في خطوة وصفت بمحاولة لمنع تقويض نفوذها، التقى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الأحد الماضي، بممثلي الحركات السياسية المالية، ومن بينها تنسيقية “حركات أزواد”، في إطار جهود بلاده لإنقاذ اتفاقية المصالحة في مالي التي رعتها بلاده عام 2015، من الانهيار.

ذلك جاء بسبب عدم تنفيذ العديد من بنود الاتفاق الذي ينص على تدابير تُرسي اللامركزية في إدارة البلاد ودمج المتمردين بالجيش، وفي ظل تصاعد الانتقادات للاتفاق، وكذلك في الوقت الذي تسعى فيه الجزائر للحفاظ على نفوذها في الدولة التي تمتلك معها حدودا بطول 1400 كيلومتر.

اللقاء جمع متمردين ماليين سابقين موقّعين على “اتفاق السلام” بالرئيس الجزائري، لبحث تطبيق الاتفاق، الذي لم تنفذ العديد من بنوده، حيث قالت تنسيقية “حركات أزواد” إنها ناقشت تطلعاتها وطرحت اقتراحات حلول يمكن أن تساعد في كسر الجمود بين الأطراف، في حين أكد تبون، التزام الجزائر تجاه الماليين بما يشمل الجميع، من أجل التّوصل إلى تفاهم بشأن ضمانات أقوى تتعلق بتطبيق الاتفاق.

مالي واهتمام الجزائر

في وقت تعيش فيه مالي حالة من التصعيد والتوتر بين المتمردين السابقين الذي كانوا قد وقّعوا على الاتفاق قبل أكثر من سبعة أعوام، وبين حكومة باماكو، تتطلع الجزائر إلى الاستمرار في  أداء أدور مهمة فيما يتعلق بمالي، وذلك في سياق جهود وقف الحرب بين الحكومة و”حركة التمرد الانفصالية”.

التوتر بين الأطراف المالية، سببه عدم تنفيذ العديد من بنود “اتفاق السلام”، لاسيما بعد إعلان تنسيقية “حركات أزواد” التي تجمع المتمردين السابقين، في كانون الأول/ديسمبر الماضي تعليق مشاركتها في تطبيق الاتفاق، بذريعة أن “المجلس العسكري” الحاكم ما زال يفتقر للإرادة السياسية لتطبيق بنوده، في الوقت الذي تجري فيه منذ أسابيع محاولات وساطة دولية تضطلع الجزائر بدور بارز فيها.

اقرأ/ي أيضا: أججوا سوق العقار.. لماذا ينجذب المستثمرون الروس إلى الإمارات؟

في حين كان “المجلس العسكري” الحاكم في مالي قد أعرب عن رغبته في تطبيق “اتفاق السلام” بعد استقباله سفراء الدول الوسيطة منتصف شباط/فبراير الماضي، وجاء ذلك بعد أن أعلن أمادو ألبير مايغا، عضو “المجلس الوطني الانتقالي” الذي يعمل بصفته هيئة تشريعية؛ أن الجيش المالي سيبدأ قريبا عمليات لاستعادة سلطة الحكومة المركزية على مدينة كيدال الاستراتيجية شمالي البلاد، والتي تسيطر عليها فصائل تنسيقية “حركات أزواد”.

مايغا أكد حينها أن الحرب في كيدال حتمية. ولعل هذا ما دفع بالوسطاء لتكثيف جهودهم في تحقيق بنود “اتفاق السلام”، خصوصا وأن الاتفاق يعد من الأركان الأساسية لإعادة الاستقرار السياسي والعسكري في البلد الشاسع الذي تعصف به الحرب منذ اندلاع تمرد انفصالي في الشمال تلاه آخر جهادي عام 2012، وعلى الرغم من أن اتفاق عام 2015 سمح بوضع حد للتمرد الانفصالي، إلا أن النشاطات الإرهابية لا تزال مستمرة، بل وباتت تتمدد في الأعوام الأخيرة إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.

وسط ذلك، تواجه الجزائر معادلة صعبة في مالي حيث تعكف على منع مزيد من الانزلاق، تجنبا لفتح جبهة أخرى على حدودها بعد ليبيا، وأيضا دفع الفرقاء إلى تطبيق بنود “اتفاق السلام”، خصوصا دمج المتمردين في الجيش ووضع حد للعنف والمحافظة على الوحدة الوطنية، وكل ذلك في وقت يشهد النزاع في مالي تطورات مثيرة في الأشهر الأخيرة، سيما فيما يتعلق بتحولها لساحة تدافع دولي، حيث بات النفوذ الروسي مؤخرا عبر مرتزقة “فاغنر” يتحكمون بالمشهد. 

الجزائر ومواقفها من الوجود الروسي في مالي

على الرغم من أن الجزائر لم تعر قضية التواجد الروسي في مالي أهمية، بل حتى لم تعارضه في الواقع، خصوصا وأنها تعد أكبر مستورد للسلاح الروسي في شمال القارة الإفريقية ويربط الجانبان مصالح عدة، إذ سبق أن قال تبون في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إن كلفة مرتزقة “فاغنر” في مالي ستكون أكثر فائدة لو استثمرت اقتصاديا، إلا أن هذا التواجد قد أثر واقعيا على مجريات البلاد، بما فيها تنامي النشاطات الإرهابية، وبما لا يخدم مصلحة الجزائر.

في غضون ذلك، يشرح الخبير السياسي الجزائري إسماعيل معراف، أسباب الاهتمام الجزائري الكبير بمالي، بالقول إن لدى الجزائر مصالح كبيرة في مالي، وذلك لعدة أسباب، تنطلق من أن الدولتين متجاورتين وتمتلكان حدودا طويلة مع بعضهما، لافتا إلى أن مالي تمثل عمقا إفريقيا بالنسبة إلى الجزائر على مر السنوات.

اقرأ/ي أيضا: الأمين العام لـ “الأمم المتحدة” ببغداد.. الإبحار في طريق التغيير المستدام؟

خلال حديثه لموقع “الحل نت”، بيّن معراف أيضا، أن هناك علاقة تاريخية تربط الجانبين، خصوصا وأن الجزائر كانت قد استخدمت الأراضي المالية في الثورة الجزائرية من أجل التزود بالسلاح، بالتالي بقي هذا الرصيد من مساهمة الماليين مهمّا ومعتبرا لدى القادة الجزائريين، وجعل لها مكانة كبيرة في أولوية السياسة الجزائرية.

كما أشار أيضا إلى أنه في الوقت الحالي باتت القارة الإفريقية تمثّل منطقة استقطاب عالمي، ووسط هذه المعادلة تمثل مالي بوابة المنطقة الساحلية، ولذلك تحرص الجزائر على استضافة كل الفرقاء السياسيين الموجودين في مالي لمنع أي تأثيرات مستقبلية، لافتا إلى أن الاهتمام الجزائري بمالي كبير ويمتد إلى الجانب التنموي والاقتصادي، بل وهناك موازنات توضع للجيش المالي النظامي، وهو دليل على المكانة التي تنالها مالي في صلب الاستراتيجية الأمنية والدبلوماسية الجزائرية، مؤكدا أن أي انفلات أمني في مالي سينعكس على الجزائر.

مالي شهدت في السنوات الأخيرة انقلابات عسكرية متتالية وسط فوضى أمنية تغرق فيها البلاد، مما يثير مخاوف من تمدد الجماعات المتطرفة التي تسعى إلى استثمار التنافس المحموم على النفوذ لتعزيز مواقعها.

منطقة استقطاب عالمي

بحسب خبراء، فقد وجدت مالي كغيرها من الدول الإفريقية في قلب هذا التنافس المحموم بين روسيا والصين والولايات المتحدة، حيث تحولت البلاد إلى ساحة مواجهة بين الغرب والحلف الذي يجمع روسيا والصين وتنحاز لهم الجزائر أيضا، خصوصا بعد نجاح روسيا في دفع “المجلس العسكري” بمالي بطرد القوات الفرنسية من إحدى أهم مستعمراته التاريخية. 

وسط ذلك ومع أن الحضور الروسي في مالي بات يمثل هاجسا يؤرّق دولا مثل فرنسا وحلفائها، فإن الجزائر تبدو مرتاحة له، خصوصا فيما يمكن أن يوفره لها من مساحة يمكنها التحرك داخل مالي والتأثير فيه.

هذا وتتميز القارة السمراء بمواردها الغنية، لاسيما أنها تحتوي على 30 بالمئة من احتياطيات المعادن في العالم، كما تمتلك 40 بالمئة من الاحتياطي العالمي من الذهب، و90 بالمئة من الكروم والبلاتين.

أيضا تمتلك القارة الإفريقية أكبر احتياطيات العالم من معادن الكوبالت والماس واليورانيوم، بالإضافة إلى 12 بالمئة من احتياطيات النفط في العالم تمتلكها دول القارة السمراء، بالإضافة إلى امتلاكها لـ 65 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، ومن بين جميع هذه الموارد تحظى مالي بحصة كبيرة.

بالمقابل، وفي ظل فشل الأطراف المتنازعة في مالي لوضع حدّ للعنف، فإن الثابت أن اتفاق الجزائر الذي وقّع عام 2015 يمر باختبار جدّي سيجعل السلطات الجزائرية تضع في سُلّم أولوياتها منع انهياره، خصوصا أن أمن مالي يُعد امتدادا لأمنها الداخلي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.