط دولي وإقليمي، لاسيما فيما يتعلق بتكثيف إسرائيل لضرباتها ضد مصالح طهران في الآونة الأخيرة، أعلن “الحرس الثوري” الإيراني، المصنّف على قائمة الإرهاب، تطويره لنسخة جديدة من صاروخ “كروز”، حيث يمكن أن يصل الصاروخ الجديد إلى مسافات بعيدة ويمكنه استهداف الأصول الأميركية بدقة عالية.

الصاروخ الجديد سمّي بـ “بافيه”، ويبلغ مداه 1650 كيلومترا كما وأُضيف إلى المخزون العسكري الإيراني، وفقا للجنرال الأعلى حاجي زاده، رئيس قوة الفضاء الجوي لـ”الحرس الثوري”، الذي قال إن الصاروخ الجديد يمكنه استهداف الأعداء في المنطقة، حيث جاء حديثه وسط تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

في حين يؤكد خبراء إقليميون، أن “بافيه” قادر بالفعل على ضرب الأصول الأميركية في المنطقة، مع أنهم يشيرون أيضا إلى الردع الذي تمتلكه الولايات المتحدة في ترساناتها لتحييد مثل هذه التهديدات المحمولة جوا، والتي يمكن لإيران المناورة من خلالها.

تفاصيل الصاروخ الإيراني الجديد

حول ذلك، المزيد من التفاصيل قدمها القائد العام لـ “الحرس الثوري” الإيراني، الجمعة الماضي، حيث أشار في بيان، إلى أن الصواريخ الإيرانية يمكن أن تستهدف القواعد الأميركية بدقة دقيقة، مركزا على القواعد الأميركية في “الخليج الفارسي” والعراق والأردن والمملكة العربية السعودية على وجه التحديد، مؤكدا أنها عرضة للهجمات الإيرانية.

مع ذلك فإنه بإمكان أنظمة الدفاع الجوي اسقاط صواريخ “بافيه”، لكن بالرغم من ذلك يبقى هذا الصاروخ الجديد يشكّل خطرا على المواقع غير المحمية، بحسب ما نقله موقع “تي أر تي” التركي في تقرير نشره حديثا، عن الباحث بإيران في “مشروع ويسكونسن” التابع لـ “مركز الأبحاث” الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، جون كرزيزانياك.

اقرأ/ي أيضا: سعي الجزائر لدور قيادي في مالي.. انخراط متزايد وحفاظ على النفوذ؟

توقعات كرزيزانياك، أشارت إلى أنه في الأساس، ربما يكون صاروخ “بافيه” في الخدمة مع “الحرس الثوري” الإيراني منذ عدة سنوات، لكن لم يتم الإعلان عنه، ومع ذلك فإنه من غير المتوقع أن يُحدث تغييرا في الوضع الاستراتيجي القائم بخصوص دور الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، لسبب أن الصاروخ يُعتبر من الجيل التالي من “صاروخ القدس”، الذي زودت إيران “الحوثيين” في اليمن به قبل عدة سنوات، ولم يُحدث تغييرا يذكر.

في إطار ذلك أيضا، وفي الوقت الذي تتحدث فيه طهران على أن برنامجها الصاروخي، يُعد برنامجا دفاعيا بحتا ويهدف إلى ردع التهديدات المحتملة لتربتها وأصولها، يقول خبراء إنه حتى لو كانت الادعاءات حول صاروخ “بافيه” دقيقة، فإنها لن تؤثر بشكل كبير على استراتيجيات الدفاع لإسرائيل أو الولايات المتحدة.

في حين يبدو أن الإعلان الذي أصدرته إيران يهدف إلى تعزيز صورتها العامة ومواجهة التصور السلبي للحكومة، على الصعيدين الوطني والدولي، وسط المظاهرات المستمرة المناهضة للحكومة في البلاد.

إذ شرح المؤسس والمدير الأصلي لـ “منظمة الدفاع الصاروخي” التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، أوزي روبن، أن الصاروخ الباليستي يعمل كصاروخ، ويتم إطلاقه عموديا بمحرك يتوقف عن العمل في نهاية المطاف. ومع ذلك، بسبب الجمود، يستمر الصاروخ في الطيران إلى الأمام، ووفقا لذلك فإن صاروخ “كروز” يشبه طائرة صغيرة تعمل بمحرك نفاث، وتطير مثل طائرة تجارية ولكن بدون ركاب، وفقا لموقع “تي أر تي”.

في سياق متصل، وفي صلب قدرات إيران الصاروخية وما يمكن أن تمثّله، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي علاء النشوع في حديث لموقع “الحل نت”، إن برنامج إيران للأسلحة البالستية وخاصة الصواريخ بعيدة المدى هو ليس بجديد على الساحة العسكرية الإقليمية والدولية، ففي كل فترة تعلن إيران عن سلاح جديد يختلف عن السلاح الذي تدّعي تصنيعه في السابق من حيث قدراته ومستويات ردعه.

بالون القدرات العسكرية الإيرانية 

النشوع يعتقد أن إعلان إيران عن الصاروخ الجديد يدخل في خانة التضخيم للقدرات العسكرية الإيرانية التي تستخدمها ضد خصومها وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها بالمنطقة، مبينا أن كل ما تم الإعلان عنه من قبل إيران ضمن الإنتاج والتصنيع الحربي في سياق الصناعات البالستية حتى الآن لم تثبت حقيقتها على الأرض، مشيرا إلى أنه لا توجد مؤشرات ودليل على أن التجارب التي يتم إجراؤها مطابقة للتصريحات التي يطلقها المسؤولون الإيرانيون.

بالتالي فإن الحديث عن الصاروخ الجديد، يمثل استفزازا وتهديدا للمنطقة وخاصة لدول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية التي تمتلك قوة عسكرية كبيرة، وهو ما تسعى إليه إيران التي تحاول من خلاله فرض قوة معينة أو السيطرة على المنطقة، لافتا إلى أن طهران تعي جيدا قيمة المنطقة وما تحتويه من مصادر للطاقة، ولذلك تسعى جاهدة باستمرار لفرض تأثيرها عليها، ما يؤهلها لأن يكون لها كلمة في القرار السياسي والاقتصادي الدولي، وهو ذات الأمر الذي تفعله من خلال سيطرتها على “مضيق هرمز” وبحر العرب، بحسب النشوع.

وفقا لذلك، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي، أن الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج تتفهم ما تعلنه إيران من تصريحات عسكرية وتهديدات، بل أنها متيقّنة من أنها تأتي في ظل رفع مستويات الردع لها إعلاميا لتفادي التحديات والمواجهات المحتملة مع الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، مبيّنا أن قدرات إيران العسكرية عبارة عن بالون سينفجر عند أول ضربة عسكرية قوية ومفاجئة تتلقاها.

اقرأ/ي أيضا: انفصال في العلاقات.. هل يمكن للعراق أن ينتصر في معركته ضد واردات الغاز الإيراني؟

في أواخر العام الماضي، أعلنت إيران أنها تمكنت من تطوير صاروخ باليستي فرط صوتي لأول مرة في تاريخها لمواجهة منظومات الدفاع الجوي، وقال الجنرال حاجي زاده، إن هذا الصاروخ له سرعة عالية ويمكنه المناورة داخل وخارج الغلاف الجوي، مشيرا إلى أن الصاروخ سيستهدف منظومات العدو المتطورة المضادة للصواريخ وهو قفزة كبيرة في مجال الصواريخ، في حين يحلّق الصاروخ الفرط صوتي بسرعات تزيد على 6 آلاف كيلومتر في الساعة، أي 5 مرات فوق سرعة الصوت، وفي مسار معقّد يجعل من الصعب اعتراضه.

في غضون ذلك، تعمل إيران على برنامج صواريخ “كروز” أسرع من الصوت يمكنه تتبع الأقمار الصناعية بالرادارات على الأرض، بحسب ما أفاد به الجنرال حسين سلامي، في “الحرس الثوري” الإيراني، في وقت سابق، مؤكدا أن سبب تطوير النموذج الجديد لصواريخ “كروز” هو أن صواريخ “كروز” التقليدية لا تطير بالسرعة التي تطير بها الأسرع من الصوت ورحلاتها على ارتفاعات منخفضة.

بيد أن وزارة الدفاع الأميركية شككت في تلك التقارير التي تشير إلى أن طهران طورت صاروخا باليستيا تفوق سرعته سرعة الصوت. كذلك تحدّث خبراء على إن إيران سبق وزعمت خلال العشرة أعوام الماضية، إنها تمتلك صواريخ “كروز” يمكن أن تقطع 2000 كيلومتر، لذلك من الجيد بعد كل تلك السنوات عادت لتتحدث على إنهم حققوا نطاق 1650 كم، أي بعد 10 سنوات من الادعاءات، وهو ما يؤشر أن صواريخ “كروز” السابقة لم تكن ناجحة جدا.

سلسلة كروز

يشار إلى أن الإعلان عن صاروخ “بافيه” جاء بالتزامن مع تصاعد التوترات بين إيران والغرب، حول مساعي إعلان “الحرس الثوري” منظمة إرهابية، وإعدام سجناء مزدوجي الجنسية، كما يأتي ضمن سلسلة صواريخ كروز “أرض أرض” الإيرانية الأخرى، والتي هي، “سومار”، و”حويزه”، و”طلائية” و”أبو مهدي”. 

السلطات الإيرانية كانت قد أعلنت في السنوات الماضية عن صواريخ “كروز”، وأعلنت وسائل إعلام إيرانية أن مدى هذه الصواريخ يصل إلى إسرائيل. ففي العام 2018، أعلن مسؤولون عسكريون إيرانيون عن صاروخ كروز “حويزه” الذي يبلغ مداه 1350 كيلومترا.

قبل ذلك بعامين، أعلن وزير الدفاع آنذاك حسين دهقان، عن استخدام أحدث صاروخ “كروز” بحري إيراني اسمه “ناصير” في مناورة بحرية، وكتبت وكالة “تسنيم” للأنباء أيضا، أنه في هذا التمرين تم استخدام صواريخ “دهلاويه” المضادة للغواصات والموجهة بالليزر. وفي العام نفسه، أطلق “الحرس الثوري” صاروخ كروز اسمه “سومار” قادر على حمل رأس نووي.

وسط ذلك، تعتبر الدول الغربية أن تجارب إيران الصاروخية تتعارض مع قرار “مجلس الأمن” الدولي رقم 2231، الذي صُدر لدعم “الاتفاق النووي”، حيث تتهم إيران بانتهاك الاتفاق، وذلك في الوقت الذي وسّعت فيه برنامجها الصاروخي، خصوصا الصواريخ الباليستية منه، حيث ضخت طهران استثماراتها في الجيش لتطوير الأسلحة المتطورة وقوة النيران، وسط اقتصادها المعوّق بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، إذ قامت بتسريع تقنيتها العسكرية المحلية في قدرات الحرب الجوية والبحرية والبرية والإلكترونية.

لكن مع ذلك، لا تزال الشكوك تحوم حول البرنامج الصاروخي الإيراني، فمن الملاحظ أيضا أنه في جميع العمليات التي نفذتها طهران بشكل مباشر أو عبر وكلائها في العراق وسوريا واليمن، لم تصيب أهدافها بشكل دقيق. الأمر الذي ترك شكوكا كثيرة حول مصداقية هذه الصناعات وقدراتها، ما إن كانت تمثل تهديدا فعليا، أو على الأقل ترجّح كفّة إيران كقوة دولية إقليمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة