في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول سعودي وعربي إلى أوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير من العام الماضي، وقّعت السعودية وأوكرانيا يوم الأحد الفائت اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة تصل إلى 400 مليون دولار حول المساعدات الإنسانية والمشتقات النفطية. 

ذلك جاء على هامش زيارة وفد سعودي برئاسة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان إلى العاصمة الأوكرانية كييف، والتقى خلالها بن فرحان والوفد المرافق له بالرئيس الأوكراني فلاديمير زلينسكي، بمقر الرئاسة في العاصمة الأوكرانية كييف، لتثير هذه الزيارة والدعم السعودي المُقدَّم الكثير من التساؤلات، لاسيما وأن الرياض بقيت طيلة الحرب تتخذ موقف الحياد.

السعودية تمسّكت طوال الفترة الماضية بمبدأ الحياد، وتشجيعها لجهود وقف القتال من خلال الحوار، كما رفضت المملكة الضغوط الغربية ولاسيما الأميركية لزيادة إنتاج النفط في موقف عدّته واشنطن دعما لموسكو وهو ما نفته المملكة بشدة حينها.

مخرجات الزيارة إلى كييف

خلال الزيارة، وقّعت الرياض وكييف اتفاقية ومذكرة تفاهم بين المملكة وأوكرانيا بقيمة تصل إلى 400 مليون دولار، بحسب ما أفادت به وكالة الأنباء السعودية “واس”، وقالت إن الاتفاقية تتضمن برنامج تعاون مشترك لتقديم مساعدات إنسانية من المملكة لأوكرانيا بقيمة 100 مليون دولار.

كما تضمّنت مذكرة التفاهم تمويل مشتقات نفطية بقيمة 300 مليون دولار كمنحة مقدّمة من الحكومة السعودية عبر “الصندوق السعودي للتنمية” لصالح أوكرانيا، وذلك يعكس حرص السعودية على دعم أوكرانيا وشعبها في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، والإسهام في تخفيف الآثار الإنسانية الناجمة عنها.

اقرأ/ي أيضا: استراتيجية واشنطن الجديدة.. هل تنجح في تحجيم “فاغنر” بإفريقيا؟

في حين قدّم الرئيس الأوكراني زلينسكي، شكره إلى وزير الخارجية السعودي على دعم بلاده للسلام وسيادة أوكرانيا وسلامتها، معتبرا أن هذه الزيارة التي تُعد الأولى من نوعها ستوفر زخما جديدا بين البلدين، فيما وصفت وكالة “بلومبرغ” الأميركية التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، الزيارة التي لم يُعلن عنها مسبقا، بأنها قد تكون محاولة لإبداء التوازن من جانب السعودية، العضو في منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك”، خصوصا في ضوء تعرّضها للانتقاد لإظهارها الدعم لموسكو في الحرب التي مرّ عليها أكثر من عام.

في السياق، وحول أهمية الزيارة، نقلت “بلومبرغ” عن ناشد أندري يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني والمقرّب منه، قوله “نحن نتعامل معها كدليل مهم على مساندة بلادنا، في خضم مرور أكثر من عام على العدوان واسع النطاق للاتحاد الروسي”، مضيفا أن “هذا الحوار وهذا الاجتماع مهمّان للغاية بالنسبة لنا”.

خلال الزيارة، بحث مسؤولو أوكرانيا مع الأمير فيصل احترام قواعد القانون الدولي وميثاق “الأمم المتحدة”، بحسب يرماك، الذي أشار إلى أن “موقفنا موحد بشأن ذلك”، في حين كانت السعودية واحدة من 141 دولة صوتت الأسبوع الماضي لصالح قرار غير ملزم لـ”لأمم المتحدة” يدعو إلى انسحاب موسكو من أوكرانيا.

الجانبان بحثا أيضا مجموعة واسعة من القضايا الأخرى، تتراوح ما بين المساعدة السابقة للسعودية في تشكيل عمليات تبادل للأسرى مع روسيا وفرص إجراء عمليات تبادل أخرى، إلى تعزيز مكانة كلّا من كييف والرياض في منطقة الجنوب من العالم، بما في ذلك إفريقيا. ووفقا لـ “بلومبرغ”، التي نقلت عن يرماك قوله، إن أوكرانيا تعبّر عن أملها في أن تدعم حكومة الرياض على الأقل بعض البنود المدرجة في “خطة السلام” التي حدّدها الرئيس الأوكراني في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

وجهة نظر سعودية.. فما علاقة سوريا؟

حول مخرجات الزيارة وإذا ما كانت تمثّل تغييرا في المواقف، يقول الباحث السعودي محمد السلامة في حديث لموقع “الحل نت”، إن المملكة العربية السعودية تحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف، بما فيهم أطراف الصراع، مستغلّة ذلك في الدعوة إلى إيجاد حل سلمي دائم للنزاعات بين الدول، خصوصا وأن الرياض تُعتبر من الدول الداعمة لمواقف وقرارات “الأمم المتحدة”، ودعم السلم الأمني.

بعيدا عن التكتلات والانحياز في الصراعات الدائرة، عملت السعودية منذ بداية الحرب في الدعوة إلى ضرورة وقف الصراع وإيجاد حلٍّ سلمي يضمن مصلحة جميع الأطراف، وخير مثال على ذلك ما بذلته المملكة من جهود كبيرة في إطار تحقيق اتفاقية تبادل الأسرى بين الروس والأوكرانيين، بحسب ما تحدث به السلامة.

اقرأ/ي أيضا: بعد 4 عقود.. ما دلالة استضافة بغداد لمؤتمر الاتحاد البرلماني العربي؟

الباحث في الشأن السعودي، يرى أن تصريحات وزير الخارجية السعودي أثناء زيارته لكييف كانت تؤكد وتدعو لدعم المساعي لإيجاد صيغ واتفاقيات مقبولة في سياق دعم وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مقابل الجلوس على طاولة حوار مشتركة للتفاوض حول تجنّب استمرار الاقتتال واللجوء إلى السّلم، مبيّنا أن السعودية سبق وعرضت وساطتها منذ بدايات نشوب الحرب، بحكم امتلاكها علاقات جيدة ومتوازنة ومعتدلة بين أطراف النزاع، بالتالي هي لا زالت تأمل في إيقاف الحرب وحقن الدماء.

لكن الخبير في السياسات الدولية، عمر عبد الستار، لفت إلى أن هذه الزيارة تمثّل أهمية بالغة، بل يمكن قياسها بمقام زيارة إيلي كوهين إلى أوكرانيا قبل أسبوع، مشيرا إلى أن توالي زيارة وزيري الخارجية السعودي والإسرائيلي، يوحي إلى أن محاولة نقل ساحة المعركة من أوكرانيا إلى سوريا، خصوصا بعد تصريحات وزير الخارجية السعودي في “مؤتمر ميونخ” قبل نحو أسبوعين بأن الوضع في سوريا لم يعد يُحتمل، بالتالي فإن سوريا ستشهد تحولا.

عبد الستار وفي حديث لموقع “الحل نت”، يعتقد أن الحديث عن “القمة العربية” وحضور الرئيس السوري بشار الأسد المحتمل، بجانب زيارة “الاتحاد البرلماني العربي” أول أمس لدمشق، تعني أن كلّها جزءا من هذا السيناريو، الذي يؤشر إلى أن دفع الأسد لإخراجه من المشهد لا بأس به، لذلك توقيت الزيارة يحمل مؤشرات، بأن هناك تحولا لابد أن تشهده سوريا، وهذا التّحول يجب أن يكون من خلال عملية سياسية، وهو ما ترفضه كلّا من روسيا وإيران وحتى الأسد، ومحور المقاومة مجتمعا.

الخبير في السياسات الدولية، بيّن أنه وفق هذا المشهد يعني انتقال الملف السوري من أستانا إلى جنيف، وهذا يعني أن المحور الإيراني الروسي في سوريا ربما يقوم بما لا يريده العرب، خصوصا وأن المشهد متجه نحو إخراج إيران من المنطقة، وإن إبعاد إيران من المنطقة بالضرورة يبدأ من سوريا، لذلك فإن الزيارة تصبّ في هذا الاتجاه، مثلما تصبّ زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي في الاتجاه نفسه، لاسيما مع ما تحدث به كوهين خلال زيارته بأن تل أبيب وكييف ضد إيران.  

احتمالات مفتوحة على الغزو الروسي لأوكرانيا

في السياق، ومع إكمال الحرب في أوكرانيا عامها الأول، لا تظهر في الأُفق نهاية قريبة لأكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فقد اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطاب مقتضب ألقاه خلال مهرجان وطني كبير في ملعب “لوجنيكي” بموسكو يوم الأربعاء 22 فبراير/شباط، أن بلاده تحارب حاليا في أوكرانيا من أجل “أراضيها التاريخية”.

بوتين وأثناء ظهوره الذي دام بضع دقائق فقط، أشاد بقواته التي تقاتل في أوكرانيا “ببطولة وشجاعة وبسالة”، وقبل هذه التصريحات بساعات، وفي خطاب للشعب استمر نحو ساعتين، تعهّد بوتين أيضا بمواصلة هجومه العسكري بطريقة “منهجية” في أوكرانيا، مؤكدا أن الغرب يريد إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، محمّلا واشنطن وحلفائها الأوروبيين مسؤولية تأجيج النزاع الأوكراني وسقوط ضحاياه.

في المقابل، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الخميس 23 فبراير/شباط، عشية الذكرى الأولى للعملية العسكرية التي تشنّها روسيا على بلاده، إن أوكرانيا “ستنتصر” على القوات الروسية، وأضاف على منصات التواصل الاجتماعي “لم ننكسر، تخطّينا الكثير من المِحن وسوف ننتصر. سنحاسب جميع الذين جلبوا هذا الشر، وهذا الرعب وهذا القتل والنهب وهذه الحرب إلى أرضنا”.

 هذا يأتي في وقت عرضت بكين رؤيتها لتسوية سياسية لوقت الحرب الروسية ضد أوكرانيا خلال زيارة قام بها وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى موسكو الأربعاء 22 شباط/فبراير، حيث استقبل الرئيس الروسي بوتين، الوزير الصيني في “الكرملين” بعد لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف. 

اللقاء الصيني الروسي جاء في الوقت الذي عبّرت فيه الولايات المتحدة و”حلف شمال الأطلسي” عن قلقهما من أن الصين تستعد لتزويد روسيا بالأسلحة لمواصلة هجومها في أوكرانيا، في اتهام سارعت بكين إلى نفيه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.