في خضم حالة من عدم الاستقرار السياسي التي يعيشها العراق، إلى جانب أزمة مالية جراء تباين سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي، وصل الأمين العام لـ “لأمم المتحدة” أنطونيو غوتيرش، إلى العاصمة العراقية بغداد، مساء الثلاثاء الفائت، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ 6 أعوام، داعيا العراقيين إلى حوار شامل مفتوح للتغلب على التحديات، فما دلالة ذلك.

زيارة الأمين العام لـ “الأمم المتحدة”، فتحت الباب على عدة تساؤلات، لاسيما ما يمكن أن تحدثه على مستوى تعزيز الاستقرار، خاصة وأن وضع البلاد مفتوح على عدة احتمالات في الوقت الحالي، بما فيها تجدد الصدام السياسي بين القوى السياسية الذي ما بارح أن أنتهى قبل أربع أشهر من الآن، عندما تم التوصل إلى تفاهمات حول تشكيل الحكومة بعد تعطيل دام أكثر من عام على انتهاء آخر انتخابات مبكرة شهدتها البلاد في تشرين الأول/أكتوبر 2021.

بالإضافة إلى إمكانية تجدد المظاهرات الشعبية، احتجاجا على غلاء المعيشة التي تسبب بها ارتفاع سعر صرف الدولار، والذي ما زال مرتفعا بالرغم من قرار الحكومة العراقية بتخفيض قيمته الرسمية من 1460 دينار لكل دولار واحد إلى 1300 دينار، في حين لا يزال سعره في السوق الموازية متراوحا بما لا يقل عن 1500 دينار، وذلك بعد أن وصل إلى 1750 دينار لكل دولار، الأمر الذي انعكس بشكل كبير على أسعار السلع الاستهلاكية وحياة المواطنين، ما يهدد بانفجار غضب الجماهير مجددا.

نظرة في سياق زيارة غوتيرش إلى العراق

قبل ذلك كله، لا بد من نظرة في سياق الأحداث. فعند التوصل إلى إنهاء الأزمة السياسية وتشكيل الحكومة؛ جاء ذلك على حساب انسحاب “التيار الصدري” الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، من العملية السياسية غير راض عن ذلك، بعد أن حقق أكبر فوز في الانتخابات، وهو المعروف عنه أيضا المركزية في الإدارة وتأثير قاعدته الشعبية، خصوصا في قضية الاحتجاجات، وذلك بالتوازي مع رفض شعبي واسع لعودة ذات الأحزاب التقليدية، تحديدا المقربة من إيران، في إدارة السلطة بالبلاد. الأمر الذي ينذر بتجدد الاحتجاجات بسبب ذلك، وجملة أسباب أخرى، بما فيها بشكل أساسي فشل الحكومة في السيطرة على سوق العملة الصعبة.

وسط هذا المشهد، جاء غوتيرش ليقول خلال لقائه رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، إن “الأمم المتحدة” مستعدة لدعم حكومة العراق إزاء التحديات التي تواجهها، معربا عن “تفاؤله بما تقوم به الحكومة العراقية من جهود في جميع المجالات، بما في ذلك تركيزها على ملف مكافحة الفساد وقرارها في إعادة النازحين إلى مناطقهم”، الذي وصفه بالقرار الشجاع والإيجابي.

اقرأ/ي أيضا: السعودية تقتحم ساحة الحرب بـ 400 مليون دولار.. ماذا تبحث الرياض في كييف؟

حول ذلك في حديث مع “الحل نت”، شرح أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، طارق الزبيدي، أبعاد الزيارة، بالقول إن الأمين العام لـ”لأمم المتحدة”، أنطونيو غوتيريش أعطى قوة للعراق على المستوى السياسي والدبلوماسي، مشيرا إلى أن أهم الملفات التي ستبحثها الزيارة؛ هي ملف الطاقة، وملف العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان، فضلا عن الملف الأمني بما يخص مناطق التماس مع تركيا وإيران، إضافة إلى قضايا تتعلق بمستقبل العراق سياسيا وضرورة الاستقرار، وأهمية البدء بحوار مع جميع الأحزاب السياسية المتناحرة.

لكن الزبيدي لفت إلى أن دلالة هذه الزيارة السريعة والمفاجئة تأتي نسبة إلى أهمية موقع العراق الاستراتيجي في المنطقة، كونه يؤثر ويتأثر بأحداث المنطقة، مبينا أنه من المحتمل جدا أن تحمل الزيارة ملفات سرّية لن يتم كشفها للإعلام.

اللافت في زيارة غوتيرش إلى بغداد، بحسب مراقبين، حديثه عن دعم العراق وأهمية ما تقوم وقامت به حكومة السوداني، في وقت لا يُخفي فيه الشارع العراقي تذمره من فشل إدارة ملف العملة الصعبة، كذلك عدم نجاعة إجراءاتها في السيطرة على سعر الصرف في الوقت الذي يستمر “البنك المركزي” العراقي ببيع الدولار بالسعر الرسمي، في حين تتجاوز أسعاره في سوق الصرف أكثر من 20 نقطة عن السعر الرسمي، وهو ما اعتبره البعض فشلا في وقف تهريب العملة لدول إقليمية محيطة بالبلاد مثل إيران وسوريا ولبنان وتركيا.

كذلك حتى على مستوى الملفات الأخرى التي أشاد بها الأمين العام لـ “الأمم المتحدة”، مثل قضية النازحين، إذ لا تزال المشكلة قائمة حتى الوقت الحالي، ولا يزال الآلاف مبعدين قسرا عن مدنهم، إضافة إلى أولئك الذين دُمّرت منازلهم ولا تتوفر مقومات العيش الكريم في مُدنهم ما يحول بين عودتهم، حيث لا يزال هناك 1.2 مليون نازح في المخيمات، وفق أخر إحصائية لـ “منظمة الهجرة الدولية”، وهناك أكثر من 665 ألفا منهم في مخيمات إقليم كردستان، وفق أحدث الإحصائيات عن “مركز إدارة الأزمات بالإقليم”.

“الأمم المتحدة” والأبعاد الكامنة في العراق

بناء على ذلك، يقول الباحث والصحفي فقار الموسوي، إن الزيارة لم تكن بروتوكولية أبدا، إذ إنها تحمل أبعاد كثيرة، ولعل أهمها هو ضرورة استقرار العراق في الوقت الحالي، في سياق ما يعيشه العالم والمنطقة من أحداث وتحولات استراتيجية، مبيّنا أن الغزو الروسي لأوكرانيا واستمرار بكين في توسيع تمددها في العالم والشرق الأوسط تحديدا، وبجانب النفوذ الإيراني، بات من اللازم إيجاد منطقة قوة، ولعل ما يتمتع به العراق من موقع استراتيجي ومحوري في المنطقة دفع الأمين العام لـ “الأمم المتحدة”، لتكون بغداد وجهته الحالية.

الموسوي وفي حديث لموقع “الحل نت”، أوضح أن العراق يمتلك موقعا مؤثرا في قلب الشرق الأوسط، وله تأثير كبير على الدول الفاعلة مثل تركيا وإيران وسوريا والخليج بدءا من السعودية والكويت، وبالنظر إلى تقاطع المصالح الدولية من حيث رغبة الخليج في تحجيم النفوذ الإيراني، ورغبة الدول الغربية في وضع حدّ لتمدد الصين وحتى روسيا، فإن العراق يمثّل المفصل في هذا، بحيث لا يمكن معالجة نفوذ طهران من دون البدء من بغداد، كذلك لا يمكن أن يفاوض الخليج الدول الغربية حول التمدد الصيني ما لم تتحقق تطلعاتهم.

بالتالي فالمشهد مفتوح على سيناريوهات عدّة، ويحمل قضايا متعددة بما فيها مسألة “الملف النووي الإيراني”، وهذا كله لا يمكن التعامل معه من دون وجود حكومة قوية في بغداد، إذ تشظي الأطراف والانقسام الداخلي لا يخدم المصلحة الدولية، كما يرى الموسوي. ويشير إلى أنه إذا ما نظرنا لوضع الحكومة العراقية سنجدها تُتّهم بقربها من إيران، ومن المفترض أن يقابل هذا بعداء أممي، خصوصا وأن “الأمم المتحدة” ذاتها من تتخذ إجراءات بشأن طهران. متسائلا، فكيف بات دعم الحكومة العراقية قضية مهمة.

اقرأ/ي أيضا: إصرار “الإطار” يكسر صمت “التيار“.. انتخابات محافظات العراق تشعل شرارة الاحتجاجات؟

تفسيرا لذلك، بيّن الباحث في الشأن العراقي، أن المجتمع الدولي وعلى ما يبدو من خلال تحركاته وحسابات مصالحه الدولية والإقليمية، يحاول استغلال الرغبة العراقية سواء الشعبية، أو حتى السياسية التي ولّدها الضغط الشعبي في إصلاح المشهد الحالي، نتيجة لما شهده البلاد على مدى نحو عقدين من الدمار والخراب وانتشار الجريمة والفساد، لذلك فالتقييم بات قائما على مستوى الرغبة والابتعاد عن الشخصنة، مشيرا إلى أن هذا واضح جدا كذلك في تعامل دول الخليج مع الملف العراقي.

زيارة غوتيرش إلى العراق، تُعدّ الأولى له منذ ست سنوات، حيث سيسعى خلالها إلى دعم جهود السلام وتعزيز الاستقرار، فيما دعا المجتمع الدولي إلى دعم العراق في معالجة التحديات البيئية وتنويع الاقتصاد، قائلا إن العراق مهمٌّ ومركزي.

الأمين العام لـ “الأمم المتحدة”، وصل العراق بناء على دعوة قُدّمت له من قبل الحكومة العراقية، فيما من المأمول إجراء لقاءات ومباحثات مكثّفة مع الأمين العام حول تطورات الوضع السياسي في العراق والمنطقة والوضع العالمي، بحسب ما أفاد به وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في مؤتمر صحفي عقده فجر أمس الأربعاء.

أهمية كبيرة 

حسين أشار إلى أن هنالك تحديات كبيرة وطنية وإقليمية وعالمية، ونحتاج إلى تبادل وجهات النظر وإلى دعم الأمين العام لـ “لأمم المتحدة” لهذه التحديات، مؤكدا أن للأمين العام أفكارا مهمة ونأمل سماع هذه الطروحات خاصة للوضع والأمن الإقليميين.

في مقابل ذلك، يرى مراقبون أن زيارة غوتيرش في هذا التوقيت تكتسي أهمية كبيرة، خصوصا في ظل الأزمات التي يعيشها العراق على مستويي المياه والمناخ، وكذلك قضايا النازحين والمهاجرين، فهذه الملفات تحتاج إلى دعم دولي وأممي لتحقّق الحكومة العراقية نجاحات فيها خلال المرحلة المقبلة، بحسبهم.

هؤلاء المراقبون أكدوا أيضا، أن الزيارة لن تخلو من بحث الوضع السياسي، خصوصا وأن العراق مُقبل على إجراء انتخابات مجالس المحافظات، وانتخابات لـ “مجلس النواب”، بالإضافة إلى الملف الأمني، فهناك تأكيد أممي على ضرورة حماية المدنيين، إضافة لملف محاربة الفساد وعمليات الإصلاح في مؤسسات الدولة، وخصوصا الإصلاح الاقتصادي والمالي.

بالمحصلة؛ فإن زيارة الأمين العام لـ “الأمم المتحدة”، لها أهمية بالغة، ويُتوقع لها أن تُلقي بظلالها على مستوى المشهد العراقي بأكمله، بدءا من الملف السياسي وصولا إلى الخدمي، وذلك بالتوازي مع ما يمكن أن تحققه على مستوى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء المحليين، خصوصا في ضوء تعبير “التيار الصدري” عن رفضه لتعديلات قانون انتخابات المحافظات الذي يجري الحديث عن محاولة سحبه وتطبيقه بعد التعديل على مستوى الانتخابات التشريعية النيابية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.